بقلم: آلاء نجم
لكل فن من الفنون أسلوبه الخاص ولغته الإصطلاحية، التي لا يمكن أن يشاركه فيها فن أخر. فالخامة التى يستخدمها الفنان بيده تعد بمثابة لغة يستعين بها فى إنتاج منهج خاص به فى التعبير عن فنه وهذا الفن هو تفاعل بين الإبداع والتقنية والخامة. والفن هو نتاج تجربة إبداعية ذاتية محملة بمشاعر وأحاسيس الإنسان المبدع، كما يمثل إستجابة قوية فعالة تجاه المجتمع والإنسانية، ومن هنا قامت حضارات العالم القديم والحديث بتراثها العبقرى الخالد.
لقد كان فن الجرافيك أو الفن التشكيلى القائم على الطباعة أحد الركائز الهامة والمؤثرة فى بناء مسارات الفنون المرئية والتشكيلية منذ القدم. وكان هذا الفن القائم على الطباعة اليدوية يقترب من فن التصوير وغالبا ما يكون مرادفا لمفهوم فن التصوير، إلا أنه الآن قد أستقل تماما كفنله خصوصيته وسماته وأصبح متفردا بقوانينه وقيمه الفنية وخواصه الثرية فى مجالات التقنية بفضل البحث اليدوى الدؤوب لفنانيه ، وجدير بالذكر تطور تلك الفن بداية من فن الملصق.
فن الإعلان أو فن الملصق:
فقد أدى التوسع الصناعي الذي حدث في القرن التاسع عشر إلى انتشار طباعة الملصقات الملونة بسهولة وبتكلفة قليلة، وكانت مؤسسة (رستون) في باريس واحدة من المؤسسات الرائدة في طباعة هذا النوع من الفن؛ فأنتجت ملصقات ملونة يعود تاريخها إلى عام 1845م.
و فى عام 1848م أنتج جول شيريه أول ملصق وقد طبعه بطريقة الليثوجراف. ويعتبر الفنان الإنجليزي (أوبرى بيردسلي) الذي قدم ملصقات ذات تأثير كبير، واحدًا من المصادر الرئيسية لفن الملصق؛ وقد امتازت أعماله برشاقة وخطوط متفائلة جميلة.
ولقد ظلت إنجلترا والولايات المتحدة خلال هذه السنوات بالنسبة لفن الملصق تدين في تطورها ونموها إلى الحركة الفرنسية التي كانت ذات تقاليد فنية واضحة. وحوالي عام 1900 أى بداية القرن العشرين تبلور فن الملصق في هولندا وألمانيا والنمسا، وأصبحت فرنسا تواجه منافسة حقيقة في زعامتها لهذا الفن.
فإن الاتجاهات الحديثة والمدارس المعاصرة بدأت الإنطلاق في فن الملصق، وقد بدأ الملصق منذ البداية مرتبطًا بالمبدأ التجاري، ثم تنوعت أغراضه في الوقت الحاضر؛ حيث ظهر الملصق السياسي ضد الحروب والاستعمار وتوعية الجماهير وتوجيهها نحو البناء والنظام والعمل، وقد كان لهذا الفن أثر بالغ في الثورات الشعبية في معظم دول العالم.
وقد تحققت لدولة مثل كوبا بعد الثورة مكانة هامة فى تاريخ الملصق حيث قدم هذا البلد أعمالا ذات أستفادة جيدة من تجربتي الشرق والغرب تحمل بفكرها الإشتراكى كل مضامين الثورة وشعاراتها وكذلك فى بولندا أكتسب الملصق مكانة متميزة فى الأفكار والأسلوب وكذلك فى حرب فيتنام فى الصين. وكذلك أستعمل الإعلان فى مصر ضد الإستعمار وأيضا وضد الإحتلال الصهيوني لفلسطين.
فن الصحافة:
فإن لهذا النوع من الفن له تأثيره فى الحياة الإجتماعية كما أنه عنصر دفع لتوسع المعارف السياسية والثقافية. إرتبط ظهور الصحافة أرتباط وثيق بفن الجرافيك؛ لأنها أولاً وأخيرًا مادة مطبوعة تعتمد على فنون الرسم وفنون الطباعة المرتبطة بهذا الفن اعتمادًا كليًا وجزئيًا، سواء ما يتم في (الصحف اليومية) ذات الانتشار الجماهيري الواسع، أو في المجلات الدورية منها والعملية، أو التي تقوم على نشر الثقافة العامة.
