بقلم : الدكتور سامي يوسف جركس
ان ما حصل للأرمن و ما تم من انحرافات في تركيا كان بفعل التخطيط اليهودي– الماسوني و بتشجيع استعماري .
فعمل الفنان اللبناني الراحل المنحدر من الجذور الأرمنية “بول غيراغوسيان” جزء من هذه الحالة الانسانية المشحونة بذكريات الماضي المفجع المسيطرة في الشعور بالاحساس بالاضطهاد لشعبه ألأرمني الذي كان يحب الحياة و من حوله ،
ان انتزاع الحياة لهو الاستبداد بحد ذاته . ففي لوحته المبنية باسلوب “تجريدي” ^ المبنية على أشكال مجزئة بأشكال لونية مبعثرة بخطوط اختزالية لمشهد مواطنين كجزء من شعب يطالب بالحرية ، و يحكي لنا على المفاجعه عبر التاريخ وما لاقته الانسانية من الظلم و القمع و الموت . ففي عمل “بول غيراغوسيان” نرى التفكك المصحوب بحزن من أعماقه وفي ملامسته للريشة و هي تخطو بالالوان بحنين حزين لابعاد اتجاهها ابعد من أن ترى بالعين المجردة ، فهي كتل و أحجام من أحاسيس مدونة بمساحات بين الماضي و الحاضر ، الماضي بذكريات الحرب المفجعة و الحاضر بنكبة أخرى من الحرب الحديثة، فقد عاش الفنان مرحلتين من ألآلام الانسانية معبرا عنها بلوحاته المتبقية بعد موته .
^- التجريدية :Abstract مصطلح واسع في ميادين القواميس اللغوية ، ففي الفنون التشكيلية و خاصة في الرسم كان من الطبيعي أن تتطور المفاهيم الفنية من خلال محاولات الفنانين عبر الحقب الزمنية من مختلف الظاهر الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية، و لقد اتخذ الفنان المداخل المتعددة فهناك المدخل الذي جاء وليد التكعيبية ذاتها ، يبدأ الفنان بالاصل الطبيعي و يرى عمله من زاوية اختزالية حتى تفقد الاشكال الطبيعية صفتها بالاصل ويتحول هذا الاختزال الى مساحات لونية معبرة عن الكيان الانساني بمحافظتها على الاشكال بنسب و مميزات مختلفة التي جردت من أصلها الطبيعي و تحولت لحالات و تحولات ايقاعية مترابطة ليس لها دلائل بصرية مباشرة .و لهذا اضيف اليها صفات حتى أصبح لدينا أنواع مختلفة من التجريد و أنواع من “المذاهب التجريدية “.
فالمذاهب التجريدية متعددة الأساليب ، و ينطوي تحتها مذاهب كثيرة لها مداخلها و نزعاتها المتنوعة ، و تمثل كل نزعة روادها و أقطابها ، و التجريد هو قياس للفن ذاته و يمكن ترتيب مجموعة من الاعمال التجريدة حسب معيار هذا الفن . فالمذهب التجريدي في عمومه ، و ان كان قد حرر الفنان من تبعات التقليد و التشبث بمظاهر أكاديمية لا تمت الى الفن بسبب ، الا أنه كان مدخلا يوحي بانطلاقة أكبر نحو تحقيق ابداعات جديدة قوية ، تفوق ما تحقق بوحي تقليد الطبيعة ، الا أن هذا أمر متوقف على موهبة الفنان ذاته ، و بصيرته النافذة ، و جرأته في تخطي المجهول و الكشف عنه .
