fenon

الفنان محمد عزت مصطفى

 ولد الفنان محمد عزت مصطفى فى 7 يوليو 1907 بالقاهرة و بدأ حياته الفنية بقسم النسيج عام 1922 بمدرسة الفنون و الزخارف المصرية بحى الحمزاوى حيث حصل على الدبلوم عام 1926 بترتيب الأول من بين الخريجين.

و أوفد الى روما لدراسة فن التصوير و التحق بأكاديمية الفنون الجميلة تحت اشراف الفنانين ( كلكانيادورو و كردوالدى ) و أنهى دراسته فى عام 1931 حيث عاد الى القاهرة بعد حصوله على ليسانس لالكاديمية فى تخصص التصوير و مع عودة الرعيل الثانى من الخارج عامى 1931 و 1932 الذى كان الفنان محمد عزت مصطفى أحد أعضائهوجد نفسه محكوما بحفنة من الأجانب المتسلطين على الحركة الفنية – و هنا تبنى عزت مصطفى فكرة قيام رابطة من الفنانين المصريين تهدف الى تخليص الحركة الفنية من كل المؤثرات الأجنبية. اذا نودى فى ذالك الوقت بفكرة قومية الفن و ظل عزت مصطفى فنانا مخلصا يتقدم تقدما ملموسا و سريعا و قد أحب الرسم عن المناظر الطبيعية بلأسلوب الذى كان سمة العصر و هو التأثيرية و الواقعية أحيانا و كان كله عزما و حماس للعمل و الجهاد و كانت نشأته فى الأحياء الوطنية قد أثرت تأثيرا واضحا فى الكثير من انتاجه كما كان حنينه الى تلك الأحياء يدفعه الى تصوير مناظرها بما تحويه من بيوت قديمة و ما يبدوا فيها من تجمعات الأهالى و ما تذخر به شوارعها.

و لم يكن الفنان عزت مصطفى منعزلا عن الحياة و المجتمع و ما يجرى فيه من أحداث بل كان متفاعلا معهم رقيق المشاعر مرهف الحس يعطى كل موضوع حقه من التعبير.

و عندما كان المجتمع يفور بحركات وطنية متعددة قبل ثورة 1952 حيث كان الاستعمار يلعب دوره مع الحكام أخرج عزت مصطفى عددا من اللوحات تمثل أحداثا مختلفة لعمل أبرزها جميعا لوحة الشهيد و قام عزت مصطفى بالعمل أستاذا فى كل المعاهد الفنية فى مصر منذ بداية عودته من الخارج و عمل على تطور مادة تاريخ الفن و جعل منها لأول مرة مادة ثقافية كما قام بالعمل بالمؤسسات و الهيئات الفنية و أمدها بخبرته فعمل بالادارة العامة للفنون الجميلة و المتاحف و مديرا للخدمات الفنية بمصلحة الاستعلامات و مديرا لادارة القوافل و مديرا لمتحف الفن الحديث و لم يمنعه عمله مشاكله العديدة من ممارسة انتاجه فى التصوير و فى الكتابة و التأليف و أرسى قواعد النقد فى مصر. و من مؤلفاته التى سدت نقصا فى المكتبة العربية قصة الفن التشكيلى ( ثلاثة أجزاء ) و ثورة الفن التشكيلى ( ثلاث أجزاء ) و ترجم عددا من الكتب الأجنبية منها « كيف نفهم التصوير » كما ترك عددا من الخطوطات لكتب أخرى كان يعدها للنشر. و لقد كانت حياته حافلة بالكفاح و المعاناه سعيا لنشر الثقافة الفنية. و قد تنوعف جهوده و شملت عدة ميادين فنراه قد اسهم فى ترميمات – القصور الأثرية و مثل مصر فى عدد من المعارض الخارجية فى الصين عام 1956 و السودان عام 1952 كما سافرالى سوريا ممثلا للجمهورية فى اجتماعات اليونسكو عام 1947.

و قد اسهم بقسط وافر من جهوده فما تبدله جمعية محبى الفنون الجميلة من مجهودات لتنمية الحركة الفنية و نشر الثقافة و الوعى الفنى بين المواطنين.

