صالون الخريف الفرنسي .. تاريخ وإرث حضاري .. وحاضر بلا ملامح


بقلم دكتور عمرو أبوالهدى

يعد صالون الخريف الفرنسي من أقدم المحافل الفنية الأوربية والتي أصبحت عالمية بعد أن كانت قاصرة علي فناني فرنسا, ومنذ افتتاح أول عرض فني له بباريس في أواخر ق 19 واتخذ هذا المحفل الفني أسلوب ونمط خاص في عرض الأعمال الفنية المعروضة، والذي كان له سمعة جيدة، أما اليوم فنحن علي شبه انفصال تام عن ما يحدث بهذا الصالون وما هي سمعته بين المحافل الفنية الأوربية الاخري، ولا ادري هل ذلك تقصير من المنظرين العرب عن هذا المحفل الدولي المتفرد كما يوصفه القائمون عليه اليوم ؟! أم التقصير نتاج طبيعي لما عليه حال هذا الصالون في هذه الحقبة الزمنية المختلفة.

وواقع الأمر أننا قد بدأنا نستمع إلي بعض المحاولات التي تعرفنا علي ما أل إليه هذا الصالون وماذا يقدم ولكن في صورة دعائية جذابة ومبهرة للعديد من الفنانين العرب محترفين كانوا أو مغمورين، وتتلخص نتاج هذه المحاولات لتقريب العالم العربي من الصالون في افتتاح جناح للعالم العربي يعرض به بعض الفنانين العرب،

ولي هنا تساؤل..هل وجود “جناح خاص بالفن العربي أو أعمال فنية لبعض الفنانين العرب هو شئ جيد أم العكس؟
للوهلة الأولي الاجابه علي هذا التساؤل يكون ايجابي بالطبع وجود الجناح هو شئ جيد، ولكن دعونا نتأمل قليلا.
هل تمثيل الفنانين العرب في قاعة خاصة منفصلة عن باقي القاعات الرئيسية الاخري هو جيد؟! وإذا تحدثنا عن جمع الفنانين العرب وفصلهم عن باقي فناني العالم المشاركين في هذا الصالون..ماذا يعني؟!
فاعتقد انه إذا كان تمثيل العرب جديا أو يحمل ملمحا بسيطا من الوعي لكنا قد رأينا في قاعات الصالون الرئيسية أعمالا لفنانين من كل دول العالم ومنهم العرب، حيث المنافسة الحقيقة والعرض القوي، وليس بعزلهم في قاعة وكأنهم معزولون عن المشهد الثقافي العالمي، أو حتى وجودهم كان مجرد تكريم او تشجيع او الله اعلم بالغرض…

الصالون الفرنسي له اسم وتاريخ لأكثر من مائة عام, هذا صحيح ولكن..!
هل كل ما يقدمه الصالون من نتاج فني وثقافي هو علي نفس قدر المسؤولية كما قدم منذ أكثر من 100 عام؟
اعتقد انه يقدم أعمالا ذات طابع تكراري فكريا أو تقنيا او حتى علي مستوي الرؤية البصرية، هل نسبة المغاير والمجازفة الفنية والفكرية في تقديم أوجه جديدة من الأنماط الفنية نستطيع ملاحظتها ام أنها منعدمة الوجود؟
ذلك المشهد يحيل إلي ذاكرتنا أحداث صالون باريس “الخريف”و نمطية الفكر وما أدي إلي ابتكار صالون المرفوضين من طليعة فناني الحداثة مثل ” بيكاسو و براك “و غيرهم.