فعنف التجريد التعبيري و مضمونه و قدرته على تحريك وجدان المتفرج ، كلها امور متوقفة على استلهام الفنان للتجربة الفنية من مصادرها ، و تبسيطها الى معدلاتها الاولى ، بحيث يستطيع أن يحسها كل شخص ذواق يتعامل أصلا مع لغة التشكيل الفني و مقوماته . و مهما قيل عن التجريد ، فالموضوع لا يتقلص او ينضب ، لأن له أبعادا كثيرة عالجها فنانو القرن العشرين ، و من قبلهم ، و ما زال المفهوم يحتمل معالجات جديدة ستأتي بها الايام . و المعنى العام الذي يجب التعرض له في المقام الاول ، أن هذا الفن مهما اختلفت مظاهره يبقى اساسه التجريد ، و يعني أساس الفن هذا في احكام العلاقات التشكيلية بين الاجزاء و الكل ، أو بين التفاصيل و الصيغة ، فليست العبرة في التجريد بالمدلول الظاهر ، و انما بجوهر العلاقات و تأصيلها و احكامها ، كعلاقات محكمة لها مدلولات بصرية تكتسب بالتجربة ولا تتقيد ببداية واحدة ، لها مظهر واحد ، و انما نجاح الأعمال التجريدية منوط بقدرة الفنان في احكام الروابط بين عناصره و بعضها البعض ، و يؤكد الروابط التي تستند اليها شتى التفاصيل ، فحينما يتم هذا الاحكام بحساسية الفنان المرهفة تسير النتيجة في اتجاه الفن التجريدي و ان تفاوتت في مستواها او اذا قورنت بغيرها من القطع الفنية .
لتكن الاعمال التجريدية الجديدة بداية الحداثة و بحس موضوعي لأظهار ثراء الحركة الفنية في القرن الواحد و العشرين و بمدخل جديد لمقررات التذوق الفني في الحقول الفنون التشكيلية .
عمل الفنان التركي “اسماعيل كوبان” المتمثل في لوحته “القتيل” المملوءة بالحزن عبر أشكال انسانية مدمرة كاشارة واضحة للقمع فأشخاصه المرسمون و ذوو الملامح المشوهة تتكرر أشكالهم و عذاباتهم أمام الاضطهاد و التشرد ، باسلوبه “التجريبي”^ حيث استعمل مادة الفحم كوسيط و آداة للتعبير في لوحته “القتيل” ليبين هذه الفاجعة و أهله المفجوعين ، لقد أعطى السواد الحزن المخملي و عصبية متوهجة شطر اللوحة الى جزئين السواد و البياض ، فقوة اللوحة تكمن في التنافر بين هذين اللونين الأبيض بتدرجاته الرمادية الملتهبة و الاسود العميق ، فهو ذاك الفنان الذي يتحدث عن بلاده في واقع مؤلم وعبثي ، حتى أصبح الفنان هذا العبث نفسه كتعويض للواقع المهدم الذي تركته الحرب ورائها لقتيل يجر عاهته في شوارع وطنه تعبيرا عن قساوة الحرب و مدى ظلمتها الطاغية .
^- التجريبية: Experimentalism مدرسة فنية أطلق عليها هذه التسمية الفنان ” آسجار جورن”. فهي نزعة في الاعمال الفنية ، تثور على التقاليد و القناعات في التراث بحثا عن التعبير و عن طرق جديدة في التعبير عن أعماق اللاشعور و التعبير عن مفاهيم جديدة لطبيعة الواقع و اللجوء الىالاحلام و الشخصيات الخيالية و أطلق على أنصار هذه المدرسة “بالتجريبيين” في هولندا عام 1950.
ويتراءة لنا من خلال لوحة الفنان العراقي “ضياء العزاوي” بممارسته الفنية حيث لأعماله الذي يعبر عنها بالبنية “الرمزية”^ و “التعبيرية”^ العميقة، لوحته صارخة مأساوية حيث يدمج لغة الرسوم بالحروف محاصرة في ذاكرته الحرة التي تتواصل ضد القهر و الموت بتعبيرية لزمن تنزف فيه الدماء البريئة . اللوحة تثير حالات انفعالية حادة ذات ثنائيات متناقضة و متصارعة، بمثابة شاهد للتاريخ يستحضر صراع الموت الجماعي بطريقته المأساوية حيث قدم لنا الفنان العزاوي استبطان لهموم الحاضر الفلسطيني ، ليتخطى مجاله الخاص لوطنه العراق الى أرض العروبة فلسطين ، ليستجمع عبر فلسطين خارطة الحزن و الاسى لشعبها المنزوف دما و ألما و حزنا في ايقاعاتها الدرامية .