و قد احس فى ايامه الاخيرة بتعطش شديد الى فرشاته و الوانه فحمل ادواته مزاملا صديقه الفنان شفيق رزق و اتجه الى الاحياء الوطنية ليبشها حنينه و حبه و أخذ يرسم و يصور و كانت قد رفعت عن كاهله اعباء الوظيفة و ذلك بعد احالته الى المعاش فى 10/7/1967 فأنتج فى تلك الفترة القصيرة اعمالا أبرز ما تتصف به صفاء اللون و احاسيس الشوق للماضى البعيد و لقى محمد عزت مصطفى ربه فى 5 ابريل عام 1969 و لكن ذكراه خالدة و ستظل خالدة.

الثقافة الجماهيرية
وزارة الثقافة و الاعلام
1972

 

البيانات الشخصية

اسم الشهرة : عزت مصطفى
تاريخ الميلاد : 7/7/1907
تاريخ الوفاة : 5/4/1969
التخصص : تصوير
البريد الإلكترونى : —

المراحل الدراسية

– تخرج من مدرسة الفنون والزخارف ( كلية الفنون التطبيقية ) .
– درس بقسم النسيج اعتباراً من 1922 حتى تخرجه فى 1926 وكان ترتيبة الاول بين الخريجين .
– حاصل على إجازة الكلية الملكية بروما تخصص تصوير وهى تعادل درجة دكتوراه الفلسفة فى الفنون .

العضوية

– عضو جمعية محبى الفنون الجميلة .
– مؤسس رابطة الفنانين المصريين 1936 .

الوظائف و المهن التى اضطلع بها الفنان

– عين أستاذاً لمادة تاريخ الفن بكلية الفنون التطبيقية .
– عمل أستاذاً لمادة تاريخ الفن والنقد الفنى بالمعهد العالى للفنون المسرحية والمعهد العالى للسينما .
– ظل أستاذاً لمادة تاريخ الفن منذ عودته من إيطاليا عام 1933 .
– فى عام 1936 انتقل للعمل بالادارة العامة للفنون الجميلة حتى عام 1940 .
– فى عام 1946 عين مديراً لمتحف الفن المصرى الحديث .
– عاد ثانية الى الإدارة العامة للفنون الجميلة 1948 .
– فى عام 1951 تولى منصب مراقب الفنون الجميلة .
– انتدب للتدريس بمعهد معلمات الفنون 1960 ثم نقل الى دار الكتب عام 1961 .
– كان أول مدير لإدارة قوافل الثقافة بمصلحة الاستعلامات عام 1962.
– فى عام 1966 انتقل الى وزارة الثقافة حتى أحيل الى التقاعد فى عام 1967 .

الأماكن التى عاش بها الفنان

– عاش بالقاهرة، كما عاش عدة سنوات بإيطاليا أثناء بعثته الدراسية ، وزار الصين وسوريا ولبنان والجزائر .

المعارض الجماعية المحلية

– معرض بقصر ثقافة قصر النيل بعد رحيله افتتحه سعد الدين وهبه فى الثانى والعشرين من أبريل عام 1975 .

المعارض الجماعية الدولية

– معرض الفن المصرى فى سوريا 1951 .
– معرض الفن المصرى فى السودان 1952 .
– شارك فى المعرض الذى نظمته مصر فى بكين ـ الصين 1956 .
– معرض الفن المصرى فى الاتحاد السوفيتى 1956 .
– مثل مصر فى معرض ( الارتيجانو ) للفنون التطبيقية بفلورنسا .

البعثات و المنح

– تم ايفاده للدراسة فى الأكاديمية الملكية بروما عام 1927 وظل يدرس بها حتى حصل على إجازة الأكاديمية ( تخصص تصوير ) 1931 .

المهام الفنية التى كلف بها و الاسهامات العامة

– تنوعت جهود عزت مصطفى وشملت عدة ميادين ، فقد أسهم فى الاشراف على ترميم القصور الأثرية ، وشارك فى العديد من المؤتمرات والمعارض المحلية والدولية محاضراً وفناناً ومحكماً .
– أحد مؤسسى رابطة الفنانين المصريين وهو أول تجمع مصرى فنى يهدف الى تخليص الحركة الفنية من المؤثرات الاجنبية .
– أحد مؤسسى جمعية محبى الفنون الجميلة .
– مثل مصر فى العديد من المعارض الخارجية وفى اجتماعات اليونسكو.

