ادر سورية بحقيبة من الآلام والألوان
صفوان داحول: لوحتي احتمالات متعددة
التاريخ:: 22 فبراير 2014المصدر: ديانا أيوب ــ دبي
حافظ التشكيلي السوري صفوان داحول على لغته اللونية الخاصة التي رافقته منذ بداياته، وواظب عليها مدة تصل إلى 25 عاماً، دون أن يجد في الاتهام الذي لاحقه بالتكرار من الصحة ما يدعوه الى تغيير أسلوبه. يرى داحول ان اللوحة التي يرسمها عصية على التكرار، وهي أشبه بحالات يقدمها من خلال المرأة التي تحولت الى «الراوي» كما يحب أن يسميها. انتقل داحول إلى دبي منذ ما يقارب عامين، ويعيش حالياً في غربة لاشك أنها تؤثر فيه على الصعيد الشخصي إن لم يكن على المستوى الفني أيضاً، وقد حدثنا عن أوجاع الفنان السوري في ظل الوضع الراهن ومسيرته، والكتاب الذي يحضر له في هذا الحوار.
Invalid Displayed Gallery
سيرة لونية
media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/02/97289.jpg
ولد الفنان صفوان داحول في مدينة حماة، وقد انتسب إلى مركز سهيل الأحدب للفنون في سورية، ثم تابع دراسة الفن في كلية الفنون في دمشق، بينما حصل على الدكتوراه في التصوير في بلجيكا عام 1997. تحمل أعمال داحول الكثير من الملامح التاريخية وذلك من خلال الملامح الفرعونية التي تظهر في عيون المرأة التي يرسمها، إلى جانب تأثير الحضارة الرومانية من خلال أشكال الأصابع التي يرسمها.
المرأة والرجل
تعتبر المرأة الفرعونية الملامح من الثوابت التي لا تفارق لوحات داحول، فهي تجلس على كرسيها وتنحني على بعضها بعضاً أو تقف على نافذة مفتوحة، لا تغيب عن اللوحة حتى حين يتعمد تضخيم الوجه، فنرى ملامحها بوضوح. لكن هذه المرأة كانت لها محطات مع الرجل الذي يظهر ويختفي في أعمال داحول، فنجده يساندها ويكون الى جانبها أحياناً، بينما يتركها وحيدة في فضاء الكانفاس في أحيان أخرى.
لوحات ملونة
على الرغم من حرص الفنان السوري صفوان داحول على استخدام لغة لونية معتمدة على الأبيض والأسود، والتي جعلها أقرب الى الرمادي اليوم، فإنه في مراحل سابقة قدم مجموعة من الأعمال الملونة التي كانت تحمل صياغة لونية ثابتة أيضاً، إذ نجده يميل الى الخلفيات المائلة إلى اللون الأصفر مع الأزرق في اللوحة.
شكل ترك سورية والانتقال الى دبي بسبب الحرب الدائرة في سورية محطة لداحول، وقال عنها «الوجع السوري لابد أنه يحضر مع الفنان، فهو يحمله معه، فمن يترك بلده يعش غربة بلاشك، جو جديد ومناخ جديد، والأوضاع التي نسمع عنها من خلال النشرات الإخبارية، وكذلك ما يتم نقله لنا من قبل الناس الذين مازالوا موجودين في سورية، كلها عوامل تزيد الضغط النفسي على الفنان، لكن للأسف قدر الفنان أن يحول كل ما يعيشه مهما كانت قساوته إلى فن». وأضاف «لم أغيّر في لوحتي على الرغم من كل ما حدث، فالكلام الذي أريد قوله من خلال فني مازال هو نفسه، وأعمالي هي نفسها تقريباً، وبالخطوات ذاتها». أما البيئة المحيطة التي تؤثر في الفنان والتي تركها داحول بعد ان غادر سورية، فلفت الى أن المرء يتخذ قرار الهجرة حين يشعر بأنه لم يعد قادرا على رؤية نفسه في بلده لأي سبب، لكن ما الفائدة طالما أنه يضع الأحلام والآلام والفرح والغضب في حقيبة ويحملها معه؟ فليس من المهم أين هو المكان الجديد، فالمرء يصنع عالماً جديداً كونه مضطراً للاستمرار. وتابع الفنان السوري «لا أعرف ان كان الطريق الذي أسلكه يومياً لمرسمي في دبي يشبه الطريق القديم الذي كنت أسلكه لمرسمي في الشام، لا أنظر الى هذه الفروقات، أريد ان استمر، وسأدافع عن استمراري، لأن هناك الكثير من الكلام الذي أريد ان اقوله ولم أنته بعد». واعتبر داحول أنه من الأفضل ان يكون المرء قادراً على ان يعبر من خلال ما يفعل، وهذه نعمة تضاف إلى الفن، فيصبح المرء شاهداً حقيقياً على ما يحدث. وأردف قائلاً: في أقل الأحوال يجب أن يكون الفنان صادقاً، لأنه يعيش حالات كثيرة في فنه، منها أنه مجبر على التوجه الى حيث موقع الفن والمعارض الجديدة من جهة، وكذلك أن يعبر عما يحدث في مجتمعه من جهة أخرى. ولفت الى أنه من الضروري أن يدرك الفنان ان ما يقدمه هو عمل فني ولا يدخل الأجواء المباشرة ولا يحمّل اللوحة أكثر مما تحتمل، فاللوحة ليست نشرة إخبارية، مشيراً الى ان العمل الفني يؤمن نوعاً من التوازن الخاص والشخصي، فالفنان أمام اللوحة يعيش صراعات عدة، من ضمنها السعادة الشخصية والتفريغ. أما إيمانه بالحياة فتمنى أن يكون قويا. وأوضح أنه «من الظلم لأي انسان ان يفقد إيمانه بالحياة، بسبب ما نعيشه من ظروف صعبة، وليس هناك مخيلة تحتمل ما وصلنا إليه، وقد تربينا على ان الإنسان أقوى، وليس بالامكان ان نعيش كل الثواني بالغضب، الله خلق الحياة لتكون أجمل من الغضب».
لاحقت داحول اتهامات بالتكرار بسبب حفاظه على لغة لونية تقوم على التقشف، إلا ان هذا الاتهام لم يؤثر فيه، فيشير الى اختلاف كبير بين التكرار والاحتمالات، فالمبدأ الذي يرافق أعماله هو الاحتمالات المتعددة، وفي كل عمل هناك آلاف الاحتمالات. وأضاف «أتبع الفكرة في العمل، ولا أميل الى ان أكون ديكتاتوراً وأفرض على الفكرة نهاية حين تنتهي اللوحة، بل أسير مع الفكرة عبر سلسلة لوحات». وشدد على ان الفكرة التي يقدمها قابلة للتمدد مع الزمن، ويحتاج الى ألف سنة اضافية كي ينجزها، فالفن عمره آلاف السنين ويستمر لأنه يحمل قابلية التمدد، حتى الفنون الحديثة والمعاصرة لها مصدر سابق، وهي استمرار لما قدم قبلها. وأشار الى أن العمر الافتراضي للفنان ينتهي جسدياً أحياناً، ويأتي من يكمل أفكاره من بعده، وهذا لا يمكن إلا حين تتابع الفكرة. ورأى داحول وجود أسماء عالمية قدمت فكرة واحدة طوال مسيرتها الفنية، متسائلاً ان كان من الممكن اتهامها بالتكرار. وأكد أنه في البداية كان هذا الانتقاد يزعجه قليلاً، خصوصاً أنه يضع أعماله في معارض فردية، فاللوحات تتجاور، كما أنه قدم كتاباً يوضح فيه الاحتمالات التي يقدمها والتشابه والاختلاف مع أسبابهما، أما اليوم فلا يتأثر بهذا الكلام، بل يمضي في أعماله التي تعبر عن الفكرة التي مازالت تحتمل الكثير.
