النقد بين المزاجية والأصول


ملحوظه: كل أعمال “رامبرانت” ومايكل أنجلو ” ومايكلانجلو” “تقريبا” مرفقه بأسفل المقال.

تطلق كلمة فن على كل محاولة للإبداع يبتدعها الإنسان أيا كانت قيمتها الفنية سواء رسم تصوير نحت حفر خزف بحيث يتوفر فيها الجمال والابداع والابتكار.
اللاتينيين القدماء اطلقوها على ما يتطلب المهارة في الصناعة اليدوية، وفي العصور الوسطى استعملت في وصف قواعد اللغة وعلم الفلك والمنطق والسحر وفي عصر النهضة أعادها الإيطاليون الى مدلولها القديم إلى ما يتطلب المهارة اليدوية ونلاحظ في القرن الثامن عشر أنه حدث تميز بين الفنون الجميلة والفنون النافعة.

ويقول جونسون في موسوعته:
“أنه يسهل إدراك الفن عن طريق الحاسة السادسة فإذا كان المشي ظاهرة طبيعية فإن الرقص هو الفن والفن يقوم على أسس وقواعد يلتزمها الفنان وسيظل الفن التشكيلي أرقى واعظم لغة للتعارف بين البشر منذ بداية الخليقة.”

الفن هو الذي دعم الانسان حضارته وموروثه وسطر تاريخه بخطوط وألوان وأضواء وظلال ليشكل الأجسام التي تشغل حيز ملموس ومنظور وهناك صلة حميمة بين الفن والاخلاق والتراث الإنساني والقضايا الشائعة الإجتماعية والسياسية وثورات الشعوب وبين المعتقد الديني والبيئي والمكاني والزماني وتجارب القدامى من أثار ومتاحف ومقابر ومنشآت ومعابد وتماثيل ومخطوطات أعمال فنية وإدراك الفنان المعاصر لموروثه الفني والثقافي وبصمات الآخرين.

ومن المدهش أن الإنسان في عمره العادي لا يستطيع مطلقا أن يستوعب كل موروث البشرية على مدى حياته القصيرة سواء ما تركه الانسان البدائي أو المصري القديم أو الآشوري أو اليوناني أو الروماني أو العصور الإسلامية والقبطية.

فعندما إستوعب مايكل آنجلو الفن الروماني واليوناني أضاف لعصر النهضة البناء الجسماني القوي والجمالي والتشريح وأيضا أضاف رمبرانت الضوء كعنصر من عناصر القيم التشكيلية المعمارية للعمل الفني بجانب إهتمامه بالتعبير الدقيق على الوجوه وفعل الزمن والسن.

ونجد “روبنز” قد إهتم بالتعبير عن الأجسام البشرية خاصة الإنسان وأبرز عوامل البدانة وملمس البشرة وحمرة الخدود الحريرية ووهج اللون وكان يعكس قيم جمالية لعصره. وأمام الفنان التشكيلي طريقين إما إرضاء الناس والتقرب لهم بتقديم ما يناسبهم ويتفق مع المفاهيم التي يتعارفون عليها بحكم القيمة الإنطباعية لطبيعة الأشياء أو أن يكون الفنان باحث يكشف الحقيقة البصرية للاشياء وللناس ويكون مبتكرا مبدعا متجدد.

والفنان الحقيقي لا يشغله على الاطلاق إرضاء الناس حتى لو مات جوعا ونلاحظ مثلا فان جوخ سخر منه الناس عندما كان يرسم الحقول تحت اشعة الشمس الحارقة وتسأل الناس لماذا يضيع وقته في عبث وتحت الشمس المحرقة في حين أثبت التاريخ انه حرر الفن والرؤية البصرية للاجيال والتي عاصرت الاكتشافات العلمية وأعطانا دروسا في فهم الطبيعة وإيقاعاته وألوانها وأسس قيما رفيعة المستوى.

وأيضا عندما رسم “رمبرانت” لوحة حراس الليل التي تتضمن وجوه “باننج كوك” وأصحابه إنما أعطاهم الفنان لوحة يختفي فيها الوجوه الشخصية في ظلام دامس وأظهر بعض الشخصيات في نفحات الضوء ولم تعجب “باننجج” ورفاقه في حين ما قدمه “رمبرانت” فتح جديد للبشرية وللفن ورؤية جديدة للضوء والظل وأوضح اهمية الضوء في سقوطه على الاجسام ولم يهتم بأخلاقيات العصر واتجه بفنه كرسالة وباحث وأخلاقيات العصر عرف متفق عليه يخضع لحكم القيمة الواقعية للاشياء وصورها.

أما الاخلاق الفنية هى إبداعية متجددة ابتكارية متسعة الافق في البحث وللاسف مازال الكثير من الناس في كل المجتمعات ينظر للفن التشكيلي على انه مجرد لوحة جميلة أو تمثال لفتاة عارية لا تخرج فيه اللوحة عن كائن جميل مثيرا في حين ان الفن من وجهة النظر التربوية رسالة انسانية ولغة عالمية ومساهم فعال في التأثير الحضاري والثقافي للمجتمعات ولغة بصرية عالمية لا تقل مطلقا عن لغة الموسيقى وصقل الحس الفني والتذوق الجمالي وسلوك للرؤية البصرية والتذوق.

واذا سلمنا ان الفن لغة إذا علينا أن نتعرف كيف نحكم على الاثر الفني بقدر قيمة إدراكه الوجداني.

ومن مدارس النقد المدرسة السيكولوجية التي ينظر فيها للوحة أو التمثال على اعتبار انه تعبير عن شخصية الفنان فتنحصر في التحليل النفسي والاهداف النفسية التي صارعها الفنان حتى تشكلت اللوحة أو التمثال وبقدر الاثر الفني بقدر نجاح الفنان في التعبير عن هذه الحالة.
المدرسة الاجتماعية التي تنظر للعمل الفني على اعتبار انه مرآة للعصر الذي يعيش فيه الفنان والظروف الاجتماعية والمعيشية والسياسية التي تاثر بها الفنان ويعكس العمل الفني مدى قدرة الفنان على الانفعال بهذه الظروف.
المدرسة التاثيرية التي لاتهتم لا بنوايا الفنان وما يقصده والذي يحكم على العمل الفني التأثير القوي ووقعه على نفسية الناقد وما اثارته اللوحة في ذهن الناقد وقيمته الفنية ومشاعره.
المدرسة الموضوعية وهى التي تقيم العمل الفني مجرد من الظروف والبواعث التي تنبع فيه. وحتى هوى الناقد الفن يحكم بالقيم التشكيلية خطوط الوان مساحات والعلاقات بينهما.

واخيرا نلاحظ ان تطور مفهوم الفن تطورا مذهلا ونشأ الوعي بين الفنانين والنقاد بالتراث الفني العالمي على نحو غير مسبوق مما يجعلنا في حيرة بالغه بين دور الناقد ومفهوم الفن وقيمته التي تتجدد وتتبدد وتتطور حتى اننا اصبحنا امام نشأة وتطور مفاهيم حديثة للفن واساليب فنية غريبة غيرت من طبائع الناس مع التطور الهائل للتكنولوجيا مما غيب وحطم الاسس الفنية والقيم الحالية عند البعض وأثر كثير من الفنانين اللهث جريا خلف مفاهيم جديدة لبساطتها وسهولتها وفراغها من القيمة.

وحيد البلقاسي


Rembrandt Harmenszoon van Rijn

Michelangelo di Lodovico Buonarroti Simoni