الفنان السيد القماش


إن العمل الفنى نتاج كلى للاشعور وظاهرة إبداعية للآنا اللاشعورية العميقة . تلك الآنا التى تغوص فيها كل المكبوتات وغوامضها . وإنتماء الفنان المصرى منذ طفولته الى بيئته بحسه، هام ، كى ينتمى الى ذاته وينمى شخصيته . والالتزام بالمعايير الأثريه قد لا يؤدى الى الشخصية المصرية وانما ذلك الخيط الرفيع الجمالى الابداعى الذى
ينشا مع طفولته ، وقد يتوه منه ليمسك به من جديد اذا وجد ذلك العبقرى الذى يكتشفه وظروف مواتيه. وبعيد عن الفوضى المقدسة يقدم لنا القماش نموذجاً فريداً رائعاً لمزيج من السيريالية البنائية والنيورومانسية الحالمة التى تعتمد على ذلك الخيط العقلى واللاشعورى العميق فى رفاهية حسية تواكب اللحظة . أن أعماله الفنية تعد استمرار للمدرسة السيريالية المصرية منذ بدئها فى أواخر الثلاثينات فى مصر . حين رفعت عصا العصيان فى وجه القوى الغاشمة والفاشية وخاصمت البرجوازية الاوروبية ، لتواكب اللحظة المعاصرة والولادة الجديدة بعيداً عن الغامض المبهم .
الفنان / حامد ندا – 1988

– حبكة درامية مدهشة من الجداريات – لا يمكن لنا أن نفلت من أثر إبداعات الفنان الكبير تلك الإبداعات الحافلة دوما بالمفاجآت الفنية السارة وها هو فى معرضه هذا يقدم لنا بانوراما عامرة من الجدرايات تحتوى على مالذ وطاب من الفن والإحساس والخيال ولأن الفنان حصل على الماجستير فى بحثه القيم عن سمات التصوير الجدراى فى ( مقابر بنى حسن ) أو إقليم الغزال قديماً بالدولة الوسطى ولأن (القماش ) أيضاً قد نال شهادة الدكتوراه فى مظاهر التجديد فى التصوير الجدارى بقوة وامتياز بعد ان أمتعنا سابقاً برسومه السيريالية المبهرة والتى أفصحت عن براعة فى الرسم ووفرة فى الخيال ويبدو لنا من مشاهدة هذه التجربة الأخيرة امتنان الفنان (ببلاط السيراميك) وقطع الفسيفساء بالإضافة إلى كوكبة مثيرة من العناصر والخامات المساعدة مثل قطع ( المرايا ) ألوان اللاكيه – ألوان الزيت – الباستيل – الحبر الشينى – قلم الجاف الأسود – قلم الرصاص إن القماش يصر على صنع عمل فنى ممتع للعين ومثير للأسئلة ليس من خلال حاصل جمع هذه العناصر المتنافرة السابقة بل من خلال تنسيق وحذف وإضافة تستند على خبرة عقلية فريدة وذوق فنى وخيال خصب حيث تتحقق فى النهاية أعلى كفاءة فنية ممكنه . الناقد / ناصر عراق