وهي نفس العقلية التقليدية التي تصر علي تقديم الأسلوب النمطي والقيم التقليدية في الفن، ذلك في الوقت الذي أصبح الفن في أوروبا والعالم يحمل صفات وسمات مغايرة ويقدم في محافل دولية اعتقد أن اسمها أصبح أقوى واعرق بكثير من ذلك الصالون، مثل معرض الدوكيمينتا Documenta بألمانيا، وبالطبع بينالي فينيسيا بإيطاليا وبينالي جوتبيرج بالسويد وبينالي الضوء بالنمسا “أعمال فنية تعتمد بالأساس علي تطويع الضوء بمختلف أنماطه في أعمال فنية منها النحت الثلاثي ومنها أعمال مركبة وغيرها ” وغيرهم الكثير ممن يقدموا عرضا يفتح المجال للجميع وللرؤيا الجديدة والفن المعاصر.

وكما ذكرت سلفا ليس من المشين ان يتبنى احد ا وجهه نظر ما أو ايدوليجيا معينة حتي ولو انها تفتقر الي تقديم المشهد الفني العالمي اليوم، ولكن اعتقد ان العيب هو ان يقوم شخص ما بتصدير صورة انه اكبر واهم محفل فني عالمي, كما انه من المشين والغير لائق ان يقوم شخص ما طول الوقت بتصدير فكرة ان له الفضل علي الجميع ويصرف من جيبه الخاص ويبيع أملاكه من اجل الفنانين العرب..كما انه أيضا من المشين أن يهذي بفكرة ان له فضل علي الوطن نفسه وتضحيات عديدة من اجل الوطن..أين هي؟ وما هي؟

هذا ما استثار تحفظي علي الكتابة عن هذه الأوهام التي يحاول اي شخص ان يصدرها للمثقفين او القراء خاصة لبعض الفنانين العارضين في الجناح العربي “المنعزل”.
كما انه من أكثر الأفعال تدنيا..ان يقوم شخص ما بتقديم نفسه علي انه صاحب الفضل في كل شئ وعلي كل الناس! وان كان قد نجح بعض الوقت بمساعدة الجوقة المستفادة منه او من غيره لبعض الوقت إلا ان الحقائق تتكشف, كما انه من العيب ان نتاجر او نزايد علي الغير من باب الوطنية او من خلال استرجاع بعض المشاهد والذكريات التي الله يعلم بمصدرها الفعلي لنستثير مشاعر الغير.

وهل كل من خرج في ثورة 25 يناير قام باتخاذها مادة للدعاية الشخصية او من باب تزكية الذات؟!
لماذا دائما محاولة تصدير فكرة انه يجب ان تقدم خالص الشكر والعرفان و….لشخص يظن انه قدم لك كل شئ, وإذا كانت المعاملة بالمثل فاعتقد بل اجزم بأن كل إنسان له دور في حياة الأخر وله بعض الفضل والجميل عليه بعد فضل الله تعالي..كلنا متساوون يا سادة،
وعجبت من محاولة تصدير شائعة واهبه وتصديقها حتى من ذات الشخص الذي يصدرها للغير وهي شائعة انه يفترض في كل من غاروا علي إخوانهم وأنفسهم احتراما لذات الإنسان لنفسه وقاموا بكشف بعض الحقائق التي تحمل سلبيات او حتى ايجابيات فهي في النهاية حقائق ووقائع عن هذه العروض الفنية التي يتم التحضير لها في أوقات قياسية عالمية لتخرج تفتقر للحرفية والجدية واللياقة بأن هؤلاء الفنانين لهم أجندة ما’ او يتحالفون مع شخص لإسقاط رمز “الفنان المضطهد”.

ويقوم المسؤول عن هذه الأخطاء بتصوير نفسه شهيد العروبة والثقافة، ويلتف حول الحقائق بإشاعة عن هؤلاء المنشقين عنه أو من استفاقوا وأدركوا الحقيقة الباهتة ويقول عنهم أنهم منقلبون متسلقون خائنين العيش والملح….ومنهم من قد يفتري عليه انه قد تم رفض أعمالهم في صالون من هذه السلسة التي تطول من المعارض الاسمية ولذلك قرر المرفوضون الانفصال عته وعن بطانته الصالحة وتقديم أكاذيب وهمية انتقاما منه علي رفضهم.