المؤلفات و الأنشطة الثقافية

– تناول تاريخ الفن فى مصر والوطن العربى بشكل علمى متكامل بفضل اتقانه للغات الإيطالية والفرنسية مما ساعده فى الرجوع الى أمهات الكتب بهذه اللغات .
– له مؤلفات عديدة سدَّت فجوة فى المكتبة العربية وأشهرها الاجزاء الثلاثة لكتاب ( قصة الفن التشكيلى ) .
– ترجم كتاب ( التذوق الفنى ) من اللغة الفرنسية .
– ترجم كتابى ( ثورة الفن التشكيلى ) و ( كيف نفهم التصوير ) من اللغة الإيطالية .

الجوائز المحلية

– كرمته وزارة الثقافة المصرية العام الماضى 2006 كأحد رواد الفن الراحلين ، وبهذه المناسبة قام متحف الفن الحديث بالقاهرة بعرض مجموعة من أعماله التى يقتنها المتحف .

مقتنيات رسمية

– متحف الفن المصرى الحديث .

المؤثرات التى انعكست على الفنان فكرياً و فنياً

– كان مهتماً للغاية بتخليص الفن المصرى والساحة الفنية من القوى والمؤثرات الأجنبية التى تهيمن على الفن المصرى وتوجهه وفقاً لرؤيتها ، وكان من أبرز دعاة فكرة قومية الفن وفى أعماله التصويرية نراه شغوفاً بتصوير الحياة اليومية فى مصر حيث سجلت فى مجموعة منها مشاهد من الأحياء الشعبية مثل باب الفتوح وباب النصر ومسجد قلاوون ومسجد الحاكم والريف المصرى .

حول رؤية الفنان محمد عزت مصطفى

د. محمد عزت مصطفى تبنى فكرة قومية الفن

– الفنان محمد عزت مصطفى ( 1907 ـ 1969 ) أحد أعلام الفن التشكيلى المصرى كمصور متمكن ومؤرخ وكاتب وناقد وهو كذلك صاحب أياد بيضاء على الحركة التشكيلية المصرية والفنانين ، ومن خلال توليه مناصب عدة ، كان أخرها وكيلا لوزارة الثقافة وقد عمل وكيلا للإدارة العامة للفنون الجميلة والمتاحف ومديرا للخدمات الفنية بمصلحة الاستعلامات وكان أول مدير لقوافل الثقافة ومديرا لمتحف الفن الحديث وعمل أيضاً مدير الإدارات الفنية بدار الكتب وأثرى المكتبة الفنية بالعديد من الكتب التى نشأنا فى كنفها ، وبين صفحاتها تتناول الدراسات التاريخية والفلسفية فى الفن وكذلك ترجمات عديدة من الإيطالية والفرنسية .

– رحل الفنان محمد عزت مصطفى عن عالمنا فى الخامس من أبريل عام 1969 بعد رحلة عطاء حافلة على الصعيد الإبداعى فى مجال الفن التشكيلى كاتبا ومحللا وناقداً ومؤرخاً ليخلف لنا أعمالاً فنية خالدة وتراثا يثرى المكتبة التشكيلية حتى اليوم .

– وقد أقيم معرض لأعماله الفنية بعد رحليه بثلاثة أعوام فى قصر ثقافة قصر النيل افتتحه سعد الدين وهبة فى 22 أبريل عام 1972 .

– على الجانب التشكيلى تتميز أعمال الفنان محمد عزت مصطفى بالطابع الأكاديمى واختياره موضوعات الطبيعة الصامتة والمناظر الخلوية ومن أشهرها ميدان التحرير والتى رسمها عام 1953 وكان يجوب القرى والريف والمدن ليلتقط بحسه الجمال الكامن فى هذه الأماكن من خلال الزوايا الذكية وحيوية ألوانه وطزاجتها والتى تميل نحو الاتجاه الانطباعى والواقعى ويسجل الأماكن التاريخية فى القاهرة القديمة والفاطمية فى باب الفتوح وباب النصر ومدرسة قلاوون وخان الخليلى بالإضافة الى الوجوه والأشخاص والتى تتميز بوعيه بمفردات التشكيل وقد كان اهتمامه بالتكوين واضحا فى أعماله العديدة من خلال هندسة التشكيل ويضم متحف الفن الحديث مجموعة من لوحاته التى خلد فيها مشاهد الحياة اليومية المصرية وأنتج الفنان عدة لوحات تمثل الأحداث الوطنية بعد ثورة يوليو وقبلها ، أشهرها لوحة الشهيد .