ذكورة الرجال فى عالم المجهول
-الفنان القدير السيد القماش، فناناً واعياً ، ومبتكراً فريداً راجعت نفسى وأنا منجرف ناحية لوحاتك فوجدتنى أكتب اليك أن لوحاتك تملك رقة فى التنفيذ وحداثة فى الفهم واستخدام الخامة، وعلى الرغم من ذلك فقد عدت بى لتراثنا التشكيلى الذى كنا نراه فى رسومات عنترة بن شداد وأبو زيد الهلالى والزير سالم وغيرهم .
– نعم أحسست أن خطوطك من خطوط هذا التراث الشعبى المجيد، ولكنها موصولة بأرقى ما وصلت إليه مثل هذه الرسومات فى العالم .
– إن التحدى الكبير الآن ليس فى الألوان إنما فى النور والظلال وفى جدل الأبيض والأسود وفى دراما درجات الأبيض ومثلها من الأسود لقد عشت معك لوحاتك بهذا الفحم المتدرج وسط هالات الأبيض جيد التوزيع . – وكنت أرى نفسى فى هذه الملوك الرجال الذكور الذين يربطوننا بذكورة الفعل العربى وشجاعته، إنها لوحات تعيد الى نفوسنا قوة الشرق وبأس العرب إذا فهموا هذه الرموز الشعرية الجميلة .
– لقد تحمست لهذا العالم المحارب ضد الظلام وضد الجهل . إنك تثور فى لوحاتك على خنوثة الفعل، بوضوح شنبات الرجال الملوك الذين كنا نحبهم فى رسومات الشايب والملك والكومى والسنيورة فى لعبة الورق التى لم تعد تحمل هذا الجهل الآن . فأن الرجل رجلا والأنثى أنثى، وها أنت تعيد لنا ما نتمناه رجولة الرجل وأنوثة الأنثى. ولم تنس أن تنوع موضوعاتك وأن تغوص فى الحلم بين الحقيقة والخيال .- واعترف أن الخيال لديك جزء من الواقع ورسومك واقع عربى جديد .

أ.د / مدحت الجيار
أستاذ النقد الأدبى

أمنا الغولة فى عصر الكمبيوتر
-الفنان الدكتور السيد القماش يرجع بنا إلى أيام جدتى التى كانت تحكى لأحفادها حكايات أمنا الغولة.. وتضيف إليها ` مغامرات نص نصيص ` وأخوته الذين يتورطون فى مشاكل قاتلة بسبب عدم طاعتهم لأمهم فيسقطون فى أحضان أمنا الغولة !!
– وتدفعنا لوحات هذا المعرض إلى أيام `عصر السحر ` عندما كانت التعاويذ والرقى والكلام غير المرتب ترتيباً منطقياً هو الذى يملأ حياة البشر ، إلى الحد الذى جعل إحدى اللوحات تتسلط على الكمبيوتر فى عصرنا الحاضر وتعترض عمله حتى يحتضن الفنان الجهاز الحديث ويفك أسره ويطلق طاقاته التى قيدتها أمنا الغولة بالتوسلات ونداءات التهدئة التى أطلقها الفنان لترضيتها بعد أن رسمها .
– ورغم هذا المناخ العام المفرط فى السريالية فإن كل لوحة تمثل موضوعاً قائماً بذاته ..فبعد معرض آلات النفخ النحاسية المرتفعة الصوت، والقباقيب الطائرة والمفصلات والترابيس ذات الأجنحة التى تحوم حول `غية الطيور `فوق السطوح ، رسم الفنان فى هذه المرة وجوه جميلة عندما أقترب منها أفقد ثقتى فى جمالها واكتشف أنها غولة رغم جمالها.
– وفى لوحة المصيدة تصور الفنان أنه حبس أمنا الغولة فى مصيدة الفئران عندما تنكرت فى شكل فأرة كبيرة ..ثم يجعلنا نكتشف أنها لم تدخل المصيدة بل تطير بأجنحة خارج المصيدة.. ويعترف أنه لن يستطيع الهرب من أمنا الغولة .
– فى بعض اللوحات ظهرت كلاعب سيرك تقفز فى الهواء لتهبط واقفة على قاعدة مرتفعة لتنتزع تصفيق المشاهدين ، فالغولة تستطيع أن تتنكر فى أشكال مختلفة ، ولها كفاءات رياضية وتنكرية لا حدود لها .. ولا تظهر على حقيقها إلا إذا ضيطتك على انفراد !!
– إنها ترجع إلى أيام جدتى التى كانت تستخدم ( اللمبة الجاز ) أو مصباح الكيروسين .. وفى نفس اللوحة تحمل على كتفها المصباح الكهربائى فهى معاصرة أيضاَ تعرف كيف تضئ طريقها إلى فريستها.
– أتمنى أن يكون السيد القماش قد أفرغ ما عنده من مشاعر بدائية فى هذا المعرض ، ليحس أنه شفى من خداع أمنا الغولة .. وأرجو ألا يتضخم إحساسنا بأمنا الغولة بعد مشاهدة هذه اللوحات فيشمل الوطن فنحن نقول ( مصر أمنا ) أو يشمل بعض نساء الأسرة الذين نناديهم ( ماما ) ليتعلم الأبناء كيف ينادون أمهم .. لكننى أعرف أن فناننا السيريالى النشيط لن يشفى من عالم السحر وعصر المعجزات.

