The Eye of Horus – Wadjet or Ujat
في البدء كانت الكلمة
و الكلمة القديمة رسم على جدار كهف و كف ترجم ما رأته العين. في البدء كانت العين و النظر و البصر و تتبعهم البصيرة. ومن خلال العين تدخل الصورة و الكلمة فيتكون فكر. و عين حورس المقدسة تجريد للعين الثالثة وهي غدة تقع في وسط الدماغ البشري تسمى الغدة الصنوبرية. ويشار في كثير من الأحيان إلى هذه الغدة باسم “مقر الروح”، وسوف تظل نائمة حتى يصل الروح معينة على مستوى الذبذبات / الروحية وربما كذلك تعبر عن ” العين التي ترى كل شيء” و ربما هي المرسومة على الدولار الأمريكي اليوم. في البدء كان السمع و البصر. و ترجمة لرسم تحول لحرف ثم كلمة ثم علم و فن يظللهما فكر.
كيف نبدأ؟ لا بل كيف نبدأ من جديد؟ و هل تختلف البدايات في الكون. البداية الأولى هي نواة كل بداية. صنع المصريون هوية منذ آلاف السنين و صنع الأشوريون و الأكد و الفينيقون و الصينيون و اليابانيون هوية فردية تحولت مع الزمن لحضارات و اليوم تترجم لتقدم و ازدهار. لا أسرف في الحلم حين أقول أن البدايات نسخت و نجحت في بقية العالم. و تخلف عن هؤلاء من نسى كيف بدأ الأولون…أو تناسى أو انسلخ عن تاريخه.
الهوية المصرية لم و لن تضيع، الهوية المصرية في مكان و أهلوها في مكان أخر. يخطئ من يعتقد أن العودة بكتب التاريخ و قراءتها بل و حفظها حتى قد يساعد في عودة أهل الهوية لأرضها الخصبة. نحن الآن في أقصى النهايات و أكثرها وحشة و غربة. فهل هذه أول مرة ؟ كل عصر ذهبي من عصور مصر القديمة أو أي بلد أخر ينتهي بعصر اضمحلال طويل يمتد دهرا. ثم تنبت الوردة من الصخرة و تفرز القاذورات و القبح شيئا مختلفا يعود بالمنحنى لأعلى. إن العودة للبداية الأولى عودة حتمية في تاريخ الشعوب.
لا أتحدث عن الرفاهية حين أقول أن العين تحتاج لتعلم البصر أولا. تحتاج أن تنظر بعناية لما يستحق النظر في مكان أخر حتى تدرك هول ما استحسنته على مدار الزمن و كم هو قصي عن مقاييس الجمال الطبيعي و الفطري و الذي يعود إليه كل العالم الآن بعد ادراكه هول ما دمره في ذاكرة البشرية.
إن المصري القديم عندما بدأ في البناء بالحجر لم يجد أجمل من كوخه القديم المزين بأعواد البردي و اللوتس و جريد النخيل تغطي سقفه كي يبنى المعابد و البيوت على هيئته الأولى. و العمارة البيئية الحديثة و غير الحديثة لا تأخذ سوى من جمال الطبيعة لتصنع جمالا أخاذا. كل ما هو حديث قديم في داخله. و لنا في فن الثورة الفرنسية أسوة حسنة. لا أحتاج للاسهاب عما أدى لقيام الثورة الفرنسية أو عن حالة أوروبا وقت قيامها أو عن عدد الثورات التي تلتها حتى تصل فرنسا لما هي عليه الآن كي ننظر لها في حسرة على بلدنا. ولكن علينا أن نعي ما صاحبها من علم وفكر وأدب وفن. أنشأ جاك لويس دافيد مدرسة فنية تعتمد الكلاسيكية الرومانية في معايير الجمال الفني. لم يكن هناك حل سوى العودة للجذور و غرسها من جديد في أرواح الشعوب. ثم اتخذها نابليون دعاية لغزواته حول العالم. فانبرى الفنانون في رسم حروبه…بعد أن أمضوا وقتا ليس قصيرا في تصوير الأساطير الرومانية و الحروب و خلافه. و من هذه المدرسة للمدرسة الرومانسية و ما تلاها صاحب كل ذلك علما و فكرا أدى للثورة الصناعية. فإن كان الفن مرآة الشعوب أي يتأثر بها و يؤثر فيها في العصر الحديث. فلقد كان الفن ترجمة لكل ذلك في العصور القديمة. الصورة التشكيلية هي التي شكلت الحرف المرسوم فكونت لغة ثم اللغة عبرت عن الفكر و العلم و دونته.
لا يمكن أن تصح البداية بالاستنساخ بل بالإضافة لما نحتاجه و يعبر عنا و حذف ما لا يمت لنا بصلة. والآن …كل شيء لا يمت لنا بصلة. لأن نبعه خارجنا و خارج أرضنا و خارج طبيعتنا. الفكر و الملبس و المأكل و من ثم الغناء و الأدب و لا يستمر إلا ما نفعله من آلاف السنين …كطبق الفول بكل بساطة. كرسم النوبي على جدران البيوت. هل يمكن أن نغفل أن تطور الفنون و العلوم بدأ من قلب أرض الحضارات بعد حذف ما ينم عنا ؟ فالأصل صالح لكل مكان و زمان. وما يصلح لكل مكان و زمان هي القوانين الأولى …قوانين البدايات التي تكررت مئات المرات في كل العالم.
عندما نقول أنها تحولت لغابة أي صرنا حيوانات جميعا، وهذه مرحلة من مراحل البشرية تلتها بداية ما نحتاج للعودة إليها بعد أن وصلنا للخسران المبين. الطفل يرى و يسمع قبل أن يتكلم. و نحن نحتاج لتعلم جماليات الرؤية من جديد حتى تتحرر أعيننا من القبح و تصفى فتصفى الأذهان و تفكر في مخرج بمقاييس التاريخ البصري الذي نملك وننفصل عنه بكل تجاهل.
بقلم: لبني عبدالله