وقد بدأت الحركة الفنية المعاصرة متعالية على العمل الصحفي، حيث كان الفنانون يرفضون ممارسة الرسم في الصحافة؛ لاعتقادهم أن ميادين الفن لا يتسع إلا لنطاق اللوحة ولا يبتعد عن الأستديو، وكان في ذهنهم أن الفنان الذي يمارس مثل هذه الأعمال هو كمن باع نفسه للشيطان باستثناء فن الكاريكاتير ، إلى أن حدث في الثلاثينيات من ذلك القرن مع التقدم الفكري والفني ـ التلاحم المطلوب لكبار الفنانين، وكان لوجود الفنان الإسباني (خوان سانتس) تأثير كبير في الصحافة، وأصبح بعد ذلك العمل الفني الصحفي لا يقل عن فن اللوحة. وأصبح لفنون الصحافة دور هام. وهي تنقسم فنون الصحافة إلى ثلاثة أقسام:
الرسوم التوضيحية – رسوم الكاريكاتير – إخراج الصفحات
الرسوم التوضيحية:
وهى غالبًا ماتصاحب القصص الأدبية والشعر والعلوم والفنون والكتابات الدينية والفلسفية وكل ما يمكن توضيحه وتفسيره وتقريبه لذهن القارئ، وقد مارسها فنانون باقتدار، وأصبح هذا الفن يعكس اتجاهات ومذاهب الحركة التشكيلية.
رسوم الكاريكاتير:
الكاريكاتير في الصحف والمجلات، وكان منه السياسي الذي يطرح أهم القضايا ويقوم بدور تحريضي، وأيضا الكاريكاتير الاجتماعي الذي يتناول قضايا المجتمع فيقوم بالتوجيه والنقد الساخر البناء، كذلك الكاريكاتير الفكاهي الذي يتسم بروح الفكاهة والدعابة ويدخل السرور على نفوس القراء ويعكس طرافة الشعوب.
الإخراج الفنى:
هو فن تنسيق وتبويب الصفحات، ويُسمَّى الصف والتنضيد في بعض البلاد العربية، وتراعى فيه القيم التشكيلية عند توزيع الصور والخطوط والألوان، وشكل الخطوط وحجمها وكيفية إبراز الأخبار الهامة، كذلك تصميم الشكل العام للصحيفة أو المجلة أو الكتاب، وعن طريق المخرج الفني يتحدد الشكل العام والسمات الخاصة لكل صحيفة، ويصبح دور الرسام والمصور الفوتوغرافي هو دور المنفذ لشكل المساحة التي صدرها المخرج الصحفي لضبط هارمونية الشكل العام، ولكي يحقق ذلك بنجاح لا بد أن يكون فنانًا مؤهلاً؛ لأنه عندما يصمم شكل الصفحة يمر بذات التجربة الفنية التي يمر بها الفنان أمام اللوحة.
الكتب:
يساهم فن الحفر أكبر إسهام في صدور الكتاب بصورته المطلوبة من حيث التصميم المطبوع على أغلفة الكتب أو الرسوم الداخلية لها، سواء الرسوم التوضيحية أو التسجيلية أو أي رسوم تتبع المادة المكتوبة، وهذه الرسوم تأخذ ذات خطوات فن الحفر وبذات الخامات المستعملة في المعادن المحفورة بالحمض، وهو مايعرف (بالكليشيه)، أو في الخطوات التي تلي ذلك وإن كانت تتولاها ماكينات حديثة لمراعاة الكم المطلوب.
وقد بدأت رسوم الكتب تظهر مع ظهور ورق الكتابة متمثلة في المخطوطات الشهيرة منذ القدم، ولكن ما يهمنا الكتب المطبوعة.و يرجع أول تاريخ نسخة من حفر خطى إلى سنة 1446 م كما يملك مكتب المطبوعات ببروكسل لوحة مطبوعة من لوح خشبى تسمى (العذراء والطفل المسيح) ويرجع تاريخها إلى 1418م. وأيضا يظهر الجهد المبذول فى الطبعات الأولى للإنجيل المزين بالرسوم والصور المطبوعة. والطباعات الأولى فى كولون عام 1478م وكانت منفذة بالألوان وبطريقة الخشب وكانت صعبة فى البداية وكانت تبذل فيها جهود كبيرة لإعطاء التأثيرات المطلوبة فى الأجزاء المراد رسمها من اللإنجيل.
