بحر أبو جريشه .. مطرب البلوز الأوحد فى مصر – جيمس براون العرب.


مقدمه فنيه

رصد الفن النوبى حياه النوبيين فى بلادهم القديمه ولحظات الهجره وترك ارض الاجداد ثم الحياه الجديده فى مركز نصر النوبه فى صحراء كوم امبو وكانت لهذه المرحله من حياه اهل النوبه الكثير من الشجن الذى تناقلته أغانيهم والتى كانت بالنسبه لهم تعبير عن حاله الحزن من هجره ارضهم حول النيل واحضان الطبيعه الى الصحراء القاحله مما ادى الى وفاه عدد كبير من كبار السن والأطفال لعدم توافر الخدمات الصحيه والمعيشيه لهم وهذا ادى الى هجره عدد كبير منهم الى القاهره والسويس والاسكندريه وبور سعيد ومع هجرتهم هاجر الفن النوبى لهذه البلاد وأمتزج مع غبار القاهره وبحر إسكندريه وبيوت السويس وسمسميه بورسعيد .

وظهر فنانين تأثروا بالفن الغربى وبالذات الفن الأشهربأميريكا (موسيقى البلوز) المصاحبين للألات النحاسيه التى ادخلوها فى الحانهم وفى السبعينات وبعد حرب اكتوبر ظهرت موجه الفن الشعبى البسيط وسمي في هذا الوقت بالفن الهابط الذى انتشر انتشار ازعج الفنانين الكبار امثال عبد الحليم حافظ وغيرهم وابطال هذا الفن هو المطرب احمد عدويه (قهوجى) والمطرب كتكوت الأمير (طبال) فى فرقه احمد فؤاد حسن والمطرب عبده الأسكندرانى وغيرهم وفى وسط هذه الموجه ظهر مطرب غير معروف ذو اصول نوبيه اقتحم هذا المجال وإنتشر إنتشار النار فى الهشيم وهو فنان اليوم البحر ابو جريشه .

بحر ابو جريشه

اسمه «بحر محمود عبده».. ولد فى ٢١ يونيو عام ١٩٣٥.. تعود أصوله إلى قرية «جرشة» فى النوبة.. وهاجر أهله فى البداية إلى مدن القناة مثلما هاجرت آلة السمسمية وبالتحديد إلى بورسعيد، حيث التقى البحر بموسيقا النيل.. ومن بورسعيد إلى الإسكندرية.. ثم إلى بولاق أبوالعلا التى ولد فيها «بحر» لأب يعمل فى مهنة غريبة وهى «دواقة المعسل»، حيث كان يستعين به تجار الدخان لظبط نوعيته .
ولم يستقر البحر فى موضع محدد بالقاهرة.. فمن بولاق أبوالعلا إلى الألف مسكن ومن جديد إلى الإسكندرية حيث عمل «صولًا فى البحرية».. لتمتزج «موسيقى الجيش النحاسية» بالغريب القادم من آخر بلاد الصعيد و بالرغم من اتفاق الجميع على أنه كان «صولًا فى البحرية».. إلا إن الذين عملوا معه لسنوات أكدوا أنه كان من بين «الهجانة» الذين يعملون فى حرس الحدود وبينهم والدى الذى أكد هذه المعلومه التى وضحت فى ذهنى طريقه غناء البحر أبوجريشة..و الهجانة(حرس الحدود) وهم الرجال الذين يركبون الجمال ، فإنه مما يعرف عنهم هو علاقتهم بفن «الحدو» وهو نوع من الغناء الارتجالى.. وهو سمة من سمات مقدمات أغنيات أبوجريشة.
الغريب أن البحر لم يجئ إلى القاهرة بحثًا عن منتج لألبوماته كما هو المعتاد.. لكن الرجل الذى جاء به هو رائد الغناء النوبى «على كوبانا».. هذا الرجل هو الذى طلب من المنتج نصيف قزمان أن يستمع إلى البحر أبوجريشة وحتى يضمن موافقة صاحب صوت الدلتا أخبره بأن البحر «هو جيمس براون» الأغنية العربية.. وبالفعل جاء البحر ومعه أربعون عازفًا من الإسكندرية دخلوا إلى الاستديو لتسجيل خمس أغنيات دفعة واحدة.. فلم تكن الأغنيات وقتها تسجل بطريقة «التراكات المعروفة».. كانت الاستديوهات تعرف فقط الـ«وان تيك».. وهذا ما حدث.. سجل البحر أغنيات ألبومه الأول ثم غادر إلى الإسكندرية مجددًا.. وبيعت كل النسخ التى طبعها قزمان فى الفترة من مارس ١٩٨٠ حتى أكتوبر من العام نفسه.. لكن أحدًا طيلة ستة أشهر لم يطلب الألبوم مجددًا.. وفجأة وفى أكتوبر بالتحديد جاء المتعهدون من كوم الدكة وسيدى بشر وكرموز ومعظم أحياء الإسكندرية يطلبون طبعات جديدة.. وبعدها بشهور انتقلت العدوى إلى موزعى الكاسيت فى بقية محافظات مصر ليصبح البحرأبوجريشه هو مطرب الكاسيت الوحيد الذى ينافس المطرب احمدعدوية وفوجئت كأسوانى يعيش فى القاهره يعرف بحر ابو جريشه أن القاهره فى غضون اسابيع قليله تردد أغانيه معايا وتنسى عدويه وغيره وأصبحت مرجع لأغانى اسوان والنوبه لأهل المنطقه وأصدقائى وهذا كله بفضل عمنا البحر.