د .صبحى الشارونى
فبراير 2008

صرخة أساطير القماش
– أكاد أجزم بصحة ما قاله المؤرخ الكبير د. صبحى الشارونى بأن الفنان د. السيد القماش هو السريالى الأول فى مصر الآن، بل أضيف أنه نجح فى تحقيق ما فشل فيه غالبية من حاول الدخول إلى عالم السريالية دون قدرة متأنية على قراءة أساطير ذلك العالم السحرى، ولكن اسمحوا لى أن ألقى الضوء عن السريالية قبل أن أستطرد معكم فى الحديث عن أعمال الفنان سيد القماش، أصدر أول بيان عن السريالية عام 1924 فى باريس اصدره ` اندريا بريتون` وأول من أصدر بيان السريالية فى مصر كان جورج حنين عام 1938 وكان من روادها فى ذلك الوقت فى مصر الفنانون عبد الهادى الجزار وحامد ندا ، وسمير رافع ، وإبراهيم مسعود ..
– والسريالية اسم يطلق على الفنون التى تستمد أشكالها ورؤاها من نبضات عوالم العقل الباطن الغامض `اللاشعور ` فتسفر عن خيالات لا علاقة بينها ولا أساس لها فى دنيا الواقع والفنان القماش فى كل معرض له يشعرك وكأنه ما زال لدية الجديد الذى لم يقدمه بعد، فهو نموذج للريادة والقوة الروحية والقناعة الفلسفية التى تحولت عنده إلى سلوك يومى ونبض حياة أن فى أعماله الفنية تفاصيل ذات دلالة منتقاة من اللاشعور فجرت مظاهر الفكر الإبداعى لديه، ولذلك نجد رسوماته تثير الحوارات فى الوسط الفنى التشكيلى فأعماله تشعر وكأنها كتلة من الحديد ومع ذلك لا تفتقر إلى الحرارة والحماس والعاطفة وهذا أكسب أعماله الفنية أصالة ونضارة وحقق الوحدة بين الشكل والمحتوى وكشف عن منهاجية المعارض لأسلوب الشكل الوصفى واحدث عمقا إبداعيا بين النظام الاجتماعى والنفسى والتفريق بين التلقائية والسريالية بمعنى تجاوز الواقع، فالفنان لم يكن يوما ما بعيدا عن الحياة الاجتماعية أو منعزلاً فى صوامع الفن بل هو فنان منغمس فى المجتمع المصرى حتى الأعماق ، لذلك أجد بعض النقاد يخشون من مواجهة أعماله السريالية ولا يعالجها معالجة نقدية صرفة أجدهم يقتصرون على التقييم الجمالى والملاحظة الشكلية السطحية كالتى يكتبها بعض النقاد فى كتالوجات الفنانين التشكيليين فكيف يستطيع ناقد نقد عمل سريالى وهو لم يتذوق جماليات الفكر ولا تاريخ الفنان الذى أبدعه فلم يكن الفنان سيد القماش يرسم عملا سرياليا عبثياً أو ينتحل موضة فنية بل كان له تطور فكرى قادر على الإبداع والتحدى للنمطيات السائدة جعلته يغرد على الساحة الفنية وحده، هذه التفاصيل لدية ذات الدلالة عمقت الفلسفة السريالية لدية وبالتالى اجتذبت عددا كبيراً من المتلقين لفهم قيمة هذا العمل، فأعماله فى معرضه الأخير تنشأ من تكوينات وترتيبات من الخطوط والأحجام والمساحات اللونية من حيث بعدها عن اللون الأسود أو قربها منه والشعور بنسبة الانسجام والتوازن بين العناصر التصويرية المختلفة التى تدخل فى تركيب الصورة وتشكيلها فتجدها أحجاما متصلة ببعضها منفصلة عن بعضها البعض فأعماله الفنية تبدو لك كتلة من الحديد الصامت وتبدو مسكونة بإشارات مقسمة سلفا بسبب الاتساع المرعب التى تمتلكه هذه الإشارات، فأعماله لها تفسير درامى لا تترك عيونا أو أحلاما دون أن تدرك مفردات إبداعاته الفنية ، فأعماله هندسة مثالية التكوين الإبداعى تتألق فى لوحاته أضواء وحشية لا تحصى فهى لا ترى حدثا ماضيا بل حدثاً ذاتيا لذلك تشعر فى أعماله باللذة البصرية الدكتور سيد القماش ادخل مصطلحات فنية جديدة وآثار قضايا بشكل جديد ورؤية إبداعية ثاقبة، أطلق جرس إنذار للآخرين بأن الفن السريالى ليس نوعاً من الفوضى التشكيلية بل هو نضج لفكر جديد له نظرة فلسفية عميقة تتعدى حدود التقليدية والقدرة على التحليل النفسى واللاشعور ومعرفة هذا العالم الرهيب المختبئ وراء أسرار النفس البشرية التى تعتمد على الغموض التى يفرزها اللاشعور . فالدكتور الفنان السيد القماش لم يغرق الروح فى غمرة الحياة ولم يقم فوضى مقدسة مثل الآخرين وإنما يتمتع بالأناقة الأخلاقية فى عمله ويطلق صيحة التغير وعدم التبعية وأن ممارسة السريالية تكون فقط أكثر خطورة عندما تكون الأنظمة الإدراكية أقل قدرة على استيعابها .

