بقلم د.سامي جركس
بما أن الفن تعدد الاشكال من الادراك فانه يبدو أن بعض أشكال الرسم و أنواعه كحقائق فنية معبرة تأتي أكبر من عمل بعض الآخر ، تبدو واضحة و جلية لدى الشخص الموهوب ، القادر على الابداع ، و يكون أصلا الرسم عنده محاكاة الواقع و ليس بحاجة لمن يعلمه التخطيط أو الرسم أو الانتساب الى معارف علمية ، فقط حاجاته متوقفة لنصيحة فنان متمرس.
فالفنان في مختلف حياة الفنون التشكيلية عليه أن يبتكر و يتخذ خطا أوشكلا لضبط مناخه الفني، و لضبط أدواته و معطياته ، و من يريد كشف كل آثار غامض فليس للوسيط الفني نتيجة ، فالوسيط الفني ( الأدوات ) هو شيء يعمل به و لا يهتم به . و بالرغم من ذلك و على سبيل الافتراض فالشخص الذي يملك قليلا أو أكثر يحتاج مع غيره ليمتلك المزيد .
و لكي نرسم خطا يجب أن نتحرك معه و لكي نمثل خطا يجب أن نحث به و من ثم ننقلها للآخرين، نوعية من الاحساس و الشعور مخبأ ، لا يدرك بالدقة أو بالجهد و لكن بواسطة الفنان المرهف الحس . ان المداخيل الأكاديمية ( الأساليب ) تعطي عملا فيه دقة ، ولكن بدون احساس ، و عليه فالموهبة شيء ما يولد مع الانسان بالفطرة كالذكاء ينمو و يتطور . فالفطرة و الفكر توأمان للعقل ، و الفطرة مرتبطة بالحياة و مشتقة عنها ، سواء أكانت منطوقة أم مرسومة ، فهي مادة للتعبير وسيطها الفكر و بدونها معناه انسان بدون فكر ، فالفكرة تتكون في رؤوسنا بكلمات أو بعبارة أدق بأشباح كلمات و بها يعبر الانسان عن آرائه العقلية و مشاعره العاطفية . وقد توصل الانسان الى الفطرة على مقياس من تفكيره و حوائجه بفعل الحاجة ليخضع ما حوله من أجل معاشه ، وفي تمتين الصلات بينه و بين مجتمعه الفردي الخاص والمجتمع العام و المجتمعات الاخرى ، و كون الفطرة تختلف باختلاف عقلية الاشخاص و نوعية وعيهم العقلي و الوجداني في ضوء النواحي النفسية ، لذا تتداخل هذه المواصفات تداخلا زمنيا باختلاف الشعوب و الافراد ، وتنوع التراث الثقافي الذي يكتسبه المرء من المجتمع ، له عاداته و تقاليده ، واتجاهاته ، و تياراته الفكرية و السياسية ، والاجتماعية ، فان التطور الحضاري الحديث و التقدم الضخم في “التكنولوجيا ” ( برامج الكومبيوتر، التلفاز و الأنترنيت و وسائل الاعلام والاعلان ) قد أعطت للفطرة نظاما للنمو غير الطبيعي اذا ما قورنت بالفترات الزمنية السالفة ، بالتطور الحضاري ، واحداث تأثيرات تختلف باختلااف الظروف و البيئات ، و درجات التقدم و الاتصال ، على أن هذه الملاحظات لا تتقل من أهمية التعرف على مراحل النمو الفطري عند الانسان و خصائصها المختلفة ، و كمؤشرات على قدر كبير من الفائدة في مجالات الرسم التصويري ، و الغرافيكي ، ويمكن الايجاز على الشكل التالي :
– مرحلة الخيال الايهامي : وقد تسمى مرحلة الواقعية و الخيال المحدود بالبيئة و يطلق عليه خيال التوهم بالفطرة ، ويتصل اتصالا مباشرا بالتفكير على صعيدين :
· التفكير الحـسي : أي التفكير المتعلق بالأشياء المحسوسة و الملموسة .
· التفكير الصوري : أي التفكير الذي يستعين بالصور المرئية المختلفة .
و من هذا المنطلق يمكننا أن نقسم مراحل الفطرة الفنية كنوع من أنواع التعبير المتمثلة بالفنون التشكيلية ، من رسم و موسيقى و غناء و رقص و كلام و غيره الخ . و تكون على قدر من الأهمية عندما نحاول أن نقسم الفطرة كالمراحل التالية :
· مرحلة الفطرة الفنية باللاوعي .
· مرحلة الفطرة الفنية المبكرة .
· مرحلة الفطرة الفنية المتقدمة .
· مرحلة الفطرة الفنية الناضجة .
هذه المراحل متداخلة و تختلف باختلاف البيئة المحيطة ( طبيعة الارض و نوعية المناخ ) من جهة و من التقاليد و العادات للمجتمعات و درجة تقدمها مقرونة بالتمرس و التمرين و التكرار لحين ظهور ” الموهبة الفنية ” و تدعى بعدها ” الموهبة بالفطرة ” كلا بحسب النضوج للمراحل المذكورة ، و يصح بعدها أن يكون المرء رساما موهوبا بالفطرة ويكون نتاجه الفني خاصا ، متميزا بقواعد على اسس فردية ، وخبرته ذاتية أساسها الاحساس بالأشياء يصورها كما يراها ، لا كما هو متفق عليها بنظريات قواعد اصول الرسم ، و التقدم العلمي للفنون ، و ما تمتاز به من قواعد بصرية لرسم الاشكال ، و النماذج الحية و الصامتة ، و عندما يحاط الفنان الموهوب بالفطرة ، بالعلوم و التقنيات و النظريات و الاساليب الفنية ، و معاصرته للحياة التشكيلية عبر مدارسها الفنية العديدة ، يمتلك حينها جزءا من الاحتراف و امتلاك القدرات على ترجمة موهبته الفطرية الفنية ، و ترويضها بمكنونات القيم الجمالية ، و تظهر في أعماله الروائع ، نتيجة اللذة الجمالية عندما تتناغم قدرة التخيل مع قدرة العلم الخاضعة للقدرة في اظهار تكوين الصور بشكل لوحات فنية ابداعية من حيث الشكل و اللون و التأليف للكتل و الأحجام و الأبعاد . ومع الخبرة المتكررة يصبح فنانا متمرسا ممتلكا اسلوبه الخاص بنضوج واع للمحسوسات و الجمال التأملي ، و هو مظهر الحدس المباشر و تسمى ” الخبرة الجمالية ” ، و تتحول الى نظريات جمالية في الأكاديميات و نظم مذاهبها الفنية ، و ممكن أن يزيد عليها و يتخطاها و يصبح غير محصور في هذه الاطر . و الفن العظيم هو الذي يؤكد تكامل الانسان من خلال أعماله بفضل تحرر الوعي ، و يصبح العلم فنا فيصوغ الفن كل الواقع و تمحى تدريجيا الخصومة بين العقل و التخيل .