العضو… والعضوية
لم تستعمل – أو تستخدم – كلمة في العصر الحديث – مثل كلمة (عضو) لحد الاستهلاك أو الإهلاك, فإذا كان العضو واحدًا من أعضاء الجسد, كاليد والساق والأذن والعين والمخ, ثم أصبحت الكلمة صفة للمشترك في حزب أو شركة أو جماعة أو نقابة, فإن هذه الصفة اندفعت تفسيرًا مؤثرًا لعضويات أخرى في تشكيل المحاكم, ولجان التحقيق, والعصابات, والتنظيمات السرية, والمجموعات الاستشارية المساعدة لتكوينات وأنشطة النظم الحاكمة (لاحظ أن التنظيم لفظ يسعى دائما كي يصبح نظامًا, وكثيرًا ما يتم اكتشافه والإيقاع به قبل أن يحقق هدفه), والعضو دائمًا يقع في كل هذه المآزق المفعمة بالروائح المضطربة: ثورية كانت أو ثأرية أو مجرد احتفالات يميل إليها العصر القائم, والذي يزهو بالكيمياء العضوية والبيولوجيا وعلوم الوراثة في بعض الأحيان.
وأعظم – وأخطر الأعضاء (دعنا مما تفكر فيه الآن) هم الذين ينتمون إلى نقابات المهن الطبية: علاجًا أو جراحة أو تشريحًا أو تنشيطًا أو تجميلاً أو تحليلاً أو بترًا أو تمزيقًا – وأي مصطلح آخر يخترق الأفراد والجماعة والأسرة والمجتمع, ثم – في مجال الأخطر بالذات وليس الأعظم – أعضاء أنشطة المهن الهندسية المندفعة نظرياتهم وقدراتهم: صواريخ وقنابل وأشعة في أعالي السماوات وأعماق البحر والأرض وشاشات التلفزيون والأخلاق والتقاليد والنظريات الاجتماعية وقواعد السلوك ومجالات الأقمار والنجوم, إلا أن أعضاء عديدين في مجالات أخرى يقومون بأنشطة لتعويض النفس بالمتعة المفقودة عن طريق الفن والتمثيل والغناء والسمر المتراقص على أضواء الضجيج, ومجالات الإبداع التشكيلي والقصصي والشعري تحاول أن يظل لها تفرّدها الجمالي – بعض الوقت – قبل أن تستدرج قدرات بعضهم – الفذّة بالذات – إلى أنشطة أخرى تبدو فنية – من باب ذر الرماد في العيون: (نعم: العيون) إنها أخطر أعضاء النشاط الحيوي – في الإنسان والحيوانات والحشرات, والبوابة التي تنفتح دائماً لتجذب إلى باقي أعضاء التكوين الجسدي كل أنواع التغذية النفسية المؤثرة, دون الحدّ من قدرات حواس اللمس والسمع والتذوق والشم في أداء مهامّها الحيوية, في المتعة واللذة والأسى والشجن والإحساس بالمرارة والندم الضاغط المقلق على المخ والأعصاب.
