تعتبر ذاكرة الطفولة هي إحدى المناطق المهمة التي ينطلق منها الفنان التشكيلي في إنجازاته وإبداعاته الفنية ، لان الصور الأولى التي تتشكل في هذه الذاكرة بدهشتها ومتعتها تبقى محفورة بكل تفاصيلها ومن السهل عليه استرجاعها ، أيضا يعمل الفنان كمترجم أو ناقل جيد لما يحيط ويحدث من حوله في الواقع اليومي المعاش.فهو مرآة تعكس بكل
أمانة حالة مجتمعه بأفراحه وأحزانه أماله .
خالد الصديق فنان مشبع بالألوان يمتلك قدرة عالية في الرسم الواقعي ومنجزه الفني هو الأكثر حضورا منذ عدة سنوات في العديد من المعارض والمهرجانات المحلية والدولية ومن هذه المشاركات مهرجان المحرس بتونس وبينالي نابولي بإيطاليا ومعرض فردي بتركيا ومعارض ومشاركات محلية أخرى منها معرض بدار الفقيه حسن بطرابلس وغيرها …..
يلتقط مواضيع لوحاته من الذاكرة الشعبية ومن الأسواق والحياة اليومية في مدينة بنغازي ومصراته وطرابلس ومشاهد الطفولة وسهول ووديان وحقول الجبل الأخضر الممتلئ باللوحات البديعة .
تمكن من تقنيات وأدوات الرسم الزيتي بالمنظور الأكاديمي لفن الرسم ونفذ بها أعمال كثيرة مثل رسم البيوت والوجوه والطيور والبحر والقوارب والزهور بكل أشكالها واختلاف ألوانها وتعددها ، فكانت لوحاته برائحة الماضي رغم انه احتفظ بشراهة كل التفاصيل الدقيقة المكونة للحياة المعاصرة في عمله الفني .
ركز واهتم بظاهر السطح الذي كان يشد عين المتفرج ويغوص معه إلى داخل العمل الفني (اللوحة) لما فيها من إتقان للشكل ومهارة في التنفيذ وانعكاسات الضلال على السطوح والسطوع والإحساس العالي برسم المعدن والزجاج والفخار وانعكاساتها وتداخلات الضوء ودرجات اللون على الأشياء المرسومة مثل المفارش والسجاد والأدوات المنزلية والكراسي والأثاث وغيرها…….
في البدايات لم تتضح ملامح فنه أو أسلوبه في الرسم كما يحدث غالبا لكل فنان يبحث عن نفسه ، فكان يتنقل بكل تردد من مدرسة فنية إلى أخرى ومن أسلوب إلى آخر ،بأجواء لونية مختلفة ومتناقضة في اغلب الأعمال مما يثبت عدم استقرار الفنان على حالة معينة أو نص تشكيلي واحد، توقف عند الواقعية والتأثيرية والتكعيبية وغيرها من المدارس والأساليب الفنية المتعارف عليها في فن الرسم حتى فترة قريبة عندما ارتهن الألوان المائية لتكون الأداة الأمثل للتعبير عن ما يعتمل في داخله من أحاسيس ومشاعر ، أصبحت الحالة النفسية هي التي تحدد اختيار الألوان والأشكال في العمل الفني عنده ، فتأخذ ثنائية الأرض والسماء والطبيعة بكل أشكالها متأثرا بذلك بالفنان علي العباني في أسلوبه وطريقته في العمل ، إضافة إلى استعمال الزهور والورود في إعمال أخرى ناجحة.
باستخدامه الجيد والمتقن وحساسيته العالية بالألوان المختارة واستغلال ما تنتجه طريقة الشغل بالاكوريل في انتشارها المائية وتداخلاتها العشوائية ، فقد أنتج مجموعة مميزة من الأعمال لفضاءات الطبيعة القائمة على صراع النور والعتمة وأنسجة الضوء المتسلل في الخط الفاصل بين السماء والأرض المنبعث من الشمس الساطعة على الجبال لتصبح لوحاته مستقر للألوان المتوهجة المنبعث من باطنها نور شفاف بأطيافه المتعددة، فكانت أعماله أكثر اتساما بالشاعرية .
من هنا أيضا كان الفنان يراعي التطور الذي أصاب فن الرسم في العصر الحديث وكان يراعي تطور عين المتفرج الجيد ، فكانت أعماله رغم وضوح ملامح أشكالها وعدم اهتمامه بالتفاصيل الدقيقة وعدم تحديد هذه الأشكال بخطوط صارمة كما كان يفعل في الماضي يقترب من منطقة التجريد التي هي بداية جديدة لمرحله قادمة أكثر خصوبة ومغامرة .
الفنان خالد الصديق يعيش وينتج الفن بكل أحاسيسه وقيمه ، فهو فنان ملتزم في حياته وفنه، لا يحتضن شخصية الفنان في حياته كما يفعل الكثير من الفنانين اليوم ، فهو يبتعد عن الاستعراض والإبهار في العمل الفني وفي طريقة حياته ، فثمة شئ في داخله يرنو إلى البساطة والوضوح لهذا السبب جاءت أعماله قريبة من الجمهور بكل اختلافاتهم وثقافاتهم ورؤاهم المتعددة .
.