fenon

الفنان أسامه دياب

لا بد لهذا الوجه الحزين أن يعتلي مدارج النور
يبدو الحوار الذي يجريه الفنان التشكيلي أسامة خالد دياب مع لوحاته روحانياً , تتحد فيه ذات الفنان بموضوعه فيمتزج بألوانه وتصبح الريشة وهي تنساب على البياض حاملةً الكثير من الأفكار والرؤى والأحلام . انشغل دياب وراء وجوهه التي يرسم , وما تخفيه من أسرار وأحداث فغابت تعابير هذا الوجه وتفاصيلها انتصارا للموضوع الذي يؤسسه في لوحاته . وحضور الفنان الحياتي في لوحاته طاغٍ , وذلك من خلال رسمه الوجوه المختزِلة للشكل , ومن خلال الحزن الظاهر على معظمها ؛ فقد رسم الإنسان بحزن وأظهر موضوع الألم جلياُ في وجوهه , ولكنه في الوقت نفسه يعلن نفسه متفائلاً عبر المساحات اللونية الأخرى في اللوحة والتي لا تنفصل عن الواقع والتي تشي بالفرحة والسعادة والبهجة أيضاً وأيضاً , فالألوان مبهجة وحادة ومشعة وفيها دفئ المعاني وهذا ما يوضح معنى الفرح المستتر داخل الفنان. ثمة ففرح حتى ولو كانت العين دامعة وحزينة وهناك أمل وهذا ما توضحه مساحات البهجة , رغم سيطرة الأزرق في حياة أسامة دياب .
كما يحاول أن تكون الحدود في لوحاته متداخلة فيما بينها مما يعبر عن انسيابية الحياة التي يعيشها , ولعل هذا نابع من تفاؤله الذي يعمر قلبه بغد جميل مشرق غير الذي عهد منذ كان صغيراً , فالحياة أولاً وأخيراً تجربة روحية كبرى . رؤى فنان : وهذا الحوار مع الفنان التشكيلي السوري أسامة خالد دياب (الذي تخرّج من كلية الفنون الجميلة قسم التصوير سنة 1986) هذا الحوار هو محاولة لكشف عوالمه و آراءه في الفن والجمال فكانت له كتابات نقدية وتحليلية في عالم الفن التشكيلي .
في سؤاله عما إذا كانت هناك خصوصية للتشكيل العربي بعيداً عن استنساخ المدارس الغربية يرى دياب أن الكثير مما هو موجود استنساخ عن تلك المدارس الفنية التشكيلية العالمية رغم أنها تتصف بوحدة الطروحات وأصالة الفكرة عند كل اتباع هذه المدارس عامة وعند كل فنان خاصة , المبدأ العام للوحة كما يؤكد دياب هو اللون والكثير من المعطيات الفنية التشكيلية قد تكون متشابهة الرؤى والفهم لدى كل متلقٍ , بغض النظر عن جنسيته أو لونه وذلك يعتمد على عمق ثقافته وفهمه للمجتمع ,فالخط العام لبناء اللوحة التشكيلية من الفكرة إلى مباهج اللون أو هندسة التكوين أو مطالع الصورة قد تتشابه معانيها ومفرداتها اللونية ,وهذا ما أثبته علم النفس وهو ما يشكل أحرفاً أبجدية خاصة لهذا اللون من الفن ,فعندما تُقرأ هذه الأبجدية بلغات مختلفة للوحة نفسها ترى الكثير الكثير من الشبه في قراءتها في كل دول العالم , الأمر الذي يؤكد أن للفن مدرسة واحدة ألا وهي مدرسة الجمال فهي قيمة عليا من قيم الخير والحق .
ويبقى كما يرى الفنا تحكم البيئة الخاصة والمفرزات الاجتماعية , موضوعاً لعمل فني في إعطاء هذه الأعمال الفنية هوية خاصة هي هوية المجتمع التي خرجت من رحمه . وفي جوابه عن ظاهرة الموضة في الفن على غرار ما هو حاصل في الأدب والنقد , بمعنى أن الفنان يبدع حسب الطلب أي ما تريده سوق الفن مما يؤثر على العملية الإبداعية ؟ يمايز الفنان أسامة خالد دياب بين الفنون ويرى أنه يمكن أن ينطبق هذا على فنون أخرى كالإعلان والنحت والعمارة وغير ذلك, إلّا أن التشكيل أي الفن التشكيلي يكون استثناء من هذه المواصفات , لا يمكن لعمل فني تشكيلي إلا وأن يلتزم بالفكرة التي جعلته عملاً فنياً , أي أن الفنان التشكيلي أسير عمله الإبداعي , ولا يستطيع أن يخرج عن إطار مفرداته الحسية التي وهبها الله له فهو قطعاً استثناء مما ذكرنا من عالم الفن . ويجيب عن تعليق : أن بعض الفنانين يعملون لوحات فنية حسب الطلب وذلك بسبب عقود مبرمة بينهم وبين بعض صالات العرض .
إنني لا أبرر لبعض الفنانين الذين