أما المرأة التي رافقته في الأعمال، فقد تحولت الى الراوي الذي يقدم من خلالها ذكرياته، كأنه يروي مجموعة من الأحداث، بينما في المقابل يأتي البناء الهندسي، اللغة التي يعتبرها داحول لغته الواضحة والمسموعة والمرئية «ففي النهاية هي أمور تقنية وبصرية، والزوايا والانحناءات وكل ما أقدمه تشريحياً لا ينتمي للواقع، بل لغة رمزية عالية».
إلى جانب المرأة التي رافقت داحول في أعماله، كان عنوان حلم مرافقاً له أيضاً، وقال بهذا الخصوص «لا أحب أن أفسر للمتلقي، أحترمه وأفرح حين استمع الى ما لم أكن أراه في العمل، وهذا أمر يرتبط بالفنان وأسلوبه». أما في المعرض الأخير فقد استبدل داحول «حلم» بعنوان «كأنه حلم»، لأنه وجد الواقع أقسى بكثير، وأن ما يحدث لا يمكن ان يصدقه أو يحتمله اي إنسان.
(دائماً كنت أحلم أن أكون رساماً … الآن مهنتي الرسم… متزوج وعندي ثلاث صبيان… وأرسم لأني مازلت أحلم أن أكون رساماً… إنه مجرد قدر…) صفوان داحول: مواليد حماه1961م…خريج كلية الفنون الجميلة-دمشق- قسم التصوير 1983م… خريج قسم الدراسات العليا كلية الفنون الجميلة –دمشق1985م… خريج المدرسة العليا للفنون الجميلة ببلجيكا 1987م … نال شهادة الدكتوراه من المعهد العالي للفنون التشكيلية – مونز- بلجيكا… عاد إلى كلية الفنون الجميلة- دمشق كمدرس في قسم التصوير عام 1997م … حاصل على جائزة ملتقى إعمار الدولي في التصوير… إحدى لوحاته حققت أرقاماً قياسية في المزاد الثاني لدار كريستي بدبي.
السوري صفوان داحول.. فنان لا تتجاوز لوحاته الألم
فاطمهنشر في القاهرة يوم 04 – 01 – 2011
أضيف إلي قاعات عرض الفن منفذ جديد لعرض الفنون ليزداد التفاعل داخل المشهد التشكيلي المصري- العربي في قلب القاهرة بافتتاح «جاليري أيام» لفرعها الجديد في القاهرة بعد فروعها في دمشق وبيروت ودبي.. واختارت «أيام» لوحات التصوير للفنان السوري صفوان داحول لتفتتح به نشاطها.
شاهدت المعرض في الجاليري المهيأ للرؤية الجيدة وأهدتني مديرة القاعة كتاباً ضخماً عن أعمال الفنان صفوان الذي كنت شاهدت له من قبل عدداً قليلاً من اللوحات.. وبهذا الكتاب وبلوحات المعرض أمكنني ان أدرك إلي حد كبير مسار هذا الفنان شديد التميز الذي لم يغادر مدار آلامه الذي اختاره لنفسه منذ سنوات ليزداد الألم برحيل زوجته ليصبح برحيلها تأثير ازاحة الألم مباشر للغاية من نفسه إلي سطح اللوحة.. ولعشرات من اللوحات.
ولوحات الفنان صفوان بها ثراء بصري ورمزي وأيضاً هي مجال خصب للسرد العاطفي وتقترب تقنيته قليلاً من مفهوم الحافة الصلبة للفن التجريدي بالتجائه للحد الأدني في السرد البصري ويمكن ان نتساهل فنقول ان اتجاهه يقترب إلي حد ما من فن البوب.
الفنان صفوان آراه في معرض القاهرة الذي هو امتداد لمعارض أخري ما زال محصورا في دهاليز بصرية ووجدانية لفترة مرض زوجته ثم رحيلها عام 2008 ثم ما بعد الرحيل حتي الآن.. وهذا يلاقي لدي الفنان قبولا وجدانياً لميله الدرامي فالحزن الكامن في لوحاته بدأ قبل ذلك بسنوات طويلة.