– ولد الفنان محمد عزت مصطفى فى السابع من يوليو 1907 فى حى باب الفتوح بالقاهرة وقد كان لنشأته فى هذا الحى أثر فى تكوين وجدانه ومسار فنه فى تصوير تلك الأماكن القديمة والتى تجمع الأهالى والناس والشوارع والآثار يرسمها بحس مرهف ومشاعر صادقة ذات شحنة تعبيرية .

– التحق بمدرسة الفنون والزخارف عام 1922 منضما بذلك الى الحركة الفنية المصرية ليحصل على دبلوم النسيج عام 1926 ليواصل دراسته مبتعثا للدراسة فى الأكاديمية الملكية بروما عام 1927 ليحصل على إجازة الأكاديمية فى التصوير عام 1931 وهى المعادلة لدرجة دكتوراه الفلسفة فى العلوم وقد أشرف عليه الفنانان ( كلفاتيا دورو ) ، ( كرومالدى ) ويعين فى نفس عام تخرجه فى الأكاديمية أستاذاً لمادة تاريخ الفن بكلية الفنون التطبيقية ليكون أول من أرسى وأسس قواعد النقد الفنى فى مصر ويقوم بتدريسه فى المعهد العالى للفنون المسرحية والمعهد العالى للسينما ويعتبر أستاذاً لأجيال عديدة من الفنانين الذين هم نجوم الحركة التشكيلية الآن .

– وعلى الجانب النقدى والتاريخ فقد قدم العديد من الكتب والمراجع الهامة أهمها قصة الفن التشكيلى على ثلاثة أجزاء أولها يتناول العالم القديم وثانيها يتناول العالم الحديث . أما الجزء الثالث فيتناول عصر النهضة ومن أهم كتبه أيضا الترجمة المصرية للكتاب الإيطالى ( كيف نفهم التصوير ) لمؤلفه ليونيللو فنتورى وشارك فى العديد من الدراسات وقد أصدرت جمعية محبى الفنون الجميلة كتابا عن أثره فى الحركة الفنية المصرية شارك فى تحريره وتقييم لوحاته الفنانون : سعيد الصدر وشفيق رزق ويوسف همام ويضم مجموعة أعمال الفنان فى التصوير ويعد مرجعا لحياته وأعماله والحركة التشكيلية المصرية خلال فترة حياته .

– يؤمن د. محمد عزت مصطفى بأن الفن إذا كان إنسانيا بطبيعته فإن الإنسان اجتماعى بفطرته ومن هذا كان للفن وظيفة اجتماعية تهدف الى النهوض بالمجتمع والى تهيئة السبيل لرفع مستواه وصقل أذواقه ومشاعره فإذا ما هدف الفن الى إثارة الغرائز كان عملاً هداماً وإذا ما اقتصر على تسجيل أشكال الناس والظواهر الكونية دون تبصير بمبادئ الحق والخير والجمال كان جسدا بلا روح ، وإذا ما تركز على إبراز المهارات كان حرفة وصناعة ، أما حين يكون عرضا للخبرات وغرسا لمبادئ الحق ونتاجا مصطبغا بالحيوية وتحليلا دقيقا لمشاكل الإنسان متميزا بنفاذ البصيرة وإحياء للقيم الروحية السامية وداعيا للهداية والسلام ، حين يكون أمره على ما تقدم كان فنا إنسانيا بحق !

– يقول الفنان الراحل : يجب أن نضع مبادئ فننا من وحى قوميتنا وتاريخنا وأمجادنا ونضالنا وأمالنا لا أن نأخذ بما يأتى به الغير إلينا دون بصر بنتائجه ، ولست أقصد بهذا أن نصد كل آت إلينا من أفكار أو أن نغلق المنافذ عل أنفسنا أو نغمض أعيننا عن تجارب غيرنا ، بل أقصد بها حماية ذاتيتنا من أن تذوب فى المحاليل السامة ومن أن تتلاشى فى التيارات الجارفة الضارة فمرحى بالنسمات المنعشة تهب علينا من كل مكان وبالأزهار الفاتنة تنمو على أرض الكنانة من كل الألوان وبالألحان يترنم بها الإنسان بكل لسان .

