د. سامي يوسف جركس
أصبحت الفنون الغرافيكية في هذا العصر جزءا لا يتجزأ من حياة الناس ، و ضرورة من ضروريات الحياة العامة في مجتمعاتنا ، وكلما ازدادت هذه المجتمعات اتساعا ، ازدادت معها أهمية الاعلان و الاعلام ، نظرا للوسائل التقنية الجديدة و سرعة اتصال الانسان بما حوله ، و الاطلاع على أخبار العالم و ما يجري فيه ، كوننا لا يمكننا أن نعيش خارج اطار الزمن ، أو نكون منفصلين عن المجتمعات الاخرى . و كونها مرتبطة بالاعلام و الاعلان بشكله الراهن و بالفنون الطباعية بشكل خاص، و تمثل ظاهرة من ظواهر القرن العشرين ، كما أنها تعد منذ امد ليس ببعيد مادة دراسية أكاديمية في الجامعات و المعاهد المهنية و التقنية في الخارج ، لها منهجها الخاص المتخصص بالنواحي المعرفية ، كثقافة العلوم النظرية و أسس و مبادىء القواعد البصرية في التصميم ، و العلوم التطبيقية ، والتقنية ، فضلا عن علم التجهيزات الطباعية في الحقول الميدانية لعالم الطباعة وتاريخه . أخيرا و في مطلع القرن الواحد و العشرين توفر هذا التخصص في جامعتنا اللبنانية الموقرة في معهد الفنون الجميلة بفروعه الاربعة ، و ان بدا حديثا ، فان جذوره ضاربة في أعماق التاريخ و الماضي البعيد ، و كان لكل زمان و لكل مكان اعلام و اعلان يختص به ، و أساليب اعلامية و اعلانية و طباعية توافق ظروفه و قدراته و ثقافته و وظائفه و أغراضه ، و تتماشى مع غايته و أهدافه ، و ان اختلفت أساليب ووظائف الاعلام و الاعلان و التجهيزات الطباعية في العصر الحديث .
الطباعة الغرافيكية ، كما يعرفها قاموس ” ويبستر ” : هي علامة ما ، لأنطباع معين ، خط أو حرف أو دمغة أو شكل أو فجوة ، تحدث بواسطة ضغط جسم على اّخر . و فن طباعة الغرافيك هو أحد ألأعمال الفنية التي تحدث بطريقة الطبع على سطوح الورق ، أو اللفائف ، بواسطة كتلة أو صفيحة أو مادة شكلها الفنان نفسه وأبدعها ، و الفن الغرافيكي كتوظيف ، يندرج بشكله الكلي و العام في الحياة التشكيلية الخاصة بالفنون الطباعية ، و يعد من احدى وسائل تجهيزاته ، كظاهرة للقواعد البصرية المرئية ، و المحسوسة بالنظر . و اطلق فن الغرافيك على جميع أنواع المطبوعات .
المعنى اللغوي للطباعة الغرافيكية : صاغه صورة في صورة ما ، و يقال ” طبع الله الخلق أي “أنشأهم ” ، و طبعت الدولة النقد أي صاغته و نقشته .
و سيكولولجيا الطباعة الغرافيكية : هي مجموعة مظاهر للسلوك ، ومشاعر مكتسبة تميز فردا عن اّخر .
ان كلمة “غرافيك” لاتينية ، و في الاصل ” غرافوس”، و تعني الخط المكتوب ،أو المنسوخ، أو المرسوم . و استعان الاوروبيون بهذا اللفظ ثم ما لبث ان أصبح مصطلحا عالميا ، يعنى بـ “فن الحفر” . أما في الوطن العربي و على صعيد اللغة العربية الفصحة فقد أقر مجمع اللغة العربية بتسميته بـ ” فن النقش ” ، و اعتبر فنا وافدا دخيلا و حديثا ، يعنى بفنون المحفورات الطباعية ، حسب أنواع التجهيزات المختلفة لعالم الطباعة ، و اطلق عليه فيما بعد “بالفنون الغرافيكية” . و هناك قيم جمالية فنية نراها في اللوحة المحفورة و المطبوعة ، لا نجدها في الأعمال الفنية الأخرى ، كون الفنان “كحفار” يستطيع أن يحقق الملامس المتعددة التي تعطي تأثيرات مختلفة ، و ذلك عن طريق استعمال الأحماض ، و أدوات الحفر المتعددة الأشكال ، و عن طريق الأعماق والبروزات المتباينة التي تساعده في التعبير ، كما أن لعوامل الصدفة التي يلحظها الفنان الطباعي أثناء التنفيذ للمحفورات الطباعية ، قيما جمالية لا تتأتى من الفنون الأخرى .
الطباعة الفنية الغرافيكية هي في الواقع ذات مجالين .. مجال اللوحات الحفرية بالتجهيزات اليدوية النادرة ، المعروضة بتقنياتها المتعددة ، و المتعارف عليها كأعمال فنية أصيلة النظم لأصول القواعد للفن الطباعي الغرافيكي ، في ميادين الحياة التشكيلية الفنية . و مجال الاعلان الطباعي الغرافيكي الفني و الاعلامي ، من تصاميم الملصقات و البطاقات و المنشورات و أغلفة الكتب و الجرائد و المجلات و اخراجها ، كهندسة صحفية تحت تسمية ” مطبوعات “، و مصدرهما واحد هو لوحة الخط المكتوب و لوحة الصورة و منشأهما واحد هو السطح الذي يحمل الشكل صورة أو حرفا ، و السطح الذي يطبع عليه هذا الشكل مؤلفا لوحة مستقلة أوصفحة من كتاب او منشورة .
فالطباعة قسمان :
– تجاري منوع ، واسع الانتشار .
– غرافيكي فني ، يقل و يقل ، حتى يصبح تحفة نادرة أحيانا .
و قد ادى دخول التجهيزات الآلية ، الى جانب الادوات اليدوية ، في الاعداد الطباعي الى التطور الحاسم في فن الطباعة ، سواء من حيث زيادة تنوع تقنياته أو من حيث جماليتها أو من حيث انتشارها . و كان للتصوير الفوتوغرافي تفرعات تناولت الطباعة الفنية ، و أدى التطور التكنولوجي في صناعة المطابع الى استحداث وسائل من الطباعة مقصورة للصحف و الكتب أخص بها الطباعة ” بالروتوغرافير” ثم الطباعة ” بالاوفست ” ولا يظنن أن تدخل التجهيزات الآلية الحديثة أدى الى انقاض دور الموهبة و الابداع الشخصي و الممارسة اليدوية في الاعداد الطباعي . فالواقع أن تطور الاداة أو الآلة في الاعداد التقني الفني يتطلب مهارة و دراية يدوية مستحدثة و ثقافة نوعية جديدة ولا بد للمهارة سواء في الاعداد الطباعي ، أو في أي نتاج فني من موهبة و ابداع و ثقافة .