ورغم وضوح ومباشرة هذه التيمة للمرض والتي شاهدتها في معرض «أيام القاهرة» ولوحات كتابه أري الفنان صفوان قد جعل من زوجته «أيقونة» للمرض وطوطم لوحاته حتي اعتادها المشاهد عبر متابعته زمنياً.. ورغم هذه المباشرة إلا ان هناك غموضاً في لوحاته واحتباسا لحقيقة ما وربما هذا هو أمتع ما في لوحاته أكثر من فكرة السرد المرضي وما يتبعه من إحساس بالسلبي الظاهر واللوعة لفعل التضحية.
الفنان رسم زوجته في حالات معاناتها في استسلام ورحيلها استخدم فيه كثيراً تكرارات «ثنائية» للشخصية في اللوحة الواحدة باللونين الأبيض والأسود كثنائية في كل لوحاته وكأداة لتحقيق فراغ معنوي وجمال قصدي.. وهذه الثنائية استحضار الشخصية وثنائية اللون أراه استحضر أيضاً ما يوحي بثنائية انقسام الذات.
وتبدو في لوحاته ثنائية أخري متناقضة من تقبل الحياة.. فنراه في معالجته المتكررة والدائمة بالتفاف القدمين حول بعضهما البعض وكذلك الساقين لجسد ثقيل في مادية ربما هي رغبة في عدم الارتباط بالمادية الأرضية أو رغبة الانسحاب من الواقع المادي بينما نجد معالجته لأصابع الكفين تحاول شق طريقها للفراغ لأعلي في التواءات من يعاني رغبة في الانطلاق حتي عن الجسد. فتظل القدمان قيداً أرضيا في استسلام سلبي والأصابع هي الفاعلة الإيجابية وهذا التناقض يثير الحيرة في لوحاته.
ومثلما بدت لديه الأقدام أرضية مادية اتفق هذا واللون الأسود ومقاعد لوحات القائمة في ارتباطها والأرضي بينما محاولات انعتاق الأصابع اتفقت وفكرة التحليق التي بدت واضحة في إضافته أجنحة لشخوصه والذي ألصقها في بعض لوحات زوجته الراحلة كرمز مباشر للملائكية إلا ان الأجنحة ظهرت مبكراً في لوحة رسمها عام 1989.. وأري ان إضافته لأجنحة صغيرة رقيقة فوق كتفي زوجته الراحلة لم يضيفا شيئاً إلي الإحساس الدرامي وبديا رمزاً مقحماً للفقد لأن الجناحين رمز للطيران والارتفاع.. والغريب انه لم يعد للأجنحة رمزية مباشرة للتحليق ففي عام 2002 رسم امرأة جالسة ملتفة القدمين أرضاً ورأسها متكئ علي ركبتيها وفوق ظهرها جناحان صغيران.. فالانكفاء دون التسامي والجلوس دون التحليق.
ومنذ عام 2000 بدأ الأبيض والأسود يظهران في لوحاته والانكفاءات ولم تعد هناك نوافذ تطل منها شخوصه علي الخارج وبدأت تظهر مقاعد تحتضن شخوصه المنكفئة ثم بدأ إحساس الفقد يتصاعد برسمه المقاعد الشاغرة.
وفي معرض القاهرة ظهرت مقاعد شاغرة وفضاء اللوحة مضغوط ليتدفق ذلك والسكون الاستسلامي وعدم التواصل بين ثنائياته النسائية اللاتي يظهرن دائما كتوأم إحداهما تنسلخ من الأخري.. الأصل والمادة..
الصورة والطيف
وهناك رمزيات أخري في لوحات الفنان السوري فاهتمامه برسم القدم ربما يرتبط بما في المعابد القديمة بالأخفاف المحفورة في التراب كرمز للشخص القادم لتقديم أضحية.. كذلك العين التي يدفعها صفوان داحول تجاه المشاهد في تركيز أو كأنها عين منومة وهي ربما ترمز إلي انفتاحها علي الأبدية كما في بورتريهات الفيوم في مصر الرومانية.. كذلك لجأ الفنان إلي رسم عين «الأودجا» المصرية الفرعونية لنساء لوحاته كنقيض لعين الإنسان ولعين الباز حورس..