^- الرمزية :Symbolism مدرسة فنية تعني بالتعبير عن الافكار و العواطف لا بوصفها المباشربل بالايحاء و اعادة تركيبها بالذهن من خلال الرموز غير مشروحة و الموضوع يظهر عن طريق الايحاء و تحول بعدها الى اسلوب لايجاد بديل عن شيء آ خر و الرمز يضم صورة تتحول الى لغة رمزية .
^- التعبيرية :Expressionism المدرسة “التعبيرية” هي الطريقة التي يجسد بها الفنان أفكاره و مشاعره بشكل فني ، ترى هذه المدرسة أن الفن كله ينتمي بين الحدس و التعبير، اذ يحاول الفنان من خلال عمله أن يعبر عن عاطفة معينة ، و أطلق هذا الاسم على الاعمال الفنية مأ بين (1910 -1925). وتقوم التعبيرية على مذهب المنفعة العامة تركز على الفعل و صرخة الانسان ضد البيئة ، وهي الافصاح عن المشاعر بلغة تلقائية دون التقييد بالتعليمات المدرسية و الاكاديمية و تتميز بالانفعال الانساني .
أما عند الفنان “بشار العيسى” المنحدر من الاصول و الجذور الكردية ، نرى المعاناة بادية و معبرة في لوحته فتتأكد هنا أجواؤه المأساوية في حدة التعبير و قسوة الخط (الحبر الصيني) و هو يحرص على رسم نماذجه البشرية و تأكيد تعبيريته بدقة تجعله يتمسك أشد التمسك .. و تسجيل اللحظة المعبرة في ذروتها مستخدما اسلوبا تعبيريا و قد أحاطها بجو من .. و ألم و تكتسب الوجوه ملامح الضبابية كونها لحظة الصدق في التعبير عن الانفعالات الانسانية ، و تتسم كلحظة الانفعال الحاد الذي يكشف عن الضمير الامة و آلامها ، فحين يتدنى الموت كمصير محتوم لشعب أذاق الاضطهاد و القسوة و العنف و تداعي الحس للكيان البشري ، و وطن يريد الحرية رغم الصعاب و أحداث الايام
ففي القطر العربي السوري تكمن أهمية الفنان الراحل”سعيد تحسين”(1904- …) Said Tahsin في دمشق باسلوبه المتميز بالمدرسة “الواقعية”^ و “التسجيلية” ^ و اكتسب شهرته منها، و التي ربطت تجربته بالتاريخ العربي و عكست مدى تعلقه بالعروبة.
باتت لوحاته تؤرخ للاحداث الهامة في التاريخ الحديث و من القضايا التي كانت تشغله دوما “الخير و الشر” و “الحرية” و “الاستعباد”. و أعطى اهتماما خاصا للوحات التاريخية المعاصرة ، و السياسة الراهنة ، و هكذا صور لنا ” المجاعة في سورية أثناء الحرب العالمية الاولى” و”شهداء 6 أيار” و “ميسلون” و “الهجوم على المجلس النيابي” و ” العدوان الثلاثي على مصر” و ” ستعودي يا ابنتي الى فلسطين” و هنا ندرك أهمية الفنان العربي بالنسبة لحرية النضال الفني التشكيلي في الوطن العربي ، وكان أحد الفنانين الذين منحوا وسام الاستحقاق السوري لما قدم لبلاده ومن الذين كرمتهم الدولة في عام 1980 تقديرا لجهوده . وهو أول من طالب بتأسيس معهد الفنون الجميلة في سوريا .