– ويؤمن الفنان أن الفن عمل له بنية يبتدعها الفنان من وحى تجاربه وعلاقاته ويعبر فيها عن انفعالاته ويحملها رسالة الى شركاته فى الحياة الى الناس والى التاريخ مع تسليمه بأن الفن تجربة نفسية تفصح عن نفسها من خلال التعامل مع القيم الفنية بأسلوب خاص يحدد طريقة التناول ومواجهة المشاكل وكذلك بأنه الشحنة الوجدانية التى يفرغها الفنان فى انفجار طاقة وضعت الفنان وجهاً لوجه أمام قوى الكون الأولية .

– يعتبر الفنان د. محمد عزت مصطفى من أبرز الثانى فى الحركة التشكيلية المصرية وقد تبنى عام 1932 فكرة قيام رابطة من الفنانين المصريين تهدف الى تخليص الحركة الفنية من كل المؤثرات الاجنبية وذلك من خلال فكرة قومية الفن وكانت هذه الرابطة هى أول تجمع فنى مصرى فى ذلك الوقت .

– لقد تنوعت جهود الفنان فى مجال خدمة الفن فى ميادين عدة فقد أسهم فى الترميم لبعض القصور الأثرية وكذلك مثل مصر فى العديد من المحافل الدولية فى معارض فنية فى السودان عام 1952 وفى الصين عام 1956 كما سافر الى سوريا لحضور اجتماعات اليونسكو عام 1947 وقد رسم العديد من المناظر والمشاهد فى تلك الأماكن بالإضافة الى إيطاليا التى ابتعث إليها ولبنان والجزائر .

– ستظل أيادى الفنان محمد عزت مصطفى البيضاء على الفن والفنانين فى مصر خالدة من خلال تنوع إسهاماته فى هذا المجال والتى تجعلنا نحنى قاماتنا لهذا الفنان .

د. محمد الناصر
مجلة نصف الدنيا 2003

فى الذكرى المئوية لميلاده والثامنة والثلاثين لرحيله محمد عزت مصطفى .. كانت حياته فن وفنه حياه

– تحل الذكرى الثامنة والثلاثين لرحيل الفنان الكبير محمد عزت مصطفى فى الخامس من هذا الشهر ، كما تحل الذكرى المئوية لميلاده فى يوليو المقبل ، وهو اسم لمع فى سماء الفن التشكيلى فى مصر مع بزوغ شمسه المصرية فى أوائل القرن مبدعاً وعلى مسطح القماش بفرشاته المليئة بالمشاعر والحيوية وعلى مسطح الورق بقلمه ناقداً ومحللاً وفيلسوفاً ومفكراً ومترجماً ومؤرخاً وقد كان يؤمن أن العمل هو القيمة الحقيقية للحياة وأن رقى الأمم يقاس بتقدم فنونها كما كان يؤمن بأن الحياة فن والفن أقدم من الحياة فقد طبع الله الإنسان على غريزة حب الجمال وصاغ الله الكون على الجمال ودعا إلى التأمل فيه وتمثل معانيه ومن هذا المنطق كانت إبداعاته..