كذلك رسمه للكف تكمن في رمزية من خلالها يمكن ادراك نوع المرض الذي يصيب صاحبه.. وفي رمزية للأبيض والأسود جمع النقيض فالأبيض رمز الطهارة المنتشرة في الزمان والمكان والأسود ندركه والفراغ، ولنراهما متحدين بحيث لا يمكن الفصل بينهما وبين موت من جهة وحياة من جهة أخري.
والفنان صفوان هو مخطط بارع ويميل للسردي من لوحة لأخري وتكاد تكون لوحاته مجملة وفرادا شكلاً أدبياً وكأنه لا يرسم فقط بل يقصد ان يكمل موسوعته البصرية في وحدة وجدانية شديدة يحاول ان يضع كل علامة في زاويتها المناسبة.. رغم ان مفرداته البصرية مكونة من أنماط مكررة.
أما عن شخوصه وعلمي انه يرسم زوجته الراحلة دوماً إلا أنني تمنيت ان يتخطي الحدث وزمانه ليجعل الرؤية أوسع في إنسانيتها حتي لا يبدو متحركاً في نطاق زمني محدد ومحدود بدرامية معينة ليتمكن من رسم الإنسان أي يجسد فكرة معاناة الإنسان عامة وليست الشخصية.. وهذا سيجعل الضوء الباطني أكثر تألقاً، بدلاً من تقديم معاناته وزوجته في صور متشابهة الهيكل وبطريقة ومنظور واحد.. فأين مجادلة الفن هنا وهو يكرر عاطفة منصوصاً عليها من حيث القوة بشكل متطرد وفي مواقف محبطة الموضوع.. أعتقد أنه علي الفنان داحول الإفراج عن «نوار» زوجته الراحلة وآلامها من قيود تمثيلها المتكرر وتكريس آلامها.. فكيف بعيني مبدع وباهر مثل صفوان يحصر نفسه وتجربته عبر منظور واحد ويضيق الخناق علي المشاهد.. فقد يجعل هذا المشاهد متورطاً عاطفياً مع التجربة المؤلمة وحتي لا يتم الخلط بينه وبين التجربة الجمالية وهذا التكرار لن يضيف شيئاً ويصبح مجرد سرد في متوالية ممتدة للامتداد ذاته.. ويصبح هذا كل شيء.. وهذا التمديد لن يجعل المشاهد متعاطفاً قدر ما يجعله عاجزاً عن فهم وتفسير هذا الألم الممتد في ذاته والذي سبق وشاهده قبلاً وبإلحاح من الفنان.
أعتقد ان هذا الامتداد للألم في جانبه الدرامي في لوحات صفوان يبدو كسلسلة من العنف المادي يؤكدها الأبيض والأسود في حدتهما البصرية.. وهذا التكرار لآلامه ربما ورط المشاهد فيه واعتاده.. فهل علي الفنان ألا يجعل مشاهده يمل من حفظ خريطة آلامه.
الفنان التشكيلي صفوان داحول: العمل اليومي يجلب الوحي والإلهام
الفنان التشكيلي صفوان داحول: العمل اليومي يجلب الوحي والإلهام
الفنان التشكيلي صفوان داحول: العمل اليومي يجلب الوحي والإلهام
لوحات الفنان “صفوان داحول” توحي بأشياء قريبة إلى الروح والوجدان، أو اكتشاف اللاشعور، هي تشبه أنفاس قادمة من عالم خفي ومدهش معاً، فهو يتحفنا دائماً بكائنات يشغل الإحساس تجسيدها أكثر من الجسد، يفتح لنا ممرات داخلية متواصلة بين الحلم والواقع، في خصوصية واضحة لأسلوبه في الرسم. تغيرات مرئية تعتمد على توظيف هندسي طورها بجهد شاق وموهبة غير عادية.