و من المهم لفت النظر الى أنه لا بد للمصمم الغرافيكي أن يكون على دراية بالرسم ، يحتضن مفاهيم الفن التشكيلي ، و مفهوم تأليف اللوحة مع خصائصها الاكاديمية ، و مصمما بالأساليب الفنية ، و على علم بمدارس الاخراج الفني ، و أنماطها الحسابية و الحروفية ، ليكون حيزا لفهم نطاق الصورة بواقعية مدروسة ، و الصفحات المخرجة بهندسة جميلة و موزونة ، تترجم نفسها بخبرات عملية و يصبح الاحساس بالفن هو الاحساس على صعيد انشاء التصاميم بمقوماتها الغرافيكية . و هذا ما يميز عمل الفنان في التصميم عن المهنة لدى الطباعي كونه أداة ميكانيكية ، قد يكون لها حس ، لكن تفتقد الى الجمال ، و الجمال بمفهوم الفنان ليس دائما واحد ، بل يتفاعل مع تفاعله الحسي و نظرته للواقع أو حتى اللاموضوعي يبتكر أسلوبا جميلا مفعما بالعطاء على أسس احساسه بكونه فنان ، و ميزته تخوله دمج الرسم و التصميم والكتابة و الاخراج الفني بكل ما في الكلمة من معاني . وتعد جوهر الفنون كون الفنان يمكنه أن يكوّن و يبني عدة تشكيلات ، فالمزخرف و المصور و الرسام و المصمم كلهم يرسمون سواء أكانت أعمالهم حالات بسيطة أو جاءت معبرة بشكل تام عن مناخاتهم الفنية ، و بما أن الفن تعدد الاشكال من الادراك فانه يبدو أن بعض أشكال الرسم و أنواعه كحقائق فنية معبرة تأتي أكبر من عمل بعض الآخر ، تبدو واضحة و جلية لدى الشخص الموهوب ، القادر على الابداع ، و يكون أصلا الرسم عنده محاكاة الواقع و ليس بحاجة لمن يعلمه التخطيط أو الرسم أو الانتساب الى معارف علمية ، فقط حاجاته متوقفة لنصيحة فنان متمرس .
فالفنان في مختلف حياة الفنون التشكيلية عليه أن يبتكر و يتخذ خطا أوشكلا لضبط مناخه الفني، و لضبط أدواته و معطياته ، و من يريد كشف كل آثار غامض فليس للوسيط الفني نتيجة ، فالوسيط الفني ( الأدوات ) هو شيء يعمل به و لا يهتم به . و بالرغم من ذلك و على سبيل الافتراض فالشخص الذي يملك قليلا أو أكثر يحتاج مع غيره ليمتلك المزيد .
و لكي نرسم خطا يجب أن نتحرك معه و لكي نمثل خطا يجب أن نحث به و من ثم ننقلها للآخرين، نوعية من الاحساس و الشعور مخبأ ، لا يدرك بالدقة أو بالجهد و لكن بواسطة الفنان المرهف الحس . ان المداخيل الأكاديمية ( الأساليب ) تعطي عملا فيه دقة ، ولكن بدون احساس ، و عليه فالموهبة شيء ما يولد مع الانسان بالفطرة كالذكاء ينمو و يتطور . فالفطرة و الفكر توأمان للعقل ، و الفطرة مرتبطة بالحياة و مشتقة عنها ، سواء أكانت منطوقة أم مرسومة ، فهي مادة للتعبير وسيطها الفكر و بدونها معناه انسان بدون فكر ، فالفكرة تتكون في رؤوسنا بكلمات أو بعبارة أدق بأشباح كلمات و بها يعبر الانسان عن آرائه العقلية و مشاعره العاطفية . وقد توصل الانسان الى الفطرة على مقياس من تفكيره و حوائجه بفعل الحاجة ليخضع ما حوله من أجل معاشه ، وفي تمتين الصلات بينه و بين مجتمعه الفردي الخاص والمجتمع العام و المجتمعات الاخرى ، و كون الفطرة تختلف باختلاف عقلية الاشخاص و نوعية وعيهم العقلي و الوجداني في ضوء النواحي النفسية ، لذا تتداخل هذه المواصفات تداخلا زمنيا باختلاف الشعوب و الافراد ، وتنوع التراث الثقافي الذي يكتسبه المرء من المجتمع ، له عاداته و تقاليده ، واتجاهاته ، و تياراته الفكرية و السياسية ، والاجتماعية ، فان التطور الحضاري الحديث و التقدم الضخم في “التكنولوجيا ” ( برامج الكومبيوتر، التلفاز و الأنترنيت و وسائل الاعلام والاعلان ) قد أعطت للفطرة نظاما للنمو غير الطبيعي اذا ما قورنت بالفترات الزمنية السالفة ، بالتطور الحضاري ، واحداث تأثيرات تختلف باختلااف الظروف و البيئات ، و درجات التقدم و الاتصال ، على أن هذه الملاحظات لا تتقل من أهمية التعرف على مراحل النمو الفطري عند الانسان و خصائصها المختلفة ، و كمؤشرات على قدر كبير من الفائدة في مجالات الرسم التصويري ، و الغرافيكي ، ويمكن الايجاز على الشكل التالي :
– مرحلة الخيال الايهامي : وقد تسمى مرحلة الواقعية و الخيال المحدود بالبيئة و يطلق عليه خيال التوهم بالفطرة ، ويتصل اتصالا مباشرا بالتفكير على صعيدين :
· التفكير الحـسي : أي التفكير المتعلق بالأشياء المحسوسة و الملموسة .
· التفكير الصوري : أي التفكير الذي يستعين بالصور المرئية المختلفة .
و من هذا المنطلق يمكننا أن نقسم مراحل الفطرة الفنية كنوع من أنواع التعبير المتمثلة بالفنون التشكيلية ، من رسم و موسيقى و غناء و رقص و كلام و غيره الخ . و تكون على قدر من الأهمية عندما نحاول أن نقسم الفطرة كالمراحل التالية :
· مرحلة الفطرة الفنية باللاوعي .