– إنه صاحب مسيرة جعلت من حياته فناً ومن فنه حياة ، مسيرة حافلة بالإبداع الحقيقى فهو يمتلك مشاعر فياضة وظفها فى خدمة الفن والفنانين بحكم مناصبه المتعددة التى شغلها ، فقد كان وكيلاً لوزارة الثقافة وقام بمتابعة المعارض الفنية وافتتاحها كما عمل وكيلاً للإدارة العامة للفنون والمتاحف ومديراً للخدمات الفنية بمصلحة الاستعلامات ومديراً لمتحف الفن الحديث ومديراً للإدارات الفنية بدار الكتب وكان لإجادته اللغتين الإيطالية والفرنسية والصينية كذلك أثر كبير فى حركة الفن المصرى فقد قام بترجمة كتب مهمة يستعين بها الباحثون فى مجال الفنون التشكيلية مثل قصة الفن التشكيلى فى ثلاثة أجزاء وكذلك كتاب ` كيف نفهم التصوير لمؤلفه الإيطالى ` ليونيللو فنتورى ` وترجم عن الفرنسية التذوق الفنى وقام بكتابة ` ثورة الفن التشكيلى ` الذى أهداه للرئيس جمال عبد الناصر ، وكان عزت مصطفى أول مدير لقوافل الثقافة ، كما ترك عدداً من المخطوطات لكتب أخرى كان يعدها للنشر قبل وفاته ومن أهم إنجازاته – إلى جانب أنه أحد مؤسسى جمعية محبى الفنون الجميلة – أنه تبنى فكرة إقامة رابطة للفنانين المصريين استهدف منها تخليص المراكز الفنية الرئيسية من القوى الأجنبية المتحكمة فى قضايا شباب الفنانين ، ونادى فى ذلك الوقت – عام 1932 – مع العديد من زملائه من الجيل الثانى بفكرة القومية فى الفن ، وهذه الرابطة كانت شراره التجمعات والجماعات الفنية التى تلتها بعد ذلك وكانت له جهوده فيها مع الفنانين : عبد العزيز فهيم وحسن محمد حسن والمثال أحمد عثمان والخزاف سعيد الصدر والتى كان لها أكبر الأثر على حركة الفن التشكيلى منذ ذلك الحين وحتى الآن فهم باكورة الفنانين المصريين الذى حملوا شعلة الفن التشكيلى بعد أن شغلوا أماكن الأجانب كأساتذة فى مدرستى الفنون الجميلة والفنون التطبيقية ، وقد لعب الفنان محمد عزت مصطفى دوراً تنويرياً فى نشر الوعى الفنى والثقافى بين الجماهير من خلال مؤلفاته وندواته ومحاضراته ترك من خلالها أثراً جليا لتظل أياديه البيضاء ممتدة على حركة الفن التشكيلى حتى اليوم .

-عين الفنان أستاذاً لتاريخ الفن بكلية الفنون التطبيقية بعد عودته إلى مصر عام 1931 بعد ابتعاثه عام 1927 للحصول على إجازة الأكاديمية الملكية بروما فى تخصص التصوير وهو ما يعادل درجة دكتوراه الفلسفة فى العلوم وذلك بعد تخرجه وحصوله على المركز الأول على دفعته فى كلية الفنون التطبيقية عام 1926 .

– وقد أرسى محمد عزت مصطفى قواعد النقد الفنى ليصير أستاذاً لمادتها فى المعهد العالى للفنون المسرحية والمعهد العالى للسينما ، وقد ظل فناننا كأستاذ فى كلية الفنون التطبيقية عاما كاملا وتتلمذ على يديه نجوم الحركة الفنية الآن مثل فنان الباستيل محمد صبرى وسعيد خطاب ونازك حمدى وعزت جمال الدين ومحمد عبد الله الجمل ، كما أسهم فى ترميمات القصور الأثرية والتى تتطلب وعيا وموهبة يمتلكهما الفنان .