التقينا الفنان التشكيلي “صفوان داحول” في مرسمه وكان لنا معه هذا اللقاء المميز
أحياناً نقرأ حزناً، وأحياناً بعداً وصمتاً، بكمية كبيرة من الأسرار الداخلية، هل يستطيع الفنان “صفوان” الرسم في أي وقت؟
طبعاً، وهذا هو مبدأي، فأنا لا أحب أن أحدد سبباً أو وقتاً للرسم، وأبقى بشكل يومي في مرسمي لمدة ثمان ساعات، ربما يتعلق سؤالك بما يسمى “استحضار الفكرة” مثلاً، لكني لا أؤمن بهذا الأمر أيضاً، لأن الفكرة تأتي أثناء الرسم، ولا يجب أن يكون لها وقت محدد لاستحضارها، العمل اليومي يجلب الوحي والإلهام، وليس بالضرورة أن أنتظره حتى يأتي، وأحياناً أبدأ بفكرة، لكني أجدها تتغير كلياً أثناء الرسم، لذلك، يكفيني وجود 10 % من الفكرة في مخيلتي وأن أترك 90 % منها كمفاجأة لي.
العلاقة بين الفنان ورسوماته علاقة العاشق والمعشوق، لاسيما أن ملامح الشخصية الذكورية في رسوماتك تشبهك، فإلى أي مدى تشبهك لوحاتك؟
تشبهني لأقصى حد ولدرجة التطابق، فأنا أشعر عندما أرسم أني أكتب مذكراتي اليومية، و كل شيء جديد أحب أن أقوله، أشعر أنه مرتبط بالكتابة أكثر من الرسم، كما أني أرسم الشيء الذي أعيشه وليس الشيء الذي أتخيله، حتى أني أفترض أحياناً أني أصور نفسي صوراً فوتوغرافية.
حدثنا عن ذلك الحزن المكنون في لوحاتك!!
مواد الرّسام ليست ريشاً وألوان فقط، بل هي مواد معنوية أيضاً منها “الفرح” و”الحزن” و”الحلم”، وهذا يعطي الصدق لـ اللوحة واللون والموضوع، “الحزن” ليس مادة استفزازية أو قابلة للمزاودة، بل ترتبط بطبيعة الشخص وحياته، وما حوله من أمور تشدّه نحو المجهول والغموض، الذي يولّد الخوف والحزن أحياناً.
ما سر اهتمامك بالتفاصيل الدقيقة، رسم العينين وتشكيلهما وحركة الأصابع وخطوط الرقبة؟
أحياناً يبدأ الفنان بشكل معين للرسم، لكنه لا يعرف إلى أي وقت سيستمر بهذا الشكل، ومع الوقت يصبح هذا الشكل هو خصوصية الفنان، ربما هذا ما يفسر تركيزي على شكل “اليدين والأصابع والرقبة” في رسوماتي، لقد أصبح بيني وبين تلك التفاصيل ألّفة معينة، ومع الوقت تتطور وتقدّم أشكالاً جديدة، لذلك لا أريد أن استبعدها من لوحاتي.
كيف توظف الأشكال الهندسية “مربع، مثلث” في لوحاتك، ولماذا؟
أنا متشدد جداً بموضوع “التكوين”، لأن الأساس المعماري للوحة هو من أهم الأشياء، حتى لو كانت تجريدية، فالعمارة شيء هندسي بالنهاية، وأنا أعتمد على “التكوين”، لأني أجد فيه حيلة ثانية، خصوصاً أني أخفف من الألوان وأعتمد الاختصار الشديد، الشكل الهندسي يدعمني باللوحة ويعطي التكوين الصحيح لها.
هناك كمية كبيرة من الأسرار تتسلل عبر الحنين إلى ذكريات مضت ! كيف تؤثر تلك الذكريات في لوحاتك، إن كان لها تأثير؟
الذاكرة أيضاً هي مادة إضافية للفنان، ففي أوقات ولحظات معينة تبقى مسيطرة على الإنسان ولا تفارقه، ربما مدى الحياة، هذه الأحداث تتثبت بالذاكرة، وتؤثر في رسومات الفنان، ومن ثم يذهب السبب الأصلي ويشتغل الفنان على اللوحة الجديدة، لكن عند العودة للمصدر الأساسي نجده مأخوذاً من الذاكرة، لذلك يقولون أن الفن هو سلسلة، لأنه يعتمد على ذاكرة تعود لآلاف السنين.