· مرحلة الفطرة الفنية المبكرة .
· مرحلة الفطرة الفنية المتقدمة .
· مرحلة الفطرة الفنية الناضجة .
هذه المراحل متداخلة و تختلف باختلاف البيئة المحيطة ( طبيعة الارض و نوعية المناخ ) من جهة و من التقاليد و العادات للمجتمعات و درجة تقدمها مقرونة بالتمرس و التمرين و التكرار لحين ظهور ” الموهبة الفنية ” و تدعى بعدها ” الموهبة بالفطرة ” كلا بحسب النضوج للمراحل المذكورة ، و يصح بعدها أن يكون المرء رساما موهوبا بالفطرة ويكون نتاجه الفني خاصا ، متميزا بقواعد على اسس فردية ، وخبرته ذاتية أساسها الاحساس بالأشياء يصورها كما يراها ، لا كما هو متفق عليها بنظريات قواعد اصول الرسم ، و التقدم العلمي للفنون ، و ما تمتاز به من قواعد بصرية لرسم الاشكال ، و النماذج الحية و الصامتة ، و عندما يحاط الفنان الموهوب بالفطرة ، بالعلوم و التقنيات و النظريات و الاساليب الفنية ، و معاصرته للحياة التشكيلية عبر مدارسها الفنية العديدة ، يمتلك حينها جزءا من الاحتراف و امتلاك القدرات على ترجمة موهبته الفطرية الفنية ، و ترويضها بمكنونات القيم الجمالية ، و تظهر في أعماله الروائع ، نتيجة اللذة الجمالية عندما تتناغم قدرة التخيل مع قدرة العلم الخاضعة للقدرة في اظهار تكوين الصور بشكل لوحات فنية ابداعية من حيث الشكل و اللون و التأليف للكتل و الأحجام و الأبعاد . ومع الخبرة المتكررة يصبح فنانا متمرسا ممتلكا اسلوبه الخاص بنضوج واع للمحسوسات و الجمال التأملي ، و هو مظهر الحدس المباشر و تسمى ” الخبرة الجمالية ” ، و تتحول الى نظريات جمالية في الأكاديميات و نظم مذاهبها الفنية ، و ممكن أن يزيد عليها و يتخطاها و يصبح غير محصور في هذه الاطر . و الفن العظيم هو الذي يؤكد تكامل الانسان من خلال أعماله بفضل تحرر الوعي ، و يصبح العلم فنا فيصوغ الفن كل الواقع و تمحى تدريجيا الخصومة بين العقل و التخيل .
تاريخ نشأة الفنون الغرافيكية
تاريخ الفنون الغرافيكية تخضع لتعاليم منظمة ، ولقواعد و تحولات و مناخات متنوعة ، تكمن بفهم القواعد الجمالية لمظاهر الفن و معرفة للعصور المتتالية و المتوالية . ففي الابداع الغرافيكي ، هذه التعاليم المنظمة تسهل تذوق الانتاج الفني و تعلمنا كيف نفهم و نتذوق و نبني أحكامنا بالتفتيش و الاختبار، والانتقاء ، ولها دور اساسي في الحياة التشكيلية عامة ، و مهمتها ان تقودنا من مكان ، وزمان معين لكي نفسر و ندرس الانجازات الجمالية الفنية في كافة أنحاء البلدان لمختلف ميادين الفنون، فان تذوق الفن و الشغف بالابداع الفني يعتبر من أهم العناصر الاساسية للحضارة العالمية منذ النصف الثاني للقرن العشرين ، فهو يغني المخيلة و يكسب النفس الراحة و السعادة ، و العلوم النظرية و التطبيقية ، اذ يعتبر أداة تعبير للشعوب مهما اختلفت أذواقها و سياستها و لغاتها و ديانتها، فهو يعد نقطة التقاء للشعوب المتباعدة .
فالنجرب ان نجعل من تاريخ الفنون الغرافيكية الطباعية أداة دائمة التقارب بين الشعوب عبر الاحقاب الزمنية و العصور المختلفة ، لنلاقي التلامس الفني عبر القارات ، و على هذا يمكننا أن نتناول العصور الزمنية و الاحقاب التي رافقت الانسان منذ نشوئه و ارتقائه و تطوره .
فالتاريخ كما يرى ” ادوارد كار” يتكون من مجموعة كاملة من الحقائق المؤكدة التي تكون متوافرة للمؤرخ من خلال الوثائق و النقوش و غيرها .. ويقوم المؤرخ بجمعها نظمها ويقدمها بالأسلوب الذي يروق له ، مقرونا بقول مأثور للصحافي ” سي . بي سكوت” C. P SCOTT ” : -(الحقائق مقدسة أما الرأي فهو حر ) .
فالعالم الاجتماعي يميل عادة الى التنبوء و يلتفت للحاضر و المستقبل ، في حين أن العالم الانساني لا يهتم بالحاضر و المستقبل فحسب بل يهتم بالماضي أيضا و يحرص على توجيه عنايه الى هذا الماضي و سبر أغواره .
فبما يختص بالعلوم المساعدة للتاريخ ، فالعلوم الاجتماعية احدها و كذلك العلوم الجغرافية ، و علم خصائص الشعوب ” الأتنولوجيا” (Ethnology) وعلم الانسان ” الانتروبولوجيا” ، و التأريخ حسب التسلسل التاريخي و سوى ذلك من العلوم يمكن أن تقدم مادة مساعدة للتاريخ بما فيه علوم الأثار “الاركولوجيا ” (Archaeology) ،و علم النقوش (Epigraphy) ، من العلوم المكملة و المساعدة للتاريخ . و التاريخ هو علم الوثائق ، فالوقائع كائنة في الوثائق (Documents) ، و متى ضاعت الوثائق ، ضاع التاريخ ، من هنا ندرك دراية و معرفة التواريخ و مقارنتها بتواريخ أخرى ، تمكننا من معرفة الحقيقة ، ولذلك كان ” سفيان الثوري ” يقول :- ( .. لما استعمل الرواة الكذب ، استعملنا لهم التاريخ ) . من كل هذا نستخلص أن الفنون الغرافيكية بمختلف أنواعها ظاهرة اجتماعية ، نشأت منذ أقدم العصور ، سواء كانت مجتمعات فجر التاريخ ، أم المجتمعات البدائية ، من العصر الجاهلي الى العصر الاسلامي فالعصور الوسيطية و الانتقالية وهكذا الى عصرنا الحديث و المعاصر .