ففي لوحة المجاعة للفنان سعيد تحسين صرخة يطلقها الانسان لتسمو على الحكاية المروية أو على الخصوصية للجوع المخيف الذي تسكبه النظرة الثابتة على أهوال الحرب و ما تسبب به من عواقب وخيمة من الحرمان و التردي و تداعيات للانسانية التي حصدت الموت الشامل المحرك للعواطف ، و نجد تفسيرا و تبريرا بأثر رجعي للازدهار الغريب لمرحلة الكائنات الحية بالتعبيرات المشوهة كحدس ، و صرخة ألم و حزن تنذر بالاحتضار ، وهكذا يضفي كل شيء أقصى قدر من الكثافة على هذا النوع من الألم أو البؤس المتفجر في اللوحة . ويقنعنا الفنان “سعيد تحسين” بمنطق “الواقعية” السليم و يبرر كل شيء أمامنا .
^- الواقعية Realism : مدرسة تصوير فنية تقترن بالأدب على أنها نقل للواقع و دعوة الى أن يكون الفن و الأدب نقلا عن هذا الواقع ، و لقد أصبح هذا المصطلح شاملا وواسعا لا يدل على شيء بعينه ، و لهذا أضيفت اليه صفات شتى أصبحت هذه المدرسة تضم أنواعا مختلفة من الواقعية . هذا يعني نقل ألاراء من لغة علماء الاجتماع الى لغة الفنان و بمعنى آخر من لغة محكية الى لغة مرسومة .
مثال : الواقعية الطبيعية . الواقعية الموضوعية . الواقعية القومية . الواقعية التشكيلية . الواقعية التصويرية . الواقعية الساذجة . الواقعية المثالية . الواقعية الاشتراكية . الواقعية الاجتماعية . الواقعية التسجيلية . الواقعية التاريخية ..الخ. مثال على ذلك :
الواقعية الطبيعية : الفنان يخدم الطبيعة في اظهار جمالها دون التغير في وحدات عناصرها.
الواقعية الاشتراكية : الفنان هو خادم للدولة في تحقيق مقومات أهدافها .
الواقعية القومية : الفنان ملتزم بالقضايا التي تصور حق مصير العيش و ارتباط الانسان بأرضه .
و الى جانب صدق التفاصيل تتضمن “الواقعية” عموما العرض الصادق للشخصيات، على أن “الواقعية” هي الوعي بالمشاركة في تجديد الانسان لنفسه، و الفن الواقعي هو الذي يكشف عن فردية البشر و تشابههم مع الآخرين و ينتج شعور المشاركة بين الناس ، فهو فن تعليمي أكاديمي و الموضوع الحقيقي للفن هو الانسان .
^- التسجيلية : تندرج في المدرسة “الواقعية التسجيلية” حيث أن الفنان يسجل الواقع العيني لما يشاهده من أحداث بطريقة مباشرة و بعرض صادق للمجريات بأدق تفاصيلها . فالفنان يجب أن يجد الحقيقة مهما كانت الحقيقة حتى لوغير ملائمة ، فيسجل الفنان ما هو حاصل مهما كان الثمن بكل ما في الحياة من قذارة و فقر و عنف و يأس . و المدرسة التسجيلية قديمة في العهد الفني مثلا الفنان الياباني “هيوتاكو” صاحب مدرسة “هيوتاي” تعني بالرسم التسجيلي و الحفر و هوسابق على نشأة المدارس التشكيلية اذ توفي العام 450 ميلادية . و الرسام التسجيلي الياباني “أنانو موس” في لوحته عن الحرب : أحراق مدينة سانجو في القرن13م.
