اللعب في حدائق الضوء


بقلم : عدنان بشير معيتيق

أنامل مبصره تطارد اثر ملون على جدران الوقت لذاكرة متيقظة وغير مخدوشة تتتبع بكل دقة خارطة الهجرة لفراشات النفس المتجهة نحو حدائق الضوء ورغبة في اكتشاف الذات بالتخلي عن الواقع اليومي والولوج لعالم النفس بألوانها الزرقاء العميق في رحلة هادئة ممتلئة بذكريات بريئة وألوان قزحية باذخة بالجمال متعطرة بالنور وصراعه مع العتمة وأنسجة الضوء أيضا الساقطة على وريقات الحياة بأطيافها الملونة والمعبرة عن أحاسيس البشر وشجونهم, والعاب الطفولة والعلاقات الإنسانية المتداخلة وفسحة الفرح بلون إضاءة النهار وحب الناس ورغبة العيش وتمجيد الحياة , من اجل عيون أجمل الأطفال.

هي الفنانة التشكيلية الليبية نجلاء شوكت الفيتوري التي تنقلت بين عدة محطات تشكيلية فكانت الانطباعية والوحشية والتعبيرية التجريدية من أهمها وتمكنت الفنانة من أدواتها في وقت مبكر من حياتها الفنية باستعمال ألوان الاكريليك سريعة الانجاز لمقترحاتها الفنية ,تتعمد إسقاطات معينة بالانحياز الكلي نحو الذات والسعي إلى تأكيد القيمة التعبيرية في اللوحة بالخطوط والألوان و عدم المبالغة في الوصف البصري فمعظم أعمالها الفنية مختزلة وأقرب إلى التجريد وبسرعة الفرشاة في التلوين والتدوين لمفرداتها المختلفة تترك انطباعا لفكرة ما واثر ملون تشير به إلى اقتراحاتها في إعادة صياغة الحياة بمفهوم معاصر يشترك فيه الجميع, فهي تقوم بدور الوسيط و المترجم للمتلقي لكي يتفق معها وتوقظ فيه فكرة ما, وكأنها تقول كلمة باولو كويلو :الجميع يشير إلى ذات النور المشترك بينهم.

مفرداتها هي تتحسس طريقها في عتمة اللون الأزرق بكل تدرجاته وتسرب نور من داخله كأنه يفصح عن مكنوناته بصوت خافت ونغم مسترسل من بعيد كموسيقى النسمات العابرة تأتي وتختفي من جديد : وجوه متراصة لأمهات الماضي والحاضر وتفاصيل من مشاعر إنسانية ,زهور,أطفال,انتظار, فرح ,حزن, خطوط تحاصر مشاعر نبيلة لكائن ما, أجمل الأطفال, حدائق الزهور والممتلئة بعطر الألوان ودندنته , أزرق يتنفس,احمر وكذلك احمر أخر , برتقالي ,أصفر ,مهرجان من ألوان الفرح وتناغماته, خيول وقوافل تتهادى متجهة إلى بحر من الرمال بالون توقظ أحاسيس خامدة منذ آلاف السنين لأساطيرنا الشخصية في واحات التأمل الروحي والعلاقات الإنسانية المتداخلة بكل تفاصيلها في الأسواق القديمة والبيوت المتراصة بحميمية المدن العتيقة وأخلاقها.

عندما تتأمل لوحات الكولاج المنجزة في فترات سابقة تدرك علاقة جميلة بين كل عناصر اللوحة والأثر المتروك على سطوحها والتي تم تنفيذها بحرفية كبير وإدراك متقن لأشياء مهملة ومتروكة لم ينتبه إليها احد فحساسية الفنانة التقطتها من بين ركام هذه الأشياء القديمة البالية لتبدو في أحسن حال بعد أن أعادة صياغتها من جديد لقصة: زهور ,رجل و امرأة , أسطورة مدينة ,صحراء ,أقنعة,أجساد , أنا وقطتي, لقاء.

يمكنك سماع هدير الضوء في معظم لوحاتها فلا مجال أن تخطئه العين ولا الأذن حتى, انه نافذ إليك لا محال لتدرك قصة لون وهو ينسكب على وجهك المتأمل لهذه الأعمال

,ترسم الأحلام ووطن الأمل بروح التجديد فائقة الحس بمباني الاسمنت وبيوت الطين معا, للحاضر بكل تناقضاته وللماضي بكل تفاصيله ,ألتوق للمستقبل والحنين للماضي بموروثات مزركشة بلون نسمات الليل الغدامسية وضلال البيوت الطرابلسية وأزقتها المظلمة والمحتضنة لعباءات بيضاء (الفراشية) لنسوة الحارة وأطفال الحي ورجال القرية ومقاهي المدينة بإضاءاتها المتلألئة و البحارة وقواربهم المتعانقة مع زرقة البحر ,هذا كله نتاج رسم الفنانة نجلاء بأسلوب مختلف لثقافة الرسم عندنا بل هو اللعب مع الألوان في حدائق الضوء لاستحضار ذكريات ملونة وقصص لا تنتهي من ذاكرة مطلعة على ما حدث ويحدث.

تخرجت الفنانة نجلاء شوكت الفيتوري من كلية الفنون بطرابلس وشاركت في العديد من المعارض الفردية والجماعية ولها لوحات مقتناه في الكثير من السفارات الأجنبية والعربية وقامت برفقة زوجها الفنان يوسف فطيس بعمل الكثير من جداريات لمؤسسات الدولة واشتغلت كمسئولة معارض بدار الفنون في فترة سابقة .

عدنان بشير معيتيق

فنان تشكيلي من ليبيا

2010.06.01