تاريخ نشأة الكتابة و الرسم
تختلط نشأة الكتابة مع نشأة اللغة من ناحية ومع نشأة الرسم من ناحية أخرى ، يقول جرجي زيدان* في كتابه ” تاريخ اللغة العربية “حيث ذكر ( كيف نطق الانسان الاول ؟ و كيف نشأت اللغة ؟ و تولدت الالفاظ من حكاية الاصوات الخارجية كقصف الرعد و هبوب الريح و القطع و الكسر ، و حكاية التف و النفخ و الصفير و نحوها من المقاطع الطبيعية التي ينطق بها الانسان غريزيا كالتأوة و الزفير . و كيف تنوعت تللك الاصوات ؟ لفظا و معنى بالنحت و الابدال و القلب حتى صارت ألفاظا مستقلة و تكونت الافعال و الاسماء و الحروف و صارت اللغة على نحو ما هي عليه ، ان لغتنا مؤلفة أصلا من أصول قليلة اّحادية المقطع معظمها مأخوذ عن محاكاة الاصوات الخارجية و بعضها عن الاصوات الطبيعية التي ينطق بها الانسان غريزيا ).
و من اللغة الصوتيه من اجواء الارض و تكويناتها الجغرافية ، و تضاريسها التي ساهمت في جلب تردد التاثيرات الصوتية للرياح ، و الهواء ، و العواصف و خرير المياه و المد و الجزر في البحار و غيرها هي لغة الطبيعة بسمفونياتها اضافة الى أصوات الحيوانات العديدة و تقليدها تعتبر المعلم الاول للانسان منذ نشأتة ( وتقترن بنشأة الموسيقى ) ، و لغة الاشارة و هي ألوسيلة أليدوية لدعم اللغة الصوتية للتعبير عن حاجاته بالأتصال الشامل و الكلي و يعني ذلك استعمال كافة الوسائل الممكنة و المتاحة كتقنية الاتصال و التخاطب السمعية و اليدوية و الشفوية و الايماءات و الاشارات و حركات اليدين و الاصابع ( و تقترن بنشأة التمثيل الايمائي و الرقص التعبيري و نشأة أبجدية الاصابع عند الصم و بكم ) و تدعى ” السيمائية ” Semeiology or Semiology or Semiotics. ( كلمة يونانية تعني علم الاشارة و هي الآن تعني العلم العام للاشارات أي كل ما يصدر عن الانسان من اشارات للتواصل مع الآخرين و هو يشمل الكلمات و الايماءات و الشعارات و الموسيقى ، و اشارات المورس و الاشارات الدخانية، و قد طوره كعلم ، عالم اللغة الفرنسي ” سوسور” و روج له في القرن العشرين ” رونالد بارت” الناقد الفرنسي و أحد أعلام البنيوية ) . ومن تلك اللغات المتوفرة لديه حاول الانسان القديم ” كرو ماكنون ” Gro-Magnon كأول انسان متحضر عرفته ” اوروبا ” آتيا من أسيا و افريقيا منذ أكثر من 25 ألف عام التعبير عنها بلغة صورية في اظهار طرق متنوعة لتسجيل المعلومات ، فوجد جدران الكهوف ، و الصخور ، و السطوح الطرية من العظام و الحجر ، أفضل خامات لحقل لتجاربه ، من الرسم والحفر والخدش بمنقاش من حجر الصوان و من المواد البدائية الاخرى المتاحة له .و آحيانا أخرى جاءت أثاره ترجمة تعبيرية و رمزية أحيانا وواقعية بحسب فترة زمانه المعاشة و العصر الذي ينحدر منه . ومنذ التاريخ 000 . 30 أي 00. 19 للعصر الحجري القديم ، سجل و طبع الانسان باطن يديه على صخور أعالي ” نهر الغارون ” في فرنسا. و كان أول رسم هو اليد ، أي بغمس الكف على الحائط و يكون الانسان القديم أول من استخرج و وضع أول عملية طباعية بواسطة الكف سلبا و ايجابا . سلبا بوضع كفه الايسر على الجدران ، و طليها باللون . و ايجابي بغمس اليد و طبعها على الجدران مباشرة ، هذه أولى العمليات الطباعية منذ فجر التاريخ ، و بعدها تعداها الى رسم الحيوانات من المخيلة ، جاءت شبيهة الى حد قريب من الرسوم “الغرافية ” من حيث الشكل . لذا فان حاجات الانسان الشخصية ، و تأثير الحضارة قد أعطت أشكالا كثيرة من الرسم منذ أبتدأ الانسان بأول بعد فني ، واكتشف ذلك البعد سنة 1879 على جدران الكهوف في ” التاميرا ” في الشمال الغربي من اسبانيا ، منذ خمسين ألف سنة مضت فقد زينت مجموعة بشرية جدران و سقوف كهوف دون ان تدرك حقيقة كونهم فنانين ، فبكل بساطة تناولوا أول حجر أو خشبة وجدوها في متناول أيديهم و أحدثوا فيها فجوات أو محفورات ، بالأدوات الفطرية ، و رسموا على الجدران بالتلوين الذي استخرجوه من الحيوانات أو المواد العضوية ، أو من الأتربة ، رسوما كهفية عبارة عن قطيع من الثيران ذات تفاصيل دقيقة التشريح لمفاصل العضلات في وضع حركة ، تعود الى الفترة الباليوليتية 15000 – 10000 قبل الميلاد ، في “كهف الدوردون” في فرنسا.
مراحل تاريخ الفنون عامة قسمها العلماء الى ثلاث حقب :
· حقبة ألفنون ما قبل التاريخ : ( كان الانسان يستعمل الحجر ، و الخشب ، و عظام الحيوانات و الحاجات المحيطة بالطبيعة وفق متطلباته ).
· حقبة الفنون المدخل الى التاريخ : ( وجد الانسان المعدن Neolithique و قربه من حقبة التاريخ تاركا أثارا له من رسومات على جدران المغاور و نحت تصوير الحيوانات على الحجر ، و الخشب ، و العظام )، و في بعض المغاور نلاحظ وجود نوع من الكتابات غير واضحة ، أقرب ما تكون الى رموز .
· حقبة الفنون التاريخية : ( ظهور الكتابات من الاحرف و الاشكال و ابتدأ بتدوين تراثه بالكتابات التصويرية ، و من ثم الهيروغلفية ، و المسمارية وقد كانت في البدء رمزية و فيما بعد تطورها الى الابجدية )، و أقدم تللك الاثار الكتابية تعود الى حوالي 37 قرن ق.م.
