Home | فنون جميله | هل نبرر محاولات التزوير و النقل والنسخ عن الأعمال الفنية التشكييلية؟

هل نبرر محاولات التزوير و النقل والنسخ عن الأعمال الفنية التشكييلية؟

تعود عمليات تقليد الأعمال الفنية إلى ما يتعدى الألفي عام، حيث كان النحاتون الرومان ينسخون التماثيل اليونانية. ولكن بقراءة سريعة لتاريخ الحقبة الرومانية يتبين أن معظم المثالين هم من اليونانيين أنفسهم أو من تلامذتهم. مع ذلك هذا ليس مبرراً لنسخ أعمال سابقيهم. المبرر أن الرومان لم يعتبروا تلك التماثيل أعمالاً فنية، بل نصباً دينية و عقائدية تهم الشعب، وفي رغبة من الرومان في السيطرة على عقائدهم حتى يكونوا هم دائما المرجع العقائدي انشأوا نسخاً لتماثيلهم محتفظين بها و موزعين لها في أرجاء أراضيهم المحتلة.

وفي عصر النهضة الأوروبي كان من أسس التطور الفني نسخ أعمال الفنانين الكبار وبنفس الأسلوب، و نتيجة أن العمل الأصلي محفوظ جيداً في ذاكرة المشاهدين بأنه للفنان الفلاني وموجود في المكان الفلاني وأيضاً كنتيجة لكون مشاهدي ذلك العصر أدرى بتفاصيل العمل الأصلي من المقلد، فلم يكونوا يعتبرون بأي شكل من الأشكال أن هذا التقليد هو عملية تزوير للأعمال الفنية الأصيلة. بل اعتبرت كتحية وفاء أو إشادة بالفنان المعلم.

و تزداد القيمة للعمل المنسوخ أو المقلد عندما يكون دليلاً موضحاً لتفاصيل العمل الأصلي الذي قد لا يعود موجوداً، على سبيل المثال جدارية معركة أنغياري المفقودة للفنان دافنشي 1505م حيث قام لورنزو زاكيا 1553م بعمل نقش منقول عن الجدارية الأصلية أو من دراسات دافنشي، ثم قام بيتر بول روبنز بدوره بنقلها في لوحة جديدة1603م، وغيره الكثير حتى سالفادور دالي، ولكن لا يكاد يختلف أي ناقدين على أن العمل الأصل أو على الأقل الدراسات الأصلية لدافنشي هي الأقوى تعبيراً والأجمل تفاصيلاً والأكثر جرأة ورشاقة.

نذكر بأن الفنانين في عصر النهضة قد بدأوا بوضع التواقيع المميزة لأعمالهم، وبذلك بدأ المقلدون المزورون بنسخ أو تقليد الأعمال و تزوير توقيعها.
كذلك نستطيع أن نميز عدم شرعية التزوير الذي قام به مايكل آنجلو حين قدم منحوتته “كيوبيد النائم” بعد عملية تعتيقها حتى تظهر كمنحوتة كلاسيكية قديمة وباعها على أنها كذلك.

و في القرن السادس عشر وفي زيادة للاشتغال على تقنيات الحفر والطباعة لمّا تعتبر فناً قائماً بذاته، فقد كان الهدف من نسخ لوحة على كليشة و طباعتها، حتى لو كانت بموضوع جديد، يتمثل في نشر دعائي للعمل أو موضوعه أو صاحبه.

ربما يمكنك بكل سهولة أن تتخيل فكرة تقليد الفنان الحي أو الميت سواء بأعمال مطابقة للأصل أو موحية بأنها تجربة سابقة لعمل مشهور، أو حتى وهمية بالكامل، والأمثلة كثيرة في هذا. و لكن هل تتخيل أن يقلد الفنان أعماله أو يزورها؟
هل قرأت أن ما يقارب العشرة آلاف من اللوحات المزورة باسم رامبرنت في أمريكا وحدها في النصف الأول من القرن التاسع عشر؟، وخلال عشر سنوات أخرى أصبحت خمس عشر ألف لوحة، ثم بدأت غربلتها شيئاً فشيئاً فتنقص الأعمال ثابتة الأصالة إلى حدود الثلاثمئة. ولا يزال الجدل قائماً حول أصالة الأعمال المنفذة في أثناء حياته، والتي يصعب في غالب الأحيان تمييزها عن أعماله لأنها من صنع تلاميذه المباشرين. بل إن رامبرنت قد سمح لتلاميذه تنفيذ كامل العمل الفني لا سيما في بداية انهيار شعبيته، و ما كان عليه إلا أن يضيف توقيعه، وأحيانا فقط يسمح بإضافة اسمه. المبرر هنا هو عوزه المادي. و تحمل قيمة تلك الأعمال على عاتق توقيعه بخط يده، أو إشرافه على حسن العمل، ثم تضاف القيمة التاريخية.

وكان لا يزال يعتقد حتى الوقت القريب أن لوحة الرجل ذو الخوذة الذهبية غير الموقعة أساسا هي لرامبرنت. وكذلك لوحة “رامبرنت الشاب” المتوقع تصويرها بين سنة 1629و1631م .
وقد يجري العكس كرفض أصالة لوحة “رامبرنت 1636م” ثم تثبت الاختبارات العلمية أصالة العمل.

لقد جرت العادات و التقاليد على مدى عقود طويلة في حال قيام تلامذة الفن بتقليد أعمال الفنانين عن طريق نسخها في أن يضعوا من خلال توقيعهم على العمل المنسوخ بأنه منسوخ عن فلان، فتوضع كلمة Copy أو الحرف الأول فقط C ، وإن كان العمل المنجز مستلهماً فقط مهما قربت نسبة التشابه أو بعدت مع الأصل لا بد أن يذكر الفنان استلهامه هذا، بل ويذكر عنوان اللوحة الأصلي. فها هو بيكاسو يذكر استلهامه لوحة فيلاسكيز “الفتيات” وذلك قبل أن يصورها أساساً. و كذلك دالي يعنون لوحة “ناسخ عن روبنز الناسخ عن دافنشي”.
ولاتزال تسري قوانين معاقبة الناقل والمزور والناسخ سارية في عدة دول، بجميع الأحوال يبقى الشرف المهني والفني هو الرادع لعدم تقبل مثل تلك التجاوزات ولعله أحياناً رادع النقد اللاذع ورفض بعض المثقفين، حيث بات بعضهم الآخر مع الأسف متقبلين بترحيب بشتى محاولات الغش والتلاعب لا سيما بانتشار طرق جديدة على صفحات الشابكة و مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال برامج تعديل الصور كالفوتوشوب بتعديل الصور الفوتوغرافية أو لوحات الآخرين و نسبها لهم، بل تكون المصيبة في حين تزوير مادة صنعها وتاريخها، ولا أرى الطامة الأكبر إلا في حال تبرير مثل تلك الأفعال سواء من قبل الفنانين أنفسهم أو من قبل المثقفين.

بقلم : إسماعيل الشيخوني – دبلوم دراسات عليا في الرسم والتصوير الجامعة اللبنانية

Invalid Displayed Gallery