التجريد ليس هروباً من الواقعية بغرض إخفاء الأخطاء الفنية من قبل المنتسبين للفن كما يعتقد الكثير من المتلقين العوام. نعم هو هروب -إن جاز التعبير- من الواقعيةالملموسة (الحسية المادية) للدخول إلى واقعية عقلية (مفاهيمية) اكثر وعورة وأكثر تمحيصاً للمفاهيم الفلسفية للوجود, وهذا يجعل الأطروحات التشكيلية التجريدية أكثر تطلباً من الفنان للتفكير والتأمل وكذلك للتطبيق الفني للعناصر والأسس الفنية
ولإثبات ذلك دعونا نسافر مع ا لفنان الأمريكي روي ليتشتبستن Roy Lichtenstein المتوفي سنة 1997 في رحلتة الفنية لإخراج عملة الفني المسمى “مجموعة منظر جانبي لثور” (Bull Profile Series)
عمل الفنان في هذة المرحلة على نقل أقرب مايكون للواقعية لموضوع العمل الفني بغية دراسة الثقل وتوزيعة. نلاحظ أن الموضوع لا زال يحتفظ بالأبعاد الفراغية. وبهذا يبرهن الفنان لنفسة قبل أن يبرهن لنا أنة يمتلك المهارة المطلوبة ليكون واقعياً وهو في الوقت ذاتة يعمل الفكر بطريقة بصرية في دراسة الموضوع قبل الإنتقال إلى المرحلة الثانية من رحلتة التجريدية.
المرحلة الثانية هي محاولة للخروج من الواقعية المحسوسة عن طريق تجريد الموضوع من مفهوم “البعد الفراغي” حيث أصبح الموضوع الفني للعمل مجرد دراسة فنية لمفهوم الشكل بنوعية الموجب والسالب (Positive Shape vs. Ngative Shape) لإن مفهوم الشكل هو جواز سفر الفنان إلى الواقع الآخر (الواقع المفاهيمي كما سبق)
في الأعمال الفنية الثلاثية الأبعاد مثل الأعمال المنحوتة يكون الجسم هو المفهوم المرادف للشكل في الأعمال الثنائية الأبعاد (أعني نقل الواقع الثلاثي الأبعاد على أرضية مسطحة ثنائية الأبعاد), نجح الفنان في هذة المرحلة في التخلص من مفهوم البعد الفراغي مع الإحتفاظ بمفهوم الثقل وتوزيعة للموضوع وذلك بتوظيف الخط Line والفراغ Space واللون Color كعناصر فنية أساسية ضمن قواعد التوازن والوحدة الفنية. هذة المرحلة هي آخر مرحلة تربطنا بالواقعية الملموسة.
هذة المرحلة هي أول مرحلة في الواقعية التجريدية “المفاهيمية” حيث يبدأ الفنان في ممارسة عملية “الإختزال الشكلي” و “والإختزال اللوني -إن جاز التعبير – بمعنى أن يجردالخطوط المتبقية إلى أبسط مايكون وكذك الألوان والفراغ.
يحاول الفنان في هذة المرحلة التركيز على مفهوم “التوازن البصري” Visual Balance بتوظيف العناصر الفنية الثلاثة السابقة الذكر مع الإستمرار في عملية الإختزال حتى يصل إلى مرحلة الرضى الشخصي قائلاً في نفسة “ليس بالإمكان أحسن مما كان”.
وبهذا يصبح الثور مجرداًً!
أرجو أن قد إستمتعتم بهذة الرحلة التجريدية
ودمتم متأملين
المصدر:
tshkeel.com/vb/showthread.php?t=1889