فمراحل نشأة الفنون التصويرية الكهفية التي تعود الى ما قبل التاريخ تتألف من ثلاث فئات: فنون تنتمي الى فئة “الباليولتيك” ، و قد مرت بثلاث مراحل ، قديمة ، و متوسطة ، و حديثة . و من بعدها فنون تنتمي الى فئة ” الميزوليتيك ” في اوروبا ، و تلاها فنون فئة ” النيوليتيك ” و التي امتدت الى ما قبل الميلاد بألف عام . و نشأت أنواع ضروب من الفنون نذكر منها ” الفن الأورنيياسي” البدائي الرمزي ، اكتشف أثاره في فرنسا (مغاور لاسكو) ، و الفن ” السولوتري” شرقي اوروبا في اسبانيا ، و “الفن المجدوليني” في فرنسا و اسبانيا ،(مغارة التاميرا في اسبانيا ). و نذكر أهم عالمي الأثار و هو “ادوارد لاتيه ” (1801-1871 ) الذي اكتشف مغارة “ماجدولين في منطقة “الدوردون” في فرنسا ، واطلق على هذا الفن “بالمجدوليني”و من بعده جاء العالم “الأب برويل” لتكملة عملية التنقيب والبحث .
فالرسوم موجودة منذ العهود القديمة ، وقد صنع الانسان ( كتب الصور ) التي هي الخطوات الاولى المتواضعة كلغة لفن التصوير ، و هكذا وجد فن التصوير من حوالي أربعين ألف سنة أو يزيد . و قد تطورت عبر العصور في مختلف انحاء و أرجاء المعمورة ، وجدت ( القصص المصورة ) و هي على الشكل القديم على قطع من الخشب ، و على لحاء شجر القضبان أو على جلود البقر الوحشي كدعامة للكتاب المصور ، سواء في حضارات الشرق الأدنى أو بلاد اليونان قديما و عند قبائل ” الازتك ” ، و في حضارات أكثر تطورا ، قصت الأساطير بالصور قبل أن تقص بالكلمات ، و تطورها من صورية الى تعبيرية و رمزية ادى مع السنين الغابرة الى تبسيط الشكل ، و المحتوى لتتكون و تتحول الى أنماط جديدة معلنة بنشأة اختراع الكتابة ، حيث قصت الأساطير بالصور و الكلمات معا . ولكن أين و متى و كيف انتقل الانسان من كتابة الأفكار الى كتابة الكلمات ؟ اننا نجهل ذلك و هنا تتميز الكتابة لأول مرة عن التصوير الفني ولكننا في الحقيقة لا نستطيع أن نحدد لهذا التحول الفاصل تاريخا أو مكانا معينا .
تاريخ الكتابة و نشأة الكتاب
و أقصد هنا بمدلوله الحديث أن الكتاب نشأ في العصور القديمة مع نشأة اللغة من ناحية ، و نشأة الفن التصويري من ناحية اخرى ، حيث كانت المشافهة هي الوسيلة الوحيدة لتوزيع الأفكار ، وسمي “بالكتاب الشفاهي” و بعد اختراع الكتابة بدأ الكتاب المدون منسوخا ، و يعد اختراع الكتابة أول عطاء حضاري في تاريخ البشرية ، كما نراه في مصر القديمة مع بدء التاريخ المصري أي قبل الميلاد، بأكثر من ثلاثة آلاف سنة ، ولم يهتد المصري الى نظام واحد للكتابة ، بل طور ما وصل اليه الى ثلاثة أنظمة هي : “الهيروغلفية” ، و “الديموطبقية” ، و “الهيراطبقية” ، غير أنها كانت تصويرية في أساسها . و جاءت الخطوة الثانية عندما اهتدى الانسان الفنيقي في لبنان و الكنعاني في فلسطين و السومري في العراق الى نظام الألف باء الذي يوفر الوقت ، و الجهد في التعليم ، و الممارسة ، ومن المعتقد أنهم أهدوها الى الاغريق الذين أهدوها الى أوروبا و العالم المتحضر .
فالأدوات التي استعملت في الكتابة عبر العصور تخضع الى عوامل عدة ، و كانت الضرورة تساعد في تطور هذه الادوات مثل تاريخ الاقلام التي استعملتها الشعوب المنصرمة وهي القلم ” الهيروغليفي ” و القلم “المسماري” و القلم ” الاسفيني ” و القلم ” الحثي ” و القلم ” الصيني ” . و استعمال مسطحات و ألواح صغيرة من الطين و الشمع ، و من المعتقد أن مؤثرا خارجيا قد يكون آسيويا جعل المصريين ينتقلون من الكتابة التركيبية ( كتابة الأفكار ) التي نجدها على أشياء أقدم من الكتابة “الهيروغليفية ” مثل ( لوحة تارمر ) .
وفي القرن الثالث قبل الميلاد استعملت طريقة جديدة في مصر و على الاوضح لجعل جلد الخروف و العجل أو العنزة أكثر صلاحية لاستقبال الكتابة و هذه الطريقة هي الكشط و التمرير في ماء الجير و التجفيف و الدعك بمسحوق الطباشير و التنعيم أخيرا بحجر الكدان . و من بعدها جاءت أوراق البردى التي خلفها الفراعنة القدماء وراءهم ، و التي تحتوي على معلومات و ارشادات هامة كانوا يدونونها على أوراق البردي ، و هي بمثابة الصحف في عصرنا هذا ، فظهرت عندهم جريدة ( القصر ) و هي الجريدة الهزلية التي تحدث عنها المؤرخ المعروف ” هيرودوت ” مما يروي التاريخ أن الفراعنة عرفوا ما يشبه الصحافة منذ سبعة و ثلاثين قرنا من الزمان .و أقدم نصوص محفوظة هي نصوص سومرية تعود الى منتصف الألف الألف الرابع قبل الميلاد. عرف الأشوريون و السومريون 2300 – 1200 قبل الميلاد والأختام الأسطوانية Les Cartouches Cylindriques الطباعية، و تعرف بالأختام المحفورة ، كأختام السومريين و كانت على شكل أسطوانات محفورة تدحرج على الصلصال الرخو لتكرار الطبع على الطين المشوي التي عثر عليها بوفرة دليلا على البراعة الفنية التي وصل اليها النقاش او الحفار ” الاكادي ” و ثم “الأشوري”. وقد وجد علماء الآثار في العراق نشرات ترجع الى سنة 180 قبل الميلاد ترشد الزراع الى كيفية بذر محاصيلهم و ريها و علاجها من الآفات .
