قصص للمشاهدة في وصف خرائط الروح


بقلم : عدنان بشير معيتيق

ماجدة نصر الدين فنانة ملتزمة بفنها تؤمن بأن الفن مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المبدع , لها روح تفاعلية بالاندماج مع الآخر مع الحفاظ على الخصوصية والمؤسسة لكيانها المتميز. غير متذبذبة في إنتاجها ,تعتمد منهج فني خاص في التعامل مع مفرداتها التشكيلية .ترسم بالألوان والفحم والقهوة والمواد المختلفة الأخرى حسب الحاجة الفنية للعمل وأيضا وبكل تأكيد ترسم بألوان الروح المعتمدة عليها في سرد قصص اللون وحكاياته, فنانة مثقفة مطلعة لما يحدث على الساحة الفنية العالمية والعربية.

هناك وشائج عميقة بين أعمالها الفنية الأخيرة وفنون ما بعد الحداثة حيث تقدم عملها الفني كخلطة متعددة الاتجاهات والمدارس الفنية ليكون الرسم والنحت والتنصيبات في الفراغ جزاء أساسيا منه ولتجبر المتلقي من أن يصبح هو نفسه مفردة من مفرداتها المتحركة يتنقل بكل خفة في داخل فضاء افتراضي هي قامة بصنعه, فتكون القاعة المعروضة بها هذه الأعمال كلها فضاء لأعمالها المنجزة التي تصبح عالمها الحامل لمعان كثيرة فهي أغنية للحياة والمحبة والتعايش وصرخة ضد الحرب والعنف والخوف والجهل ,شاركت في العديد من المعارض الفردية والجماعية والتي تعلن فيها رفضها واحتجاجها على هذه الممارسات الغير إنسانية .

تؤمن أن الرسم والشعر توأمان لام واحدة هي الموسيقى ويتضح هذا جليا في معظم أعمالها فهي طافحة بالشاعرية ممتلئة بموسيقى الروح ومفرداتها.

رغم اعتمادها على تأثيرات لونية انفعالية وتنتهج التجريدية في معظم أعمالها وتركيزها على الحالة التعبيرية بمشاغباتها الفنية وعدم اهتمامها بالدلالات والرموز في منجزها الفني بشكل مباشر فإن المعنى يتسرب إليك بكل خفة ولا يغادرك حتى يترك عندك انطباعا جيدا , فمتعة المشاهدة تكمن في القصص البصرية لخرائط الروح الممتلئة بها أعمالها المختلفة فإنك تستمع لأصوات لا تتوقف عن السرد بالمشاهدة : أزهار برية ,سهول , جبال , صحراء , وجوه صغيرة متوارية خلف لون قاتم,نوافذ مفتوحة على دهشة الطفولة, أبيض , رمادي , فرح , حزن ممتلئة بموسيقى اللون وتناغمات التكوين الكلي للعمل الفني, فهي تتتبع بأنفاس متقطعة لما يحدث في الداخل العميق ليترجم بأدواتها هي في أعمالها هي أيضا.

وكأنها تقيم وطنا داخل لوحاتها تعيش على مخزونها في حالات الضعف البشرية فهي أي لوحاتها كالكائنات المتوهجة في عتمة الليل الحالك وأخرى كأنها سنابل خضراء ترقص فوق حقل ابيض من خربشات ذاكرة أحلام صغيرة ناصعة تستأنس بوجودها في فضاء رحب فلا توجد أسوار ولا بوابات تمنعها من المسير .

من الملفت للانتباه أن الإنسان اقل حضورا في أعمال الفنانة رغم اهتمامها بواقعه وهمومه فهي ترسم الطبيعة الداخلية للبشر بأحاسيسهم, أمالهم, أفراحهم وأحزانهم, فالتجريد أو التعبيرية التجريدية بالتحديد هي الغالب على هذه الأعمال فمن الملاحظ أن الفنانة وقعت في التكرار لبعض من الأعمال فأصبحت كثير منها متشابه في شكلها الخارجي مما يسبب بعض الإرباك للمتلقي لان التنوع مطلوب لإثراء الحالة البصرية المقدمة ومع هذا كله من السهل أن تهزك من الداخل فهي تضعك أمام خيارات كثيرة من الصعب الإفلات من إغوائها, تدخل عليه بشدة وتتركك بكل يسر وحينها تدرك قصة ما في مكان ما.

عدنان بشير معيتيق

فنان تشكيلي