من وحي عشر برديات مصرية..ثنائية فنية متضافرة


بقلم الفنانة منة الله أبو علو

نشأت الحضارة المصرية القديمة منذ فجر التاريخ، وكانت ولا تزال دائماً ذات طابع أصيل ومنفرد، جذورها أمتدت علي ضفاف النيل، وقد توافرت في هذه الحضارة ما أثّر علي ما تعاقب بعدها من حضارات، وقد مرت هذه الحضارة بعدة أحداث نُقشت ورُسمت علي جدران المعابد لتأريخ التاريخ، فقد بدأ في مصر الأنقلاب الأول بمعرفة سر إيقاد النار، ثم الأنقلاب الثاني وهو الرئيسي في مجالات الحياة المادية الملموسة للمصري القديم ألا وهو معرفة حرفة الزراعة، ثم جاء التطور المعنوي الثقافي بمعرفة الفنون البصرية بمختلف أنواعها وأشكالها ثم بمعرفة الكتابة، وبعد نضوج الثقافة ظهرت العقيدة والشريعة وأسس العلوم ثم أشرقت فيها الديانات السماوية، وظلت حضارة مصر وآثارها الجمة وأستمرت في التطور والرقي حتى الألف الأول قبل ميلاد المسيح

وعندما بدأ تطور أشكال النتاج التعبيري الأنساني بصفة عامة، تعددت النظريات واختلفت الآراء في شأن الإبداع الفني، فإن الإبداع يتجلى في تلك الروائع التي خلفها الفنانون والأدباء، أقرب إلى التفاعل بين الأوضاع الثقافية الاجتماعية السائدة في المجتمع والتكوين النفسي للفرد المبدع، وأن الفن مجرد نتيجة تبادل التأثير والتفاعل بين التعبير عن التكوين الشخصي، والتعبير عن القيم والمثل الاجتماعية، وهذه الروائع الفنية التي أغنت التراث الإنساني الموصوف بالجمال، ووسعت رؤيتنا للكون وكشفت عن الكثير مما يحتويه من أسرار الإبداع

فلقد شاهدت منذ عدة أيام مضت ميلاد تجربة إبداع تتكون في رحم أتيلية الفنان الشاب رضا عبد الرحمن، تألفت التجربة الكاملة وتجمعت في شموليتها للروح والجسد، روح أدبية نفخت من خلال كتابات الكاتب الكبير محمد سلماوي و جسد تشكيلي متكامل النمو له ملامح شخصية الفنان الفنية، تعرفنا علي هذا المولود الحي المكتمل في مركز الجزيرة للفنون من خلال معرض “من وحي عشر برديات مصرية”..

ومع كل هذه التجليات قد أوجدت لنا خلق أدبي – تشكيلي متكامل ومؤكد علي علاقة التلازم بين الفن والأدب كما بين المرأة والحلي فهى رغم جمالها الفطري لكن التزين يزيدها رونقاً وحياة, وجد الفنانين كل منهم نفسه محلقاً في سماء الفن المصري القديم، منتمياً تمام الأنتماء إلي أجداده وتراثه الثري بكل أنواع وأنماط الفن

وجد سلماوي ملكته اللغوية والتعبيرية النابعة من قلمه الذي يخط حروف تؤكد مصريته بعمق وتحدد ملامح حياة مصرية قديمة لا نعرف عنها رغم كل ما توصلت اليه الأبحاث سوي الخطوط العريضة ربما هذا ما أعطي له الفرصة للغور في أعماق هذه المفردات من خلال رؤيته الأدبية ونسجها بسن قلمه برموز حرفية علي وجدان الفنان رضا عبد الرحمن والذي أمتص منها كل ما هو مصري، وأستلهم كل ما هو قديم من حوله يمكن وأن تقع عليه عيناه، تأثر بكل ما هو آسر وبراق منصبغ بروح الملوك والملكات القدامي..

وتكلمت فرشاة الفنان وخطوطه و قالت “أنا مصري وأفتخر”، عبرت ألوانه عن الصفاء والثراء والعبق الفرعوني الأصيل، تنوعت الرموز وتداخلت الألوان لتحدد معالم مجموعة لوحات أعتمدت في هيكلتها التكوينية علي العنصر البشري والرمز والربط بين المصري القديم وتفصيليات حياته في ما بين عشوائية البناء اللوني والدراسة الأكاديمية للملامح الأنسانية، أكتملت تجربة الفنان من حيث العناصر وتوحدت في رؤية عبقرية مبهرة.

لو تأملت هذه الأعمال الساحرة وأبصرتها جيداً لأدركت مدي حرفية المصور الذي أبدع هذا الخلق الثري بكل مفرداته وبمزجه بين الموهبة والرؤية التشكيلية الخاصة، لأدركت قدرته وهو يقدم لك لوحة مزجت ألوانها بشفافيةٍ رائعة، تقف أمامها مشدوهاً وقد عقد لسانك سحر الجمال فقام الفنان بممارسة الموهبة التي رزقه الله إياها، وقد تشكلت في صياغة لوحات تعبيرية رمزية تعجز الذاكرة عن نسيانها