و في العصر اليوناني الروماني ظهرت صناعة الكتابة ، فقد أنشئت مشاغل كثيرة ، كان عدد كبير من العبيد يقومون فيها بنسخ النصوص من جديد ، كان في آثينا ناشرون و محال للكتب منذ القرن الخامس قبل الميلاد . و تعرفنا على دمغات ألأختام اليونانية و الرومانية المصنوعة من الحجارة الملحية 350 – 250 سنة قبل الميلاد ، و استعملت في أيام الرومان ألواح صغيرة من الشمع سهلة الحمل للنصوص الاعلامية عوضا عن لفائف البابيروس و الغزارات التي كانت تستعمل في الاعمال الرسمية . و في روما كانت تصدر صحيفة ( الحوادث اليومية ) في أيام يوليوس قيصر ، والتي تحتوي على كثير من الأخبار المتنوعة ، و النشرات الحكومية ،و كانت تعلق في الميادين ليقرأها المواطنون . و تأسست في روما نقابة النساخ سنة 207 قبل الميلاد . و عرفت الرقابة على الكتب و قامت بمنع بعضها و بمصادرة أخرى أو تلفها بأمر من السلطات . و الشكل المادي للكتاب في عصوره الأولى له أشكال مختلفة و ان المعنى الأصلي للكلمة اللآتينية ” ليبر ” Liber للكلمة اليونانية Biblos واحد و هو الكتاب الخشبي أو اللحائي . و اول كتاب صنع من أوراق منفردة هو الكتاب الذي تطور في العهد الروماني أي لوحات الشمع التي كانت تجمع مع بعضها . و استخدم الرقائق ” الرق ” ( الجلد ) في القرن الثالث قبل الميلاد .مما أدى الى تطور أوسع في مجال أوراق الكتاب السهلة الحمل ، و في القرون الأولى للميلاد حدث تغير في دعامة الكتاب في الشرق و الغرب على السواء فقد ظل الرومان ينسخون على ” الرق ” الكتب المدرسية و القانونية و تغير مظهر الكتاب من منتصف القرن الثاني حتى القرن السادس بدءا بلفائف أوراق البردى المسطحة ، لذلك نسند شرف هذا الاكتشاف الى المصريين الذين كانوا أول من عرف معالجة نخاع البردى بقطعه لفائف متقابلة و بجمعه في صفائح مصفحة و مجففة و مصقولة ، و أصبح الكتاب منذ ذلك الوقت يصنع من أوراق منفردة من أوراق البلح أو القصب ومن الخشب و العاج و المعدن تجمع مع بعضها و تثقب و تجمع بواسطة شريط معدني .
و في الشرق الادنى تم اكتشاف جوهري بالنسبة لمستقبل الكتاب ألا و هو ” الورق ” في الصين. اخترع الورق المصنوع من لحاء او لب الشجر في مقاطعة ( هونان ) Hu-nan التي تبعد حوالي 500 كلم الى الشمال من “كانتون” و انتشر بسرعة في جميع أنحاء الصين ثم في التركستان الصينية ، و قبلها كان نوع من الورق يصنع من نفاية الحرير اضافة الى الحبر المصنوع من هباب المدخنة او من غبارالفحم الخشبي الممزوج بالماء و الصمغ ، و في وقت مبكر و منذ أسرة ” ين ” Yin نجد كتابات بالحبر مخطوطة بالريشة التي ترى رسمها على العظام ، و أصبح استعماله شائعا حوالي سنة 200 قبل الميلاد . و كما اخترعت الصين الورق ، فقد اخترعت المطبعة ايضا و لم تكن المطبعة من اختراع فرد وحده و لم يتم في لحظة واحدة ، ولكن اختراعها تم على عدة مراحل و أول المراحل هي الأختام المحفورة كخواتم و الاختام السومرية ، و بعدها وفي مرحلة ثانية مرحلة فن الطبع البارز بواسطة الفرشاة ” السومي “Sumi على الورق نقلا عن النصوص المحفورة على اعمدة من الحجر .و يتبعها مرحلة الاختام المعدنية في القرنين السادس و السابع ، عبارة عن صورة صغيرة لبوذا مطبوعة على الورق الخفيف أو على القماش أو على الحرير ، و أقدم نص مطبوع مؤلف من سبع وريقات و هو السكاي– يوان تساباو” Kai-yuab-tsabao و هو محفوظ عند أسرة “يانج “في ” دجيانج لينج ” بمقاطعة (هوية) .
و في الجزيرة العربية نذكر ” دار الندوة ” في مكة المكرمة ، مجتمعا لقبيلة “قريش ” قبل الاسلام حيث كانت قريش تعلن عن الاحداث بعدما يتبادلون الاحاديث و الاخبار و اعلان الحرب .و قامت ” الاسواق ” التي كان الشعراء يعرضون أشعارهم على المحكمين في الشعر من أمثال “النابغة الذبياني” و غيره . و تحظى القصيدة الفائزة بشرف تعليقها على الكعبة في عداد المعلقات المشهورة .
في العصر الاسلامي أبقى الاسلام بعض الوسائل الاعلامية التي كانت سائدة في العصر الجاهلي في الجزيرة العربية ، لكنه قام بتعديل مسارها لخدمة الدعوة الاسلامية ، كالقصيدة الشعرية مثلا ووجها لخدمة الدعوة الاسلامية و قد برز عدد من الشعراء الاسلاميين الذين أسهموا اسهاما فعالا في الدعوة الاسلامية، أمثال ” حسان بن ثابت ” و “عبد الله بن رواحة” . وقد جاء “القرآن الكريم” الذي كان الوسيلة الاولى للاعلام بالدعوة و “الاحاديث النبوية” وسيلة هامة و أدت “الرسائل” التي بعث بها عليه الصلاة و السلام الى ملوك فارس و الروم و مصر و غيرهم ، دورا هاما في مجال الاعلام و الاعلان بالدعوة .
غزت الكتابة العربية الأقطار التي فتحها المسلمون و استعملت شعوب الامم المغلوبة الحرف العربي . كان الغرض منها التعلم و التعليم في نشر الاسلام و الدعوة الاسلامية ، و من يتقن الكتابة كان جليل الاحترام .