ما سبب اعتمادك على لونين أساسيين في رسم اللوحات، “أصفر وأسود” أو “أسود وأبيض” ؟
أحياناً لا نستطيع تفسير كل الأشياء التي نقوم بها، لقد فكرت صدفة بتخفيف الألوان في رسوماتي، وهذا الأمر لاحظت أنه مع الوقت منسجم مع أعمالي، ربما السبب أني لا أرى ألواناً كثيرة في حياتي، عندما أنتج العمل بهذه الألوان القليلة فهذا يرتبط بما أعيشه حالياً من تقشف بحياتي، وليس بالضرورة أن تكون الألوان الكثيرة هي التي توصل الفكرة. المهم النتيجة وليست الوسيلة.
كان لك معرضاً في “دبي”، وآخر في “بيروت”، كيف وجدت ردود أفعال الناس هناك، وإقبالهم على شراء اللوحات؟
هذا معرضي العشرون، ومع تكرار المعارض يزول الخوف منها ومن نتائجها المتعلقة بردود أفعال الناس، ويبقى تحدي الفنان لنفسه، لأنه يعمل أصلاً لذاته ويتحدى نفسه، عندها تصبح الآراء مجرد تحصيل حاصل، وأنا أشعر بالراحة عندما اكتشف بالنهاية أني أتحدى نفسي فقط. أما موضوع التسويق فإن الفنان يعتاد عليه مع الوقت، وبما أن عملي الآن أصبح مرتبطاً مع غاليري “أيام”، سواء في “دبي” أم “بيروت”، فأنا أريد أن أقول بأمانة أنهم يقومون بجهد كامل وكبير بالنسبة للفنان. أنا مرتاح جداً لأنهم يقومون بهذا الجهد بهذه الطريقة اللائقة للفنان. غاليري “أيام”، خففت عني نصف الجهد الذي كنت أبذله.
ما هي أحلامك؟
ذكرت في أول كتاب طبعته أني أحلم أن أكون رساماً، أما الآن فأنا أحلم أن أظل رساماً.
هل تتمنى أن يصبح أحد أبناءك رساماً؟
طبعاً، وإبني “ساري” يدرس الآن الفن التشكيلي، لكن هذا الأمر لا ينتقل بالوراثة ويعود للموهبة، وأحياناً يلعب تأثر الأبناء بالأهل دوراً بذلك.
ما رأيك بمجلتنا؟
قرأت العدد الأول منها، وهي مجلة جميلة، هذا واضح من خلال وجود جهود جماعية عملت على إنجاحها، لكن المهم في كل شيء هو الاستمرار، وهذا ما أتمناه لكم .
للراغبين في إرسال أعمالهم من اللوحات الفنية التشكيلية إرسالها للمجلة ليتم نشرها حتى لو كانت
صفوان داحول
1961 – ولد في حماه ، سورية.
1983 – تخرج من كلية الفنون الجميلة بدمشق / قسم التصوير.
1985 – دبلوم دراسات عليا – جامعة دمشق.
1997 – دراسات إضافية في المدرسة العليا للفنون ـ بلجيكا.
عضو الهيئة التدريسية في جامعة دمشق، كلية الفنون الجميلة.
متفرغ للعمل الفني.
أعماله مقتناة من قبل وزارة الثقافة السورية / المتحف الوطني بدمشق / متحف دمّر / وضمن مجموعات خاصة.
– معارض خاصة
1989 صالة السيد بدمشق.
1991 صالة السيد بدمشق.
1993 صالة عشتار، دمشق.
1994 صالة L’oeil بروكسل، بلجيكا.
1995 مبنى البرلمان الأوروبي، بروكسل، بلجيكا.
1996 صالة L’oeil بروكسل، بلجيكا.
1997 صالة المسرح الملكي الفلمنكي، بروكسل، بلجيكا.
1997 صالة تموز، بروكسل، بلجيكا.
1998 صالة أتاسي، بدمشق.
1999 صالة بوشيري، الكويت.
2000 صالة الفيروز، البحرين.
2001 صالة السيد، دمشق.
2002 صالة الفنار، الكويت.
2003 مدينة دبي للإعلام (صالة قزح).