إنجي أفلاطون


البنت دي من مصر
إنجي أفلاطون (Inji Aflatoun)

وُلدت إنجي حسن محمد أفلاطون في 16 أبريل 1924م، وهي حفيدة حسن الكاشف الشهير باسم “أفلاطون” وهو اللقب الذي لقبه به محمد علي رسميًا، وذلك لشهرته بمناقشاته الفلسفية. وأصدر الخديوي إسماعيل فرمانًا في يوم 22 مارس 1879 بأن يؤلف ولي العهد محمد توفيق النظارة التوفيقية وعين حسن الكاشف أفلاطون ناظرًا للجهادية والبحرية، كان والدها، الأستاذ الجامعي حسن محمد أفلاطون، قد درس العلوم في جامعات سويسرا وإنجلترا، وعاد للتدريس بكلية الطب في مصر، ثم انتقل لكلية العلوم قسم حشرات عند نشأتها عام 1930، وتولى العمادة بها لسنوات طويلة، أما أمها، فكانت ابنة عمٍ لأبيها، وهي السيدة صالحة أفلاطون والتي انفصلت عن أبيها في نفس العام الذي ولدت به إنجي.

استقلت والدة إنجي ماديًا وانتقلت بطفلتيها إلى منزل منفصل عام 1936، وأنشأت دار أزياء “صالحة” التي كانت تخدم نساء الطبقة الأرستقراطية. فنشأت إنجي في جو أرستقراطي وبرجوازي لم تألفه ولم تحبه منذ الصغر، وألحقها أهلها بمدرسة راهبات القلب المقدس والتي كانت تعرف بكونها مصنع الزوجات الصالحات، فقد كانت تربى بها التلميذات على الطاعة العمياء، وقتل الطموح بهن. رفضت إنجي الاستمرار في مدارس الراهبات، فنقلتها أمها لمدرسة الليسية الفرنسية، والتي وصفتها إنجي بأنها أول خطواتها نحو الحرية.

وفي مدرسة الليسية تشبعت بالآراء والأفكار الفلسفية للمفكرين الفرنسيين، وحصلت منها على شهادة البكالوريا. كان الرسم هواية إنجي منذ الطفولة، وكانت عائلتها تسعى لتطويرها من خلال دروس تعليمية خاصة في هذا المجال، والحقها والدها باستوديو جاتروس امبير في شارع قصر النيل فأصبح بمثابة اكاديمية خاصة عام 1941، لكنها تركته بعد شهر واحد بحثاً عن الحرية في التعبير، حتى تعرفت على الفنان التشكيلي كامل التلمساني وكان كامل كغيره من الفنانين في ذلك الوقت لا يستطيع أن يعيش على العائد المادي من لوحاته. فألجأته الظروف إلى إعطاء إنجي دروسًا في الرسم، وفتح الرسم لإنجي بابًا جديدًا على الحياة في مصر، واختلطت بدائرة المثقفين المصريين آنذاك.

بوصول الكتب الماركسية التي تناقش الفكر الاشتراكي باللغة الإنجليزية إلى مصر التقطتها إنجي، ووجدتها تتفق مع أفكارها المتمردة على طبقتها. وكانت تلك هي الخطوة الأولى نحو تحقيق حريتها؛ فرفضت أن تذهب إلى فرنسا لتتعلم الرسم كما أرادت عائلتها، وأصرت على البقاء في مصر. ولكي تتحرر من سلطة أهلها كان عليها أن تستقل ماديًا، فبدأت بالعمل كمدرسة رسم في مدرستها الليسية للأطفال الصغار. توفيت إنجي في 17 إبريل 1989م عن عمر يُناهز الخامسة والستون عاماً.

انضمت إنجي لـ منظمة اسكرا- الشرارة عام 1944م، وكانت تلك هي أولى المنظمات الشيوعية التي تنضم إليها، وأصبحت عضواً بالحركة الديمقراطية للتحرر الوطني- حدتو عند تكونها. وفى 8 يناير 1958 أصبحت أفلاطون عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المصري- المتحد، نتج عن ذلك اعتقالها في مارس 1959م مع 25 امرأة من المناضلات، بهدف تصفية الحركة الشيوعية والتقدمية والوطنية، كما أطلقت عليها إنجي في مذكرتها.
كانت أولى القضايا التي اهتمت بها إنجي هي قضية العدالة والمساواة بين كل طبقات المجتمع، ولكن جاء الدور على قضية جديدة لتشغل حيزًا كبيرًا من تفكير إنجي وهي قضية المرأة المصرية، والتي كانت تعامل على أنها إنسان من الطبقة الثانية. تذكر إنجي في مذكراتها أنها وزميلاتها من الفتيات الماركسيات حاولن العمل من خلال الجمعيات النسائية الموجودة، لكنها كانت جمعيات منغلقة على نفسها، فقررت هى وزميلاتها تكوين جمعية نسائية ذات طابع ديمقراطي، انضم للجمعية كل من لطيفة الزيات- فاطمة زكي- آسيا النمر- عنايات أدهم المنيري.