أعطى المسلمون فنا في كتابة الطلاسم المربعة و المستطيلة و استعملت فيها الحروف العربية و الكلمات من الآيات القرآنية و زينوا الطلاسم بأسماء الله الحسنى . ووصل الخط العربي ذروته في القرنين الثالث و الرابع للهجرة حيث اخترع “قطبة” المحرر قلم الطومار و قلم الجليل .و يعتبر الخط العربي من الفنون الغرافيكية و التي هي جزءا من الفنون الجميلة التي امتازت بها الفنون في البلدان الاسلامية . و قد فتن هذا الخط الذوق في العالم ، و لم يقتصر على كتابة المصاحف و زخرفتها في المساجد ، فهو تراث الأمة و حضارتها ، يرتبط بلغتنا و حضارتنا . أضف الى ذلك أن العرب قد أعطوا قواعد قياسية كميزان لأقلام الكتابة ، كان بدايتها اختراع قياس حسابي لقلم ” الطومار” ، و منه أشتقت مقاييس الاقلام المتعددة الأخرى ، كما ستذكر تباعا .
أهمية مقياس قلم الطومار :
قلم الطومار : مصنوع من خشب شجر القصب ، يدعى”الغزار” ، و تبدأ طريقة تجهيزه بحيث يقطع و يشذب رأسه بالشق بسكين حاد النصل ، على مقياس سماكة أربعة و عشرين شعرة من “البرزون” ، (زيل الخيل العربي الأصيل) ، مما ينتج بهذه العملية ما يسمى بغزارة قلم الطومار ، خط به تدوين “المصحف الشريف” ، في مدينة الكوفة ، و دعي بالخط الكوفي . و اشتق منه قلم الثلث نسبة لثلث قياس قلم الطومار ، أي ثماني شعيرات ، و نتج عنه خط الثلث المعروف. و قلم الثلثين نسبة لثلثي قلم الطومار ، أي ستة عشرة شعرة ، وأسفر عنه خط الثلثين . وهكذا أتت بقية معظم الأقلام بميزان موحد لغالبية الخطوط العربية الأصيلة .
أنواع الاقلام العربية من فجر الاسلام الى العصر العباس
قلم الطومار – قلم الجليل – قلم الأشربة – قلم السميعي – قلم مدور – قلم نرجسي – قلم المؤامرات – قلم المنثور – قلم الديباج – قلم المرصع – قلم المفتح – قلم غبار الحليم – قلم الزنبوري – قلم العهود – قلم الحواشي – قلم اللولوي – قلم الواشي – قلم الاشعار – قلم المعلق – قلم المدمج – قلم المقترن – قلم المسلسل – قلم القصص – قلم الحوائجي – قلم اللازورد – قلم المدبج – قلم المنمنم – قلم المسهم – قلم الموشح – قلم المولع ، قلم الديباج ، قلم السجلات ، قلم الثلث ، قلم الثلثين ، قلم الحرم ، قلم الخرفاج .
و من الاقلام جاءت خطوط الكتابة .
أشهر أنواع الخطوط العربية
· السرياني
الخط الكوفي : كوفي بصري ، كوفي مكي ، كوفي اسماعيلي ، كوفي اندلسي ، كوفي صوفي ، كوفي عراقي ، كوفي شامي ، كوفي عباسي ، كوفي بغدادي ، كوفي ريحان ، كوفي مشعب ، كوفي وراقي، كوفي محقق ، كوفي مشق ، كوفي واسطي ، كوفي مائل ، كوفي راصف ، كوفي أصفهاني.
· النبطي
الخط انباري : أنباري حيري ، أنباري مثلث ، أنباري مدور ، أنباري توأم ، أنباري سلواطي ، أنباري مصنوع ، أنباري قيراموز ، أنباري ناصري .
خط النسخ خط الثلث خط الثلثين خط الأجازة خط الرقعة خط الديواني خط جلـي الديوانـي خط الفارسي خط الطغراء خط حروف التاج
و جميعها ظهرت على كثير من الصحف و المجلات و الكتب و أغلفتها . و مما يقال عن الخط العربي ” الخط هندسة روحانية ظهرت بآلة جسمانية “.
و قد تعلم العرب فن صناعة الورق من صناع صينيين وقعوا في الاسر عندما سقطت “سمرقند” سنة 751 قي أيديهم و منذ نهاية القرن الثامن كانت هناك مصانع في بغداد و في سوريا في عصر “هارون الرشيد”اذ بلغ عدد المكتبات المائة ، و في الوقت نفسه كانت أول طاحونة للورق في ايطاليا و في بولونيا. و تظهر الكتابة العربية في عدة أشكال : الكوفي و هي كتابة القرون الاولى للهجرة و الكتابة المستديرة المعروفة بالنسخ التي بلغت حد الاتقان في عهد الفاطميين ثم في عهد المماليك، و أخيرا الكتابة المغربية المنتشرة في أفريقيا الشمالية و خاصة في قيروان ، و ناحية التسلسل التاريخي كان الاجدر أن نذكر الكتاب البيزنطي قبل الكتاب العربي لو أننا لم نتناول هذا الأخير أولا بسبب المركز الذي احتله الاسلام في العصور الوسطى ، اذ انه كان ملتقى التيارات الحضارية التي جاءت من الصين و الهند و اليونان فكان همزة وصل بينها و بين الغرب المسيحي .
ففي بيزنطية نفسها شجع قسطنطين و خلفاؤه عمل الناسخين ،و أمر قسطنطين بأن يقوم الخطاطون المهرة بنسخ خمسين مجلدا بلهجة القسطنطينية الجديدة ،و من جهة أخرى فقد أمر بنقل مجموعة النسخ الرسمية من أثينا الى القسطنطينية و أسس الأكاديمية . و هكذا تأسس مركز لحفظ النصوص و نشرها على غرار المركزالذي كان في الاسكندرية ثم في أثينا ، و فضلا عن ذلك فقد انتقلت الحضارة البيزنطية الى صقلية و الى جنوب ايطاليا و معها مشاغل لنسخ المخطوطات نذكر منها مشغل “جروتا فراتا ” Gyrotta Ferrate بالقرب من روما ، حيث توجد حتى اليوم مخطوطات مكتوبة بخط يده بأسلوب للخط و الزخرفة خاص سمي بالأسلوب ( اليوناني – اللمباردي ) و ظلت الكتابة اليونانية المستعملة في بيزنطية لنسخ الكتب محتفظة في أول الأمر بالطابع الضخم المدبب الخاص بالحروف القديمة المستخدمة في الكتابة على الابنية الضخمة ، و الكتابة المسماة ( بالأونسيال ) Onciale التي نجدها حتى اليوم في حروف التاج اليونانية المستعملة في الطباعة .
