محاكاة الواقع بعيون حالمة يتداخل الخيال بالواقع في إطار حاسة غنائية و تعبيرية رائعة، إنها محاكاة للواقع بعيون حالمة.
يعتمد الفنان لطفي يعقوبي في بناء هيكل معظم لوحاته الفنية على ثالوث يشكل أهم محتوياتها، ولما كان هو الفنان في أن يغرف من البحر زرقته ومن السماء يتوسل صفائه، فأن فضاء اللون
الأزرق كان بين جميع أعماله التشكيلية، هو القاسم المشتركة، باعتباره أحد أركان المثلث اليعقوبي الذي ميز أسلوب الفنان و طبع بواسطته شخصيته الفنية. وليس ببعيد عن اللون الأزرق فأن الفنان لطفي وقع أسيرا في شباك (ملابسه) الزرقاء فيضعها أمامه كموديل ويقوم برسمها أكاديميا و هي (تتقمص) حالات
مختلفة من الأشكال الآدمية و الإنسانية، لكنها (عارية) تماما من كل جسد، إلا من بعض الأكف أحيانا و من بعض الوجوه (المتقاعدة في السن) أحيانا أخرى. تحتل هده الملابس (الساكنة منها و المتحركة) مركز البطولة في معظم اللوحات و هي توحي للمتلقي من خلال أسلوب حركتها الممسرحة، توحي بوجود إيقاع جماعي لمشهد ملحمي يعيش أبطالها في حالة من التضاد بين الحيرة والأمل بين الصرخة و الصمت بين الحياة و العدم حالة تجسدها حركة الظل و الضوء في توزيع فني متناغم وهما مصدر بحثه في جميع أعماله الفنية و كأنهما عتمة مقمرة تغطي ساحل بحر ما لا يكسر هدوءه سوى حركة الأمواج المتلاطمة.
أما العنصر الأخير لثالوث يعقوبي فيتمثل في رسم الجدار، بناء حجري، قوي، متراص و متماسك تم انجازه بدقة متناهية بفرشاة الفنان و ألوانه، أنه جدار يحتل موقعه في البعد الأول لمعظم لوحات يعقوبي و يستوقفها حضوره داخل اللوحة لأهميته المزدوجة على صعيد اللون و المضمون، فألوانه المزيجة من الأصفر و الأبيض و البرتقالي تعمل بصريا على موازنة و معادلة ليل الألوان الزرقاء التي تحاصر فضاء اللوحة من كل جهة، أما الأهمية الثانية فتنحصر في الرمز، و الجدار هنا يمثل الزمن، زمن لا يرتوي من حكايات البشر و همومهم، وقد حفرة السنين بمعاولها الحادة أنهارا من التجاعيد و الأخاديد، و نقشت على سطحه الخشن قصصا تسردها بعض العلامات و الكلمات و الرموز على مر العصور.
و أخيرا فأن عالم يعقوبي التشكيلي على بساطة ألوانه و مواده هو عالم حالم، ينتزع من النظرة الأولى دهشة المتلقين، و يطبع أسئلة كثيرة على الشفاه و العيون فيبرق صداها في أفاق الأعمال و اللوحات و التي نكاد نحس بنبض كل عنصر تشكيلي منها فيمنحنا حياة، ويعرفنا على مقدرة الفنان يعقوبي و إمكانياته الفنية في الرسم و كأن الألوان تطاوع أحاسيسه في التعبير، و فرشاته تنحني استعدادا لتنفيذ أوامره الفنية.
بقلم حسني أبو المعالي فنان تشكيلي عراقي