وأستطيع أن اجزم أن من يفكر بهذا المنطق أو اللامنطق فهو مريض أو يعاني من مشكلة الاضطهاد من الغير، فإذا كنت أنت ذكرت تارة انك غير مسئول عن قبول الأعمال او رفضها اي انك لست مخول لذلك في دورة صالون الخريف الحالي حيث ان الأمر بيد أصدقاؤك بالدوحة بما أن قطر هي راعية للصالون ماديا، فكيف يكيد لك المرفوضون من “السماء” ولماذا؟ ونجدك تارة أخري تقول انك المسئول عن كل شئ وأنهم يسرقون منك ثمرات جهدك وعملك ؟ّ!! ما هذا التخبط؟
كما ان إذا كان لديك القرائن والدلائل التي تثبت بها أن هؤلاء الفنانون قد قدموا إليك أعمالهم أو حتى صور منها للعرض في أي من صالوناتك الشهيرة..اعتقد انه آن الأوان كي تظهرها لتقطع بها الألسن التي تفتري عليك..

عليك مراقبة نفسك كما نصحتك بما يرضي الله,فيما تعتقد كل أصدقاؤك انفضوا من حولك غير بعض المنتفعين كما ذكرت؟! هل كل من انفض عنك بسبب الغيرة من موهبتك الفذة أم هبه حب الآخرين لك بصدق ولوجه الله ؟ أم لمكانتك العلمية والأدبية المرموقة ؟؟؟ ام أنت كنت السبب الأساسي في ترك كل هؤلاء من حولك بل والكثير منهم قدم شهادته للآخرين عما حدث معهم شخصيا، وتذكر جيدا ان منهم الكثير ممن سافروا وعرضوا في صالون الخريف ومنهم من عرض في مصر وشاهدوا القاعات او التنظيم او مستوي الأعمال وغيرها من السلبيات التي ممكن حدوثها، لكن مع الأسف تصدير صورة غير مستحقه لشخص ما, يجب ان نتصدى لها كما ان تشويهه سمعة إنسان محترم يجب الوقوف معه فهو واجب.

لم أكن انتوي التعليق علي مثل هذه الأحداث او حتى القائمون عليها بأي شئ واكتفيت بالتعليق علي بعض مقالات الزملاء ولكني اعرض هذه التساؤلات للقراء لنضع كل حد لمن تسول له نفسه انه ذو فضل علي العالمين وانه المسيح الذي يضحي بذاته من اجل أحباؤه..
ولمن لا يعلم ما يحدث في مصر والعالم العربي الحر انه أصبحت هناك العديد من المحافل الفنية والثقافية التي يصعب علي احد حصرها، وكلها محاولات جادة من الشباب المنفصل تماما ومهمش من قبل السلطة او القائمين علي الفنون في كافه الدول العربية.

كما أنهم أصبحوا علي مسافة بعيدة من محاولة استقطابهم من قبل بعض المؤسسات الخاصة والبيوت الفنية الخاصة وغيرها لما لها من بعض الأدوار المشبوهة في تصدير ثقافة ما او محاولة منهم لجعل الانتماء لهم من شباب لم تتكون لديهم الرؤيا فيما وراء بعض الوجوه الزائفة، حتى انه قد نجح هؤلاء الشباب في استقطاب بعض كبار الفنانين للعرض معهم وتشجيعهم ودعمهم بجهودهم البسيطة بعيدا عن الأوهام..
وأخيرا اعتذر لكل إنسان أسأت له عن غير قصد او تعمد، وأود التذكير بأن هذه السطور ليس هدفها تجريح او سب في شخص او مؤسسة،بل مجرد شهادة للآخرين وتساؤلات لعل الزمن يجيب عليها قريبا.

دكتور عمرو أبو الهدى