و لوحة “الحرب” عند الفنان اللبناني د. جميل ملاعب نرى في الأشكال هي القيم التعبيرية عن تجربته الشعورية ، فنرى مدى نجاح الفنان في تنسيق عناصر بناء الأثر الفني ، فالخطوط عنده لها وظائف انفعالية الى جانب وظائفها الرمزية فاستعمال الخطوط بدون أن نشاهد التدرجات اللونية في اللوحة فهي تقرر القضايا و نقل الاشارات الى الرائي بينما الاستعمال الانفعالي هو التعبير عن خلجات النفس ، و اثارة العواطف و المشاعر . فالخطوط المنحنية البارزة في اللوحة ترمز الى الليونة و الانسياب و السلاسة ، بينما الخطوط المنكسرة ترمزالى للقسوة و الشدة و الصرامة و العنف، فهي تحرك فينا المشاعر الرقيقة و الاحاسيس العاطفية عند المشاهد ، حيث نحس بها بفزع و ألم و غضب، تستتر خلف تلك المعركة تحفزا للثأر و الانتقام.التي تشعرنا بها الخطوط المتكسرة الصلبة العنيفة ، ذات الزوايا الحادة المتوترة . و طريقة الاداء الفني تكمن في كيفية استعمال الخطوط و ترتيبها و تنسيقها بحيث تتأثر بعلاقات بعضها بالآخر حيث أنها تسهل ترجمة “الشكلية”^ للمنظور بالبعد الواحد و تحركات الكتل ، وتجعل ادراك الشكل و المعاني الملموسة للحركة الرمزية أكثر “تركيبية”^ بتأليف سينوغرافي .
^- الشكلية :Formalism مدرسة لها صفة عامة لكل اللأعمال الفنية ، تعتمد على “التقنيات” كأداة للفن و ترى أن تفكك الواقع هو الموضوع الرئيسي في الفن و ادراك الصعوبة هو جزء من التجربة الجمالية .
^- التركيبية :Inditing مدرسة تعني بتجميع لقطات صورية تتصف بارشاد المشاهد لرؤية مواضيع متسلسلة للوحة اللواحدة ، تعتمد هذه المدرسة على طريقة التناقض و التوازي في المدرسة “الرمزية” و بتعريف وجيز اظهار رسم “سينوغرافي ” كما لو أن المشاهد يتفرج الى شرائح تصويرية أو مسرحية .
لوحة معركة الهراوي في موقعة المالكية عام 1948 ، للفنان التشكيلي اللبناني سامي جركس،حيث أنه قدمها بطريقة المدرسة الوحشية^ بتناسق متزن بين الشكل الدائري و التربيعي بألوان صاخبة و جريئة من حيث الرسم التسجيلي لموقعة معركة الهراوي بقيادة النقيب في الجيش الليناني الشهيد محمد زغيب كرمزا من رموز المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الاسرائيلي.
^- الوحشيـة : Fauvism مذهب في الفن ازدهر في ” باريس ” و أصبح مدرسة(1905_1908)على رأسه ” هنري ما تيس ” المعروف بالفنان الوحشي وتعتمد هذه المدرسة على الألوان الصاخبة و البسيطة التنفيذ المليئة بالطاقة والذي أطلق عليه مصطلح الضواري (الوحشي) و المقصود بها الألوان الصاخبة بالتعريف الوصفي هو الناقد ” لوي فوكسل ” بعد أن شاهد بعض لوحات عدد معين من الفنانين .. امتازت أعمالهم بتحطيم المنظور و تسطيح الشخصيات ذات التأثيرات اللونية الضوئية الساطعة .
منحوتة ” يد المقاومة” للفنان النحات عزت مزهر ، عندما تحاكي المطرقة الإزميل تبدأ الكتلة الحجرية اظهار جمالية التكوين و الفراغات التي تعكس عملية الظلال الناتجة عن النور الساطع نحوها. المنحوتات النافرة لها بصامات الازاميل الجارحة و القاطعة لاظهار الثلم كحروف ناطقة للتعبير عن الفجوات المحدثة من جراء العملية النحتية عمل جسد به الفنان النحات “عزت مزهر” طلة تجسيمية ، انسجامية الاطياف نحتت و نهضت فوقها أشكالا منحوتة النتوءات بانسياب فني لتروي للرائي جمالية التحولات و تبدلاتها بمملكتها المتجددة ابدا رافضة بحزم الروتين الجامد .. و لعل بذلك العمل النحتي قد توصل الى تجميد حركة من حركات التشكيل الدائمة للحركة المطلقة .
