بقلم :عدنان بشير معيتيق
تلك الأغراض التي لم تستحق النظر وبالتالي لم تكن تستحق الرسم باتت ألان في
منتهى الأهمية في منتهى الجمال على منوالها ، بحيث لم يعد في مقدوركم رفع
أعينكم عنها ، فهي موجودة وجديرة بالوجود
غاستون باشلار
الفن دائما يبدأ وأنا من هنا سأبدأ وأقول إن عمر جهان فنان صاحب اللمسة السحرية لا بل صاحب الضربة السحرية ( ضربة الفرشاة ) القوية والسريعة التي تخلع عن الأشياء قبحها ورداءتها وتضفي عليها جمالها وحيويتها ، فهو بالإضافة إلى الرسم والتلوين على الخامات المعروفة مثل القماش والورق يحول الأشياء المهملة والمتروكة التي لم ينتبه إليها احد إلى أعمال فنية بديعة مثل استخدام الحديد والصفيح والصحون والملاعق القديمة وغيرها.
فنان مسكون بالشاعرية والابتكار والتجدد ، يندفع تارة نحو الرسم والتخييل وتارة أخرى نحو الكتابة أو اللجوء إلى الواقع اليومي المعاش .
بدا الرسم منذ نهاية الستينات فأتقن الرسم الواقعي وكان أساسه سرياليا ويظهر ذلك جليا في لوحات البدايات الأولي التي كان يرسمها في فترة السبعينات ، تنقل في عدة محطات من تاريخ فن الرسم ، فرسم الواقعية والتأثيرية والسريالية والتكعيبية و التجريد والتعبيرية التجريدية .
يعتمد على الاستنباط الفوري المباشر في تأليف أعماله الفنية من لوحات ومنحوتات وأعمال مركبة ، يستمع إلى إيقاعه الداخلي ( الإحساس والشعور ) ولا يركز على النظريات الأكاديمية والعلمية ، فوعيه الباطن هو الذي ينسق ألوانه وأشكاله ويحددها على سطح اللوحة ، وأهمية العمل عنده إظهار الحساسية العالية في الأداء وكذلك إظهار الشعور والإحساس فاللون عنده حالة تعبيريه تحمل شحنات عاطفية ووجدانية عميقة .
منذ قدومه من ليبيا وإقامته في مصر قدم عدة معارض في إتيله القاهرة كانت ممتلئة بالشاعرية وتتضح ذلك من عناوين هذه المعارض :-
السكون المشمس 1983 – التحولات 1987 – إشارات وشواهد 1991 – كهفيات الحبر
والشمع 1992- بورتريه الحجرة 1994- الأقنعة 1996 – لوبيات 1998 – موتيفات عابرة 2002 .
تجربة كهفيات الحبر والشمع من أهم المحطات الفنية للفنان حيث أعتمد في خلق محسناته التشكيلية على تقنية جديدة في الرسم وهي استعمال مواد متنافرة مثل الحبر والشمع على أرضية الورقة مما أضفى معان تشكيلية جديدة قام بتوزيع مفرداته المستوحاة من رسم الكهوف في الفراغ الأبيض فأصبحت سابحة في الفضاء متحررة من كل سيطرة ( بخلاف ما كان في العمل التقليدي العادي بان يكون الثقل للوحة في الأسفل وغيرها من القيود التقليدية ) وهي تحمل أنفاس الماضي بكل ما فيه من عفوية وطهرانية لتلتقي مع حداثوية النص التشكيلي المقدم بكل ما فيه من دلالات ورموز ( الأجساد الهشة والثيران والطيور والخيول …..) والمحسنات الفنية الأخرى مثل نور /عتمة ، كتلة /فراغ ، سماء /ارض ، ابيض /اسود ، شر/خير ، قوة/ضعف .
فقراءة العمل الفني عنده تستدعي إيقاظ الحواس جميعا لان المتلقي لن يجد مرجعية سابقة لخبراته البصرية ( تراكمية المشاهدة ) المكتسبة يقارن بها أعمال الفنان وربما يقف ويلتزم الصمت إمامها أو يتحسس مهارة تلك الخطوط والأداء لتلك الأجساد التي تظهر تارة ثم تختفي .
مصادر الإلهام عنده لوحات تسيلي ، كهوف تدرارات ( ليبيا) معجزة اللون والبناء الصرحي عند الفراعنة ، الأقنعة الأفريقية ، ملامس الحصر والحيطان الجيرية ، العباءات المملوءة بالرياح والذكريات ، وأغاني فيروز ،جوية ، عبد الهادي الجزار ،بي كاسو
حامد ندا ، فنسيت فان غوغ .
عمر جهان فنان يحتفي بالكلمة المكتوبة كما هو دائما يحتفي بالخط واللون ، في كل الكتيبات المرفقة في معارضه كانت من كتاباته هو كإشارة إلى تلك اللوحات المعروضة والحالة التعبيرية الموجودة فيها ،هذه مقتطفات من النص المكتوب والخاص بمعرض كهفيات الحبر والشمع :
( تجاذب وتنافر مدُ وجزر وضوح خفي وغموض جلي ،من ترُى يحفر ذلك المسرب المجهول الذي يماثل خطا أحمر يشق ضباب الأدخنة ويفضي إلى عتبة بيتنا كهفنا القديم . (
( برهة من صمت وتأمل ، شحذ للذاكرة واستحضار للقدرات التكتيكية المكتسبة وقبل وبعد إيقاظ الحواس جميعا لقراءة واعية في كتاب ألذات والطبيعة ، تلك ألذات المنفتحة على عوالم الآخرين وشجونهم ).
(ورقة بيضاء لطالما شعرت أنها أصغر من صرخاتي وابلغ من خطوطي والواني وكلماتي واقدر مني على اختزال المسافة ما بين العين واللوحة ).
وأخيرا هذه إشارات إلى بعض شواهد الفنان الذي يستحق الوقوف عندها ودراستها والبحث في مراحل حياته الفنية والأدبية فهو أيضا من مؤسس إضاءة 77 وهي جماعة
أدبية تضم مجموعة من الشعراء والأدباء والفنانين التشكيليين ، قام بتصميم عدة كتب
لكل من الكتاب والأدباء ولشعراء الليبيين والمصريين والعرب ، قام بتنظيم معرض ( للأدباء فقط) في إيتيليه القاهرة وضم محاولات في الرسم والتلوين لأهم الأدباء المصريين ومن بينهم الكاتب الكبير ادوارد الخراط .
.
( عدنان بشير معيتيق )