وأكثر أعضاء النشاط الإنساني – أو المهني مع بعض التحفظ – استخدامًا لعضوية انتمائهم أو انتسابهم لأي تكوين, ولو لبعض الوقت: أعضاء مجلس الشعب (أو النواب أو الأمة) سواء استمروا أو فشلوا أو اعتزلوا في دورات أخرى, فسيظل عضو المجلس متمسكًا بالعضوية مع إضافة (سابقًا) عند زوالها, حيث يستخدمها في بطاقات التعريف وأثناء حواره في المؤتمرات والندوات والمسامرات وسطور التهاني والمناسبات المباركة والعزاء والنعي للموتى والراحلين, ويقوم بعض زملائي أعضاء اتحاد الكتاب (في مصر بالذات حيث يتاح لي الرؤية والاحتكاك الدائم بهم) باستخدام هذه الجملة الدائمة في المقالات والشكاوى والاعتراضات والاستعراضات: (فلان الفلاني: عضو اتحاد الكتّاب) في حين نجد أعضاء نقابات أنشطة ومهن أخرى لا يستخدمون ذلك إلاّ في ظروف وظيفية خاصة جدا: أي في التحقيقات القانونية أو مواجهة إجراءات صعبة أو استخدامًا لحقوق نقابية في السفر والانتقال ودخول المسارح والمصحات والمستشفيات والمتاحف, كأعضاء في نقابات الصحفيين أو التشكيليين أو الممثلين أو جماعات النقاد أو المحافظة على البيئة, والسبب في ذلك التوسع المبالغ فيه لاستخدام بعض هؤلاء الزملاء لجملة: (عضو اتحاد الكتّاب) يرجع إلى أن هؤلاء بالذات لم تتحقق ذواتهم وشخصياتهم في الكتابة والأداء المهني المتصل بمثل هذا الإبداع أو النشاط, حيث لم يحظوا بالشهرة المأمولة, وبين انعدام التحقق الذاتي والشهرة نقع في الهوّة أو الفجوة التي تجعلنا نتحرك وعلى هاماتنا هذه العضوية التي لا يستعملها في أوراقهم وبحوثهم: الأطباء والعلماء والزراعيون والمهندسون والقانونيون والصحفيون والمعلمون والإعلاميون – أعضاء المهن والأنشطة الأخرى كافة دون أن ندرك – نحن أعضاء الاتحاد المشار إليه – أن العضوية – أي عضوية – وردت في اللغة من العِضَة: ومن بين المعاني في هذه الكلمة: الكذب, وبالتالي فإن هذه الصفة قد تتسلل إلى مَن يفرّط في استخدام عضويته في مجالات التضخيم والرغبة في الظهور.
وأشهر الأعضاء قاطبة – بعد أعضاء عصابات المافيا المنظمة من قطاع الطرق في صقلية في القرنين الماضيين وبلغ نشاطها إلى قمته في أوربا وأمريكا – أعضاء مجلس الأمن, وأعضاء الأمم المتحدة, وأعضاء أجهزة المخابرات الذين ظهروا نجومًا في السينما والمسلسلات التلفزيونية والانقلابات السياسية, والمذكرات الخاصة بالزعماء والرؤساء الراحلين.
ويظل القلب العضو ذا الشجن المتأثر بالمواقف وباقات الزهور وانسياب الموسيقى, وتدفق الشعر, وسطوة التعبير في اللوحة المرسومة, والمتألق دمعات في عيون الأعزاء: شوقًا وعتابًا ولومًا…وصمتًا يعبر عمّا لا يستطيع أن يقوم به أي لسان, وبالذات حين تتمدد الآفاق الهادئة لحظات غروب الشمس ليزحف خلفها – في ودّ بالغ الهدوء والإمعان – ليل آمن, يجعلك تحسّ بعضويتك الجذرية الأصيلة في الوجود
كلمات لها معنى
مرة وحيدة حينما رأيت نملة تسعى على جدار مقهى, ومن باب المرح أصدرت أمرًا لها بأن تتوقف, فتوقفت, بعدها: أمرتها أن ترجع وتعود من حيث جاءت, فإذا بالنملة تستدير وتعود, ضحك الأصدقاء, بعدها بدأت خلافاتي مع زوجتي في البيت.
سأقول لك ما لم أقله لأحد قبلك: أجمل ما في حياتك لم يحدث بعد, أقصد أخطر وليس أجمل.
ألم تلاحظ أن المطارات تخلو من العصافير? رجاء الفرار من مطارك الخاص.
تعليمات طبية: لا تتناول الملح, ابتعد عن السكريات, بعدها يبقى لك نوع من النسيم الذي لن يحسّ به سواك.
دعاة النقد الأدبي يعلنون الآن أن الإبداع القائم لأصدقائهم يخضع لمرحلة ما بعد الحداثة, الموقف محرج لهم بعد ما بعد الحداثة – رجاء عدم التصحيح.
محمد مستجاب