ظلت طرق الكتابة المعتمدة حتى منتصف القرن الخامس عشر ، و طرق الاتصال كالكتاب و الجريدة و الاعلان والاعلام أصبحت من ضروريات الحياة . و كان الانسان يمارس العلوم و الفنون مشتركا مع غيره من أفراد جماعته لا يتعداهم الى جماعة أخرى ، و لم تكن المطبعة عملا ضروريا لتبادل الافكار . و في القرن الخامس عشر هبت الشعوب تطالب بالوحدة بعد انهيار النظام الاقطاعي ، و أخذت العقول تبحث عن نور المعرفة ، و اجتاحت أوروبا حب المعرفة فأصبحت القراءة من الامور المهمة لا سيما قراءة الآداب القديمة ، و أصبحت الحاجة ملحة الى ايجاد طريقة ميكانيكية للنسخ ، و ازدياد أهمية الطباعة .
و أخيرا ظهر الكتاب المطبوع على “ألواح خشبية محفورة” ، ثم المطبوع بحروف متحركة اختراع صيني كوري . و أول صورة مطبوعة على الخشب تحمل تاريخا انما تعود الى السنوات الأخيرة من القرن الخامس عشر ، و هي عبارة عن تقاويم و كتب مزخرفة لتعليم الابجدية ، و كتب صغيرة تتألف من عشرين الى ثلاثين صفحة على الأكثر ، و تقوم الصورة المرسومة و المحفورة و المطبوعة بدور رئيسي فيها . و يرجح المؤرخون أن يكون الصينيون قد عرفوا الطباعة بالحروف في أواسط القرن الحادي عشر.
بدأت الطباعة بالألواح الخشبية في أوروبا ، و كانت الصفحة المراد طبعها تكتب بحروف مقلوبة على لوح من الخشب بعد تسوية سطحه و تنعيمه ، و كان الفنان يقوم بحفر أجزاء الخشب الخالية من الكتابة و الرسم الصوري ، و كانت الحروف تظهر بارزة على اللوحة الخشبية ، و يقوم العامل بتحبيرها و يضع عليها الورقة التي يراد طبعها و يمرر عليها أسطوانة التحبير فتظهر الكتابة و الرسمة واضحة على الورقة . طبعوا في المانيا أوراق اللعب عام 1400 . و أول كتاب مطبوع في أوروبا سنة 1420 بواسطة الألواح الخشبية .
الطباعة لم تكن في أول أمرها الا محاولة لتكرار النسخ و بيعها . و الطباعي ” يوحنا غوتنبرغ ” الذي كان حفارا و يصب المعادن ، أول من فكر في حفر الحروف الابجدية على رؤوس قطع خشبية منشورية الشكل ، و استخدم الطباعة المستندة الى الحرف بدلا من القطعة الخشبية المحفورة كاملة. و لكن عيبها أنها سرعان ما تنتفخ حسب درجة الرطوبة أو الجفاف ، و كانت سريعة العطب ، فكان من الطبيعي البحث عن مادة أخرى غير الخشب ، فوجد النحاس و فكر ” غوتنبرغ ” في سبك هذه الحروف بعد تجارب من صب الاحرف بمزيج من الرصاص و القصدير و المحاولة الاولى جاءت سنة 1436 و ظهرت عام 1450 و الكتاب الأول “مرآة الخلاص”. و الطباعة بواسطة الحرف المسبوك من المعدن (الرصاص و النحاس ) عام 1445كانت نقطة تحول كبرى في تاريخ البشرية بشكل عام و ليس نقطة تحول في العمل الطباعي . و تلاشت الحروف بين عامي 1453 – 1455 و أول كتاب مسبوك طبع عام 1459 ، وكانت المطبوعات شبيهة بالمخطوطات من حيث جودة الحفر مما دفع البعض الى استخدام الحرف الروماني و القوطي و أصبح التمييز بين المخطوط و المطبوع . و ازدهرت الطباعة “الغوتنبرغية” في المانيا خاصة في اوروبا .
سنة 1465 منح ” غوتنبرغ ” لقب من ألقاب الشرف ، و توفي سنة 1468 . و حمل فن الطباعة بالحروف المتفرقة الى ايطاليا حيث فتح أحد النبلاء مطبعة عام 1470 ، و انتقلت الى اسبانيا عام 1472 ،و تفوق الفرنسيون في هذا الميدان و ظلوا محتفظين بتفوقهم و يعتبر الأخوان “بوزريان” و معهما “كورتفال” خير من يمثل الأسلوب الامبراطوري و عرفت بلجيكا الطباعة في السنة نفسها في مدينتي ” لوقان ” و “بروج ” و دخلت هولندا عام 1473 في مدينة ” أوترخت “و في بروسيا عام 1475 ، و عرفت أنكلترا الطباعة عام 1474 بفضل ” وليم كوكستون ” و كان هناك ثلاث مطابع في لندن و واكسفورد و سانت البانز، و حصل الايطاليون في عام 1498 على امتياز طبع النوتات الموسيقية بحروف مسبوكة . و تطورت الطباعة في السنوات الثلاثين الأخيرة من القرن الخامس عشر و أصبح عدد المطابع ما يقارب المائتين الى عام 1500و تأسست أول مطبعة في وارسو 1578 ، و دخلت في الدانمرك و السويد في أواخر القرن الخامس عشر ، و عرفتها ترويج عام 1644 . و يعتبر لبنان أول بلد عربي عرف الطباعة عام 1610 “بدير قزحيا”، فضلا عن جودة الطبع و حسن الاخراج و قد ظل لبنان بعد اندثار مطبعته الاولى أكثر من مائة سنة بدون مطبعة . و أما الطباعة بالحروف العربية عرفها الأتراك في الثلث الأول من القرن الثامن عشر ،و المطبعة العربية عرفت في لبنان بفضل ” الشماس عبد الله زاخر ” و أول كتاب لها سنة 1733 و في مصر عرفت الطباعة ابان الحملة الفرنسية سنة 1801 ، و عرف العراق المطبعة سنة 1830 و فلسطين سنة 1877 و اليمن 1881 و أسست الحكومة العثمانية مطبعة الحجاز . و لن نحاول تأريخ تطور الطباعة في العالم ، و سنركز اهتمامنا فيما يلي على الفنون “الغرافيكية” الطباعية كفن و علم