وأطلق على الجمعية اسم رابطة فتيات الجامعة والمعاهد المصرية، وكان ذلك في منتصف عام 1945م. في نهاية عام 1945م سافرت مع صفية فاضل وسعاد زهير إلى باريس للإشتراك في المؤتمر التأسيسي للاتحاد العالمي للنساء. وفي عام 1950م سافرت إلى تشيكوسلوفاكيا لحضور مهرجان الشباب العالمي.

تقول إنجي عن ثورة يوليو 1952م هذه هي المرة الأولى التي يطلق فيها على انقلاب عسكري اسم ثورة. كانت الخبرة التاريخية تقول بأن أي انقلاب عسكري هو لخدمة اليمين حيث يقمع الطبقات الشعبية، فيبدأ بإلغاء الدستور والبرلمان وحل الأحزاب، وإلغاء الصحف ويصادر الحريات لصالح الطبقات المستغلة. وقد زادت شكوكها في الثورة عندما تم الحكم بالإعدام على العاملين خميس والبقري اللذان تزعما إضراب عمال مصانع كفر الدوار من أجل مطالب نقابية.

وجعلها هذا تترك منظمة الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني-حدتو بسبب تأييدها الأعمى للضباط، كما أشارت إلى مقالات جريدة الراية -وهي نشرة سرية لتنظيم الراية كانت تهاجم وتنتقد العنف والإجراءات الدموية التي ترتكبها الثورة ضد العمال وكانت تصف النظام بأنه اقلاب عسكري مضلل لكسر الثورة الوطنية الديمقراطية التي كانت قريبة وعلى الأبواب.

كانت المواجهة الأولى بين إنجي والنظام الجديد عندما تم اعتقال زوجها بسبب انتماءه لمنظمة الحزب الشيوعي، وأتت المواجهة الثانية عندما صدر قرار بانتداب الدكتور إسماعيل صبري عبد الله –زوج أختها- مديرًا للإدارة الاقتصادية والمالية لرئيس الوزراء، وفي مساء ذات اليوم أصدرت النيابة قرارًا باعتقال إسماعيل بتهمة أنه “الرفيق خالد”، سكرتير منظمة الحزب الشيوعي المصري. واختفى إسماعيل بعد اعتقاله ثم تم التعرف على مكانه بأنه كان في السجن الحربي يتعرض للتعذيب الوحشي، وبالرغم من ذلك لم يعترف على هوية الرفيق خالد الحقيقية.
تمكنت إنجي من الحصول على حق بممارسة الرسم داخل السجن مما مكنها من تجسيد ملامح السجن من الداخل، من وجوه للمسجونات، أو للأشجار خارج سور السجن، بجانب رسم أوجه الحياة فيه. وكانت إنجي ترسم السجن في على أنه مكان مكدس بالنساء المحبوسات في مكان ضيق، يستطيع المشاهد أن يشعر بالضجة الخارجة منهن دون أن يسمعها.

اتخذت إنجي من السرياليه منهج للتعبير عن نفسها فنياً فصورت كل ما خطر ببالها من أحلام وكوابيس بطريقة روائية ويظهر ده في لوحات (الوحش الطائر) 1941، (الحديقة السوداء) 1942 و(انتقام شجرة) 1943 وفي نفس الوقت تقريباً بدأت انجي افلاطون مشوارها الفني مع جماعة (الفن والحرية) التي ضمت بين اعضائها محمود سعيد و فؤاد كامل و رمسيس يونان يساندهم مجموعة من النقاد منهم البير قصيري و جورج حنين و لطف الله سليمان .
وبدأت انجي تحمل ادوات الرسم وتتجول بها في القرى والنجوع في طول مصر وعرضها وكانت معظم جولاتها منفردة رغم صعوبة ذلك آنذاك، لكنها لم تعبأ بالعقبات التي قابلتها وكانت تنام في الفنادق او الاديرة تلاحق رغبتها الملحة في الرسم والتعبير عن رؤيتها للريف والفلاحين. وعلى قدر اهتمامها بالرسم كانت إنجى واسعة الثقافة تقرأ كثيرا وتناقش كثيرا، وعندما قامت لجنة الدفاع عن الثقافة القومية كانت إنجى واحدة من مؤسسيها وظلت مواظبة على حضور اجتماعاتها الأسبوعية والمساهمة في نشاطها وفى إصدار مجلتها ” المواجهة ” حتى رحيلها.