د. إسماعيل محمد عبد المنعم
جريدة الحياة المصرية 2/ 2/ 2008

– رؤية لإنسان القرن الواحد والعشرين ..
– الإنسان هو تاج الخليقة وفى كبد إلى آخر الزمان، وهو شغلى الشاغل دائماً،فلطالما عبرت عن ماضيه ومعاناته وطموحاته فى معارض سابقة. ولكن فى هذا المعرض وجدت نفسى مشغولاً بمستقبله، فبدأت أبحث وأنقب عن حياته وطبيعته التى سيكون عليها فى القرن القادم، من خلال تلك الثورة الهائلة فى الصناعة والزراعة والاتصالات والمعلومات والكمبيوتر والإنطلاق عبر الفضاء الكونى اللامحدود، كل ذلك سيجعل إنسان القرن القادم فى ظروف مختلفة وحياة مضطربة وبحثٍ دائم ليل نهار لكى يواكب تلك الطفرة الهائلة. وهذه المشكلة برمتها هى التى اعبر عنها عن طريق الرسم باللونين الأبيض والأسود، وذلك لأننى مؤمن تماماً بأن الدراما اللونية والخطية والظلية وكذلك التعبير القوى من خلال هذين اللونين يصل الى المشاهد مباشرة دون أن تجذبه مباهج اللون وسلبياته أحياناً . ولقد استعرت عناصر لوحاتى تلك من الطبيعة فنجد النباتات والطيور والحيوانات والمعادن والإنسان فى بوتقة واحدة، حاولت من خلال الفلسفات الكامنة داخلها – أن أعبر عما يدور فى أفكارى ومخيلتى ومشاعرى ورؤيتى لذلك الإنسان الذى أراه قادما مع القرن الواحد والعشرين .
الدكتور/ السيد القماش