^- النحت : Sculpture نوع من الفنون التشكيلية يهتم بعرض الجسم البشري على أنه تعبير مثالي عن الفن حيث توجد وحدة عضوية بين الشكل و المحتوى و تتوازن المادة مع الروح.و يقول ” هربرت ريد” إن النحت ليس عرضا في الفراغ بل إبداعات من الاشكال الصلبة التي لها قيمتها الداخلية من الكتلة و الحجم . و ويرى “هنري مور” بأن خصائص فن النحت قائمة على الصدق إزاء المادة و تحقيق للابعاد الثلاثة و تحويل الكتلة الصماء الى تكوين له وجوده الكامل و مزج مبادىء النحت التجريدية مع أفكار الفن الخاصة . و يعتبره “كامو” أعظم الفنون و أشدها طموحا و يستهدف تثبيت الصورة الانسانية العابرة للشكل البشري الزائل فيرد فوضى الحركات الى وحدة الطراز.
لوحة السيادة للفنان التشكيلي سامي جركس في القصر الجمهوري عام 1994هي نحت بارز على مسطح خشبي قياسه 122 سنتمترا مربعا ، و هي مؤسسة من مواد مختلفة ، لذلك بلغ وزنها أكثر من 250 كلغ ، أما ألوانها و رموزها فهي تقوم على ابهة الشروق تقبض بقوة على السيف الذي الذي هو معيار للعدالة و السلطة فيما اخضرار الورق الشجري هو اشارة الى لبنان الاخضر اما تعاقب الاقواس فإنها اشارة الى البناء الملازم للوجود اللبناني ، الكتابة الفنيقية عودة الى الفنيق مع التاكيد على ألوان العلم اللبناني بقيت حاضرة ضمن الاشكال الهندسية كحركة محورية لفك الثوابت في مسطح العمل .
^ – مودلاج Modelage المعنى اللغوي= التجسيم : المعنى الفني الاساسي هو من الفنون التشكيلية الشعبية من زمن الاغريق ( اليونان قديما ) المتمثلة بالنقوش النافرة و الغائرة على الجدران و الملاعب الرياضية و على النقود المتداولة ، و الجرار . و في عهد الرومان و اندماجها مع الحضارة الاغريقية ادى الى التنوع بالمواد المستعملة.
في الحاضر الحديث هو من الفنون التشكيلية التطبيقية ، و أصبح فنا قائما بذاته،يدخل في نطاق النحت التصويري ، يبدأ بواسطة عناصر المادة( الطين، الجص ، عجينةالاتربة الحجرية ، المعجون البلاستيكي ، الشمع ، الخشب ) . و هذه المواد لها صفات الطراوة قابلة للتحول و التغيير تخولنا تجسيم الاشكال الى منحوتات فتية رائعة .
فمن تجربتي الفنية في هذا المضمار و النظر الى التشكيلات المنوطة بالمحسوسات الشكلية حيث المسطحات و التجاويف الصادرة عن عملي الفني ، كنت أعتمد على التناسق النسبي للمساحة الكلية للموضوع المراد ابرازه و توظيفه في شكل معين ذات طابع هندسي ، ذات تجاويف نافرة و غائرة . النافرة هي نتؤات ظاهرية تتاّلف مع النور لتعطينا ظلالا تدخل في نطاق الرسم الظلالي مكونة من خطوط ظاهرية على المسطح المنحوت و تعطينا تدرجات ظلالية تدخل في حساب المنظور الفني للأشياء لترسم حولها اطر تباعد الكتل و تقاربها كلما أقترب منها الضوء .