من فن الطباعة إلى فن الجرافيك
فى مصر لم يكن فن الجرافيك يمارس فى مصر خلال تاريخها عبر العصور كفن خاص له مقوماته لا فى بداية القرن العشرين، إن ظهرت فى عصور سابقة وعلى الأخص فى عهد الفاطمين التى أستخدم فيها طباعة المنسوجات. وهذا يجعلنى أحب الحديث عن ظهور الفن الحديث ودخوله لمصر للمصريين. فقد دخل نابليون بحملته الشهيرة فى مصر بداية القرن الثامن عشر وصحب معه فى حملته العسكرية موكبا من العلماء والفنانين وكان من بينهم(يونج)الذى حمل معه إلى القاهرة أول مطبعة وبفضلها ظهرت أول صحيفة أسبوعية (بريد مصر).
ويرجع أهتمام نابليون بجلب مطابع معه إلى مصر لإدراكه أهمية الدعاية كسلاح لكسب قلوب المصريين، وأيضا أهتم نابليون بالمطابع إلى كونها وسيلة لإعداد النشرات والمطبوعات التى يمكن أن تساعد فى رفع الروح المعنوية لجنوده وأيضا لطباعة الأبحاث والتقارير التى سيعدها علماء الحمله. وكان من بين فنانى الحملة الفرنسية (دينون) الذى كان يدير متحف اللوفر فى عهد الإمبراطورية. والفنان (مشيل ريج) والذى صور شيوخ الأزهر فى لوحات حفظها فى متحف فرساى.
وقد ظل المصريون يشعرون بعد الجلاءالفرنسى بعشرين عام بعدم إحتياجهم للمطابع، وذلك نتيجة لعدة أسباب لعل أهمها معاداة المصرين للإحتلال وكل ما يرتبط به.
فعندما جاء محمد على إتجه فى إرسال بعثاته الأولى إلى أفراد لتعلم فنون النحت الحفر والرسم وجدير بالذكر أن أعدادهم كان إعداد تقنيا وليس فنيا. لقد عرفت القاهرة عصر الفنانين المستشرقين فشيد على أيديهم المساجد والبيوت والبواكى ثم توالت معارض الأجانب يالقاهرة حيث أقيم أول معرض بدار الأوبرا عام 1891 وتوالت بعد ذلك إقامة المعارض التشكيلية.
وأسهم المثال الفرنسي (لابلانى) والمصورالإيطالى (فورشيلا) فى إقامة مدرسة الفنون الجميلة التى أفتتحت فى ماي 1908 بحي درب الجماميز ثم إنتقلت المدرسة إلى حي السيدة زينب ثم حي شبرا 1928م ثم إلى الجيزة 1932م وبعد ذلك نقلت إلى الزمالك ولا تزال حتى يومنا هذا فى حي الزمالك. وكان أول مدير مصرى لها تولى ذلك المنصب الفنان المصور (محمد ناجي) 1937-1939.
أما بالنسبة لفن الجرافيك كان أخر المواد التى دخلت على برنامج الدراسة وكان يدرس ضمن برامج دراسة مع التصوير والنحت. وعندما أنشىء قسم الجرافيك مؤخرا كان أول مدرس مصرى يدرسه هوالفنان (الحسين فوزي). وقد أكتسبت الطبعة الفنية منذ القرن العشرين خصائص مميزة وفريدة عن سائر الفنون التشكيلية حيث أتاحت لها طبيعتها التى تفردت بها إنتشار ووصولا إلى جماهير الناس فى كل مكان إذ يمكن لفنان واحد أن يقوم بعرض طبعات فنية من قالب واحد فى أماكن عديدة ومتفرقة من العالم وفى وقت واحد وأصبح يعرف بفن الجرافيك.
وبعد أن عرضنا تطور فن الجرافيك ، ومراحله التاريخية سنتعرف على مكونات الطبعة الفنية:
التصميم.
القالب.
الحبر الطباعة.
الورق.
والحديث بالتفصيل فى المقال القادم…
كتبت: آلاء نجم