نشأته وبداياته

  • مطرب البلوز الأوحد فى مصر سواء كان عمنا البحر منتميًا إلى هجانة حرس الحدود أو رجال البحرية.. فالمؤكد أنه لم يسمع يومًا عن موسيقى البلوز.. إلا أن بعض المتخصصين يؤكدون أنه أحد أهم من قدم هذا النوع من الموسيقى فى مصر.. وقبل أن نؤكد أو ننفى ذلك.. أحب أن أشير إلى أن ذلك النوع من الموسيقى عرفه الأمريكان فى القرن السابع عشر الميلادى عن طريق رجال الدين السود الذين ترنموا بأغنيات حزينة والعمال الذين اشتكوا من قهر وعبودية أصحاب العمل الأمريكان.
  • وتميزت تلك الموسيقى بالارتجال واستخدام الكورال والآلات التى تُشبه الأصوات الآدمية.. وتميز مغنى البلوز بصوت خشن وحاد.. وهو ما كان يميز صوت البحر أبوجريشة الأجش.. وكلمة «blues» تعنى فى الإنجليزية «الشخص الواقع تحت سيطرة العفاريت التى تسبب الحزن والإحباط».. أى «الممسوس بالعفاريت الزرق».. ويبدو أن لجوء كل أغنيات أبوجريشة للتعبير عن حالة حزن مستمر وكلمات أغنياته التى تتحدث عن غربة دائمة ورحيل مستمر، استدعت ذلك النوع من الموسيقى.
  • هل يمكن اعتبار أغنيات أبوجريشة من هذا النوع الموسيقى؟،
  • – يمكننا ذلك.. فأهم ما يميز البلوز رغم عدم اعتماده على السلم الخماسى أنه قريب المذاق من الأغنيات التى تستخدم ذلك .. وكذلك استخدام الآلات النحاسية بهارمونى غريب وقادر على الامتزاج مع الميلودى الشعبى، إضافة إلى الصوت الخشن صاحب الإحساس العالى فى نفس الوقت، وكلها سمات موجودة فى أغنيات البحر أبوجريشة.
  • سر ذلك الحزن الموجود فى صوت الرجل ربما يعود إلى حزن فطرى لدى كل النوبيين الذين يحلمون بالعودة من رحيل لا نهائى .
  • «كفاية بعاد كفاية
  • خليك على طول ويايا
  • سنتين واقفين على المينا
  • سنتين ولا تسأل فينا
  • صابرين والشوق كاوينا
  • اسمع يا حبيبى.. ندايا».
نجاح قيمة الرحيل والغربة وفقد الحبيب مع البحر، دفع آخرين لاستثمار هذا النجاح، منهم عمرو دياب ابن الشرقية الذى هاجرت أسرته إلى بورسعيد قبل أن يرحل هو للقاهرة بحثًا عن فرصة.. النجاح الرهيب الذى حققته أغنية وماله، أغرت عمرو أن يعيد توزيعها مع الموسيقار محمد هلال ليقدمها فى ألبومه «هلا هلا».. لكن الذين أحبوها بصوت البحر، ظلوا يغنونها بطريقته:
«وماله.. لو حبيته
جوه عينيا داريته
أنا ليلى نهارى
فكرى بيه مشغول
كيف انساه دلونى
هوه ده معقول؟!
قولوا زى ما تقولوا
لكن حبه باصونه..
والله ماله».


أخلص أبوجريشة تمامًا للونه الغنائى، وموسيقاه الحادة، وآلاتها النحاسية التى تخلع القلب مع كلمات أغنياته التى تناوب على كتابتها عبدالعزيز زين العابدين وأحمد المستشار وغيرهما من شعراء النوبة ‏المعروفين.. وبلغت ألبوماته عشرة ألبومات.. مثلها مثل أبنائه العشرة وجميعهم يعملون بالموسيقى ما بين عازف ومطرب وآخرهم سلوى أبوجريشة التى أعادت غناء معظم أغنيات والدها، وبعضها نجح فى ‏اجتذاب جيل جديد، وفى مقدمتها «يا قلبى العطوف»:‏ ‏«يا قلبى العطوف لف الدنيا شوف وقلى فين حبيبك من بين الألوف أخاف لتوه يا قلبى وتقول الظروف».‏

ياقلبى العطوف
ماله لو حبيته
ليل يابو اليالى
فينك ياحبيبى

وفاته رحل عمنا البحر ابو جريشه بسكته قلبيه فى ثلاثون مارس عام ١٩٩٥ بعد ارهق قلبه بالترحال والسفر وانتهت توهته فى الدنيا .. لكن توهة أبناء جيلى لم تنتهِ بعد.. تقول إيه.. مقادير!‏ ‏«مقادير..‏ وتعبنا من المشاوير ومشينا مهما مشينا مشوار الغربة.. طويل».‏

مقادير