– ولد محمد عزت مصطفى بالقاهرة فى 7 من يوليو عام 1907 فى حى باب الفتوح الزاخر بالمؤثرات الشعبية والمصرية فرسم باب الفتوح وخان الخليلى ومدرسة قلاوون فى الستينات ورسم ميدان التحرير عام 1953 وشارك بهذه اللوحة فى معرض الفن المصرى المعاصر الذى أقيم فى الصين وافتتحه رئيس وزراء الصين آنذاك شو إين لاى عام 1956 وضم المعرض أعمال مجموعة كبيرة من الفنانين المصريين منهم محمود مختار وأحمد عثمان وجمال السجينى وجاذبية سرى وسيد عبد الرسول وعبد السلام الشريف وسيف وأدهم وانلى وأحمد صبرى ونبيلة حافظ وسعد الجرجاوى وحامد عويس وحامد ندا ويوسف أحمد وسعيد الصدر ، كما رسم عزت مصطفى العديد من الأعمال فى الطبيعة الصامتة تميزت بالأسلوب المتفرد فى استخدام الألوان وعجائنها ذات الملامس المتنوعة فى فهم ووعى بالشكل وإظهاره من خلال اللون ومن هذه الأعمال آخر عمل قام بإبداعه رسم فيه أدواته التى كان يستخدمها فى الرسم وملابسه وكأنه أحسن بخاتمه المطاف فأراد أن يعبر عن وداعه بأغلى ما يملك من وسائل الإبداع والتى رافقته مشوار حياته والتى كان لها أكبر الأثر فى إبداع أعماله التى عبرت عنه وخلدت اسمه فى عالم الفن التشكيلى العربى ، وله العديد من المناظر التى رسمها فى ايطاليا والصين وسوريا ولبنان والجزائر ، وكذلك الوجوه التى رسمها لأفراد أسرته : زوجته وأشقائه وابنائه وسجلت لوحاته العديد من الوقائع والأحداث الوطنية التى مرت بها مصر مثل ثورة يوليو ونكسة 1967 وحرب الاستنزاف، ويقتنى متحف الفن الحديث بالقاهرة أربعة أعمال للفنان محمد عزت مصطفى : منظر من الجزائر عام 1958 ، ساحة فى مدرسة قلاوون عام 1967 داخل المسجد 1968 ، ابنة الفنان ` رفيدة ` رسمها عام 1969 وعن أعماله يقول د . ثروت عكاشة : ` كانت الطبيعة أستاذ عزت مصطفى ، فاضفت على أعماله نضارة صمدت أمام الزمن وبقيت حتى اليوم نابضة بالحياة على مدى الأيام ، كان بوسع هذا الفنان أن يقنع بما لقنه عن مهنة التصوير والنسيج فى المعاهد المصرية ، ولكنه كان ينظر إلى إيطاليا بوصفها الينبوع الثرىً للفن فآثر أن يواصل مهمة التحصيل فى موطن الحضارات الكلاسيكية القديمة التى كان يعرفها حق المعرفة فيما طالعه من مؤلفات. وما من شك فى أن هذا الفنان المتميز حين كشف عن ذاته فى لوحاته كشف من حيث لا يدرى عن كل تجاربه فى المجتمع الذى يعيش بين ظهرانيه ، غير أنه مهما بلغ تأثره ببيئته فإنه لا يأخذ منها إلا المادة الخام الضرورية التى لا يلبث أن يطبعها بطابعة الخاص قبل أن يحيلها إلى إنجاز مرئى. كان يتطلع إلى العالم من حوله على أنه خليط ضخم من أوراق الأشجار والأزهار وجداول المياه والحقول ، وبما ينطوى عليه من قنوات ذات ضفاف مخضرة ومياه صافية وشفافة ، فلقد كانت ملاحظته الدقيقة للطبيعة ومعارفه العلمية لا تتركان له فرصة اللجوء إلى الخيال وإن أكسبته حساً مفارقاً ، ومع ذلك كان يلجأ بين آونة وأخرى إلى الواقعية حين لا يجد مناصاً منها ، ويعدل عنها حينما يجد ما يفرض عليه هذا العدول ، وكان يحاول أن ينظر إلى العالم نظرة جديدة كأنه يراه للمرة الأولى .

– وتشهد أعمال عزت مصطفى – غير ما ذكرت – على ابتهاجه بحياة الناس، ولا سيما تصوير أفراد أسرته التى تشمل السيدة قرينته وأبناءه وبناته ومن يتطلع إلى تلك البورتريهات الحميمة المؤثرة يفطن على الفور إلى سيال روحى يتدفق جيئه وذهاباً بين الفنان ونماذجه يحتشد بشحنه جارفة من الشوق والحب والحنان ولوعة الفراق المحتوم، فإذا هو يجتر فى ذاكرته مقولة ` نيكوس كازنزاكس ` الأديب والمفكر الشامخ خلال القرن العشرين : ` حين نقف مبهورين أمام جلال عمل فنى نحس أن متعتنا يتهددها فراق أبدى يحوم حول رءوسنا ، وندرك أننا لا نملك غير لحظة واحدة من الخلود ألا فلنسرع إذن باغتنام هذه اللحظة قبل أن ينتزعها منا الفناء ، فليس ثمة شكل آخر الخلود `.

– لقد كانت أعماله مزيجاً من الواقعية والتأثيرية وتميزت بهندسة التشكيل وحبكة التصميم وحيوية الألوان وشرقية الطابع وظل يعمل ويكتب ويبدع ليمثل مصر فى العديد من المعارض الدولية ، وفى اجتماعات اليونسكو حتى رحل فى الخامس من أبريل عام 1969 ، وأقيم معرض لأعماله بعد رحيله فى قصر ثقافة قصر النيل افتتحه سعد الدين وهبه فى الثانى والعشرين من أبريل عام 1975 وكرمته وزارة الثقافة المصرية العام الماضى كأحد رواد الفن الراحلين وبهذه المناسبة قام متحف الفن الحديث بالقاهرة بعرض مجموعة من أعماله التى يقتنها وهو المتحف الذى تولى محمد عزت مصطفى إداراته فترة غير قصيرة .

نصف الدنيا 1/ 4/ 2007
د. محمد الناصر

الضوء والشكل المعاكس ..

عندما نتحدث عن الضوء يتعين علينا تحديد مصدره ونوعه ومدى تأثيره على اللون وموجاته التى تأتى للعين بفعل الضوء وحجمه وقوته ولونه وإن كان طبيعياً أم صناعياً ، فالضوء فى أعمال الفنان الراحل `محمد عزت مصطفى 1907-1969 ` ضوء آتٍ من السماء المفتوحة بفعل أشعة الشمس الضاربة فى كافة أنحائه ، تخرج الفنان من مدرسة الفنون والزخارف المصرية العام 1926، وبعد ذلك درس فنون الزخرفة والتصوير فى روما الذى عاد منها العام 1931ومنذ ذلك العام قام بتدريس مادة تاريخ الفن فى كلية الفنون التطبيقية حتى العام 1948. ثم عين فى مراقبة كلية الفنون الجميلة كمدير مساعد لإدارة الفنون الجميلة، انتمت معظم أعماله الفنية إلى فنون المنظر والوجه بأسلوبه التأثيرى، لذا كان للضوء فى أعماله محورُُ أساسىُُ فى صياغته ومعالجاته اللونية لاعتماد هذا الاتجاه فى المقام الأول على تأثير الضوء المتغير والمتحرك فى الطبيعة ، وفى لوحته `منظر طبيعى` الأفقية الوضع نتأمل جزءا مركباً من عناصر مختلفة فى قلب نيل مصر الحى فنشاهد المراكب الشراعية ذات الصوارى الممتدة للسماء لتتقاطع مع نهاية اللوحة من أعلى كأنها تنطلق خارجها إشارة لجاذبية السماء المفتوحة ببلاغة وخيال خصب تاركاً للخيال أبعاده ومشيراً لإعمال العقل فى تكامل غير مرئى، والضوء الحانى على المياه المنبسطة والتى تكاد تعكس كل شىء فى كونياتها بفعل سكون الرياح ليجعلها سطحاً زئبقياً عاكساً حالماً، ويضيف بعداً وعمقاً يستدعى فينا الخيال والبهجة عندما نشاهد السماء والسحب والأشجار والمراكب الشراعية، كلها معكوسة بفعل السطح الأملس الساكن للمياه ، وجدير بالإشارة هنا أنه عندما تأتى الرياح بقياسات سرعة مختلفة تتنوع معها قياسات المشهد المعكوس فى المياه .. كلما زادت سرعة الرياح كلما قضت على السطح الزئبقى وبالتالى يختفى ويتموج ويتفتت معها المنظر المعكوس .. وكلما تباطأت سرعة الرياح كلما زاد وضوح العناصر المعكوسة على سطح المياه .. وكل حالة من هذه الحالات تحدث تأثيرات جمالية تثير دهشة الفنانين وولعهم بهذا التنوع المتحرك والمتزامن مع حركة الضوء وقوته وضعفه، فالضوء هنا فى أعمال الفنان محمد عزت مصطفى ضوء حقيقى والآخر تمثيلى معكوس فى توحد وتكامل عند السطح الزئبقى للحياة تتفاعل من خلالهما درجات عليا من الشفافية الروحية والعمق الذهنى ، وعندما يتلاقى سطح النيل بالضوء الذهبى تتلألأ الروح وتتنامى الحياة وتتألق الذاكرة البصرية .

أ.د./ أحمد نوار
جريدة الحياة – 2004