عاشت إنجى أفلاطون ستة وعشرين عاما بعد خروجها من السجن تكرس حياتها للفن والدفاع عن حق الآخرين في الحرية والحياة ، تصدر الكتب عن حقوق المرأة، وتشارك في المنظمات الإنسانية والثقافية والسياسية ، وتتعرض للمطاردة والاعتقال، وتستبعد من قوائم التكريم وجوائز الدولة ومقتنياتها ، حتى أن مجموعة أعمالها بمتحف الفن الحديث أقل من أعمال أحد الفنانين الشبان ، في الوقت الذى قدرت قيمتها أكبر الهيئات الدولية ومنحتها الحكومة الفرنسية أعلى وسام لديها وهو وسام الفارس كما دعيت لتعرض لوحاتها في مختلف عواصم العالم شرقا وغربا.

ومع إرتباطها بوكيل النيابة محمد محمود أبو العلا عام 1950م وجدت ما كانت تبحث عنه من استقرار وهدوء نفسى وسلامة للرؤية الفنية ونضج إبداعى لتبدأ سلسلة من اللوحات ذات الحس الإنسانى الاجتماعى والذى سيميز مسيرتها بعد ذلك، ومع وفاة والدها وزوجها في عام واحد 1956 إندفعت إنجى أفلاطون في العمل الوطنى والسياسى وتنقلت في عدة مراسم مختلفة أهمها مرسم الفنانة الكبيرة مارجو فيون وتعرفت فيما بعد على العديد من الفنانين المرموقين في ذلك الوقت كحامد عبد الله وسعد الخادم اللذين تركا أثراً كبيراً على مسيرتها الفنية بعد ذلك .. وعندما تم القبض عليها لنشاطها السياسى والحزبى بدأت إنجى أفلاطون رحلتها الثانية في الإبداع . المرحلة الثانية نافذة الواقع – في عام 1959 حصلت إنجى أفلاطون على الجائزة الأولى في مسابقة ( العمل في الحقل ) ولم يمكن تبليغها بالجائزة لأنها أودعت سجن النساء بالقناطر الخيرية قبل ذلك بيوم ..

تعرفت إنجي عام 1950على المثقفة والمناضلة النسائية سيزا نبراوي، والتحقت أفلاطون بـ “لجنة الشابات بالاتحاد النسائي المصري”. في عام 1951، ساهمت مع سيزا نبراوي وعدد من المناضلات في تنظيم “اللجنة النسائية للمقاومة الشعبية”. اشتركت انجي مع يوسف حلمي- سعد كامل- كامل البنداري- إبراهيم رشاد- سيزا نبراوي- عزيز فهمي- خالد محمد في تأسيس حركة السلام المصرية عام 1950م. سجنت أفلاطون لمدة 4 سنوات ونصف وكانت تمارس الرسم طوال فترة سجنها. وخلال تلك الفترة، كانت تكتب “أفلاطون”، عمودًا فى جريدة المصري – الوفدية – واختارت اسم العامود “المرأة نصف المجتمع”، ويقال أنها أول من استخدم ذلك الشعار.

أقامت الفنانة انجي أفلاطون حوالي 25 معرض خاص في الداخل والخارج منها:
أشهر اللوحات: جمع الذرة- حاملة شجرة الموز- جمع البرتقال- الشجرة الحمراء- سوق الجمال- صياد بلطيم.
المؤلفات : 80 مليون إمرأة معنا 1947م- نحن النساء المصريات 1949م- السلام والجلاء 1951م.

 

Image may contain: 1 person

Image may contain: 2 people, closeup

 

Image may contain: 1 person, sitting, playing a musical instrument and indoor