النجوم – للكاتب محمد مستجاب


النجوم

قد ينجم – عن مصاحبتك لي في هذه السطور – نوع من الهم, أو الحزن الحديث, الناجم عن حصارنا في المدن بالجدران ذات اللوحات والنوافذ والستائر, مع الأحلام والأمنيات المنسابة من الشاشات التلفزيونية الملونة.. والراقصة أيضا, لتنغلق الطرق – دون أن ندري – بين عيوننا والآفاق الممتدة أشجارًا وتلالاً وزقزقة عصافير تتسلل إلى أعشاشها, لتبدأ النجوم في الظهور هامسة بالنور الخافت تنغيما موسيقيًا يتسلل في الجوانح, ولذا فإن ما تراه الآن من ظاهرة ارتداء الأطفال للنظارات الطبية ناجم عن زوال العلاقة الطبيعية الساحرة بين العيون والنجوم, فالمدينة تخلو من القمر مهما تألّق بدرًا وقصائد شعرية وأغنيات تتراوح في شجن العشاق, واندثر المنجمون الذين يراقبون النجوم حسب أوقاتها ومجالات حركتها ليدعوا معرفة الأنباء والتوقعات والاحتمالات بمطالعها, وتركوا ذلك الأمر – المثير للخيال – للمعامل العلمية ذات الأجهزة الحديثة القادرة على التحليل بتشغيل العقل الجاف الذي يخترق كل المجالات دون إحساس أو مشاعر, هل لهذا تتفتت الرؤى الشعرية القائمة الآن لتقع على الأرض صريعة انغلاق الآفاق الممتدة إلى هالات القمر والنجوم?

لكننا – علاجًا لهذا الحزن الحديث , وابتعادًا عنه – قمنا بتوزيع نجوم الفلك السماوي على ذوي الشهرة البارزين – والبارزات بالذات – في فنون الغناء والتمثيل, فاتن حمامة نجمة لا تزال تملك تألقًا في الأداء رغم كثرة النجوم الأخرى التي تدور في أفلاك – جمع فلك – أقل تأثيرًا, وأكثر ضجيجًا, إلاّ أن النجم الرجالي – الآن – غاب وراء ضباب لم يكن قادرًا على تخفيض رؤيتنا وإحساسنا أيام نجيب الريحاني ومحمود المليجي وأنور وجدي وعماد حمدي, وعلينا أن نذكر النجم المؤثر – يمنحه الله طول العمر – محمود مرسي, وربما كان هذا الأمر وراء استئثار العظيمة أم كلثوم بلقب (كوكب الشرق) تاركة النجومية لغيرها.

وتعد الكهوف والمغارات والأغوار (جمع غار) منجمًا ملهمًا لمعادن ثمينة يحصل عليها الأديب المبدع إذا شاءت له ظروفه أن يعيش بعض الوقت في غورها المطل على اتساع العالم المذهل, وربما كان ذلك وراء هذه الأعمال الرائعة لفتحي غانم في (الجبل), وصبري موسى في (فساد الأمكنة), وخليل قاسم في (الشمندورة), نعم إنها روايات ظل الخيال المنطلق من الواقع يدفعها إلى آفاق الرؤى التي تكمن وراء قصائد محمود حسن إسماعيل وامرئ القيس وعلى محمود طه وأبو العلاء المعري – ذلك الضرير الذي ظل منجمه داخل اتساع عقله في الدنيا والآخرة, غير أن الإبداع ذا الخيال لا يحول بيننا وبين الانتباه إلى عبدالله النجومي – والذي رافق الملك المصري فاروق السابق مباشرة على عصر جمال عبدالناصر, وسوف تجد اسمه على غلاف كتاب عن الحيوان دون أي ذكر له بأي تعريف في أي موقع مكتوب آخر, إلا أني – من الذاكرة – أعرف أنه كان برفقة الملك فاروق خلال رحلات الصيد في الصحراوات المصرية – الشرقية بالذات, وكان خبيرا بسلوك الحيوانات بين التلال والجبال ومنحنياتها الصخرية: الغزلان والأيائل والضباع, وقد شغل مسئولية حديقة الحيوانات الشهيرة بمدينة الجيزة عدة سنوات, وربما يكون عبدالله النجومي من عائلة عبدالرحمن النجومي القائد السوداني الذي انضم إلى ثورة المهدي (1881) ولعب دورًا مهمًا في حصار مدينة الخرطوم ضد الإنجليز, ثم اختاره المهدي على رأس حملة كبيرة لغزو مصر في ذلك العصر الاستعماري, لكنه هزم في معركة توشكى جنوب أسوان عام 1889, وهو ما لا يعرفه – فيما أعتقد – الذين يقومون الآن بمشروع توشكى لزراعة الصحراء المصرية في جنوبها.

إلاّ أن انطلاق النجوم من عقال التشبث البشري ارتباطًا بعلوها وارتفاع أمنياتهم فيها, لا يحول بيننا وبين إعادتها من أفلاكها للإشارة إلى نجم البحر المعروف بجلده الشوكي وتكوينه النجمي, أي يشبه النجوم, والذي يغلب عليه استيطان المياه الشاطئية الضحلة, ويميل أصحاب الخبرة إلى إدخال مكوناته في طعام الباحثين عن القوة الجسدية بسبب ما يحتويه من فوسفور, وهو ما لا يتحقق في نجوم أخرى كالنجم القطبي – نجم حقيقي وليس مجازيِا – ويتألق في آخر شمال الكرة الأرضية بصفته ألمع نجوم كوكبة الدب الأصغر في نهاية الليل الجليدي المشهور في كتب الذين أمكنهم الوصول إلى آخر أطراف سيبيريا وألاسكا, إلاّ أن نجمة إبراهيم – الممثلة التي شاعت قدرتها المعبرة عن الشر, حازت موقعا في نفوسنا المرتعبة حينما كانت تطل علينا بوجهها الناعم الشرس في أفلام سينمائية عديدة, دورها في فيلم (ريا وسكينة) لا يمكن لأحد منّا أن ينساه, في حين أن نجمة بيت لحم – وهي زهرة من فصيلة الزنبق – لم يعد يذكرها سوى غلاة الموغلين في علوم النبات, في حين أنها اقترنت بالنجم الذي هدى الحكماء إلى المكان الذي ولدت فيه العذراء مريم السيد المسيح عيسى النبي, لم نعد نعرف نجمة السماء واكتفينا بمعرفة نجمة الزنبق, حتى نظل في دائرة منجم الصدق, في القول والكتابة, دون أن نلف وندور حول الثريا بنجومها اللامعة التي فتحت ذائقة المتعة في عيوننا, فلا نقع تحت صفة (المنجوم) وهي لغة شعبية كانت أمي – يرحمها الله – تصفني بها كلما أتيت فعلاً غير مريح, أو غير مقنع, أو تشوبه حالة الخروج على المعتاد من السلوك, حتى لو كان صدى لقصة أو رواية يراها المثقفون ممتعة, إنها محاولة ضرورية حتى لا ينجم عن سطوري إحساس جديد بالهم – أو الحزن – الحديث, بسبب انطفاء عيوننا عن الإمعان في النجوم, ولو بعض الوقت, أو لمرة واحدة تطالعنا فيها نجمة الصباح.. المبك

كلمات لها معنى

رغم تجاوزي نصف قرن من الزمن, مازلت أعاني من أني لا أفهم من علم الجبر سوى: الأمر الصادر كي أرضخ له.
الآن تمد يدك إلى جيبك لتخرج سلاحك للدفاع عن نفسك, ثم لا تلبث أن تنظر حولك كي تفك الورقة النقدية ذات الحجم الأكبر من الموقف ذاته.
أشار لي أن أنظر: في الأفق سرب من الطائرات, فظللت فترة أمعن في الرمال باحثًا عن سرب من النمل.
كلنا نخاف من الجبال ونخشى المرور قريبًا منها, جرب مرة أن تصعد جبلاً وتجلس فوق قمته في استرخاء, الذين فعلوا ذلك أعادوا النظر في حياتهم كلها, لا تفعل ذلك بالمرة يا صديقي.
لماذا ينهمك أصحاب التجارب الإنسانية في مصادقة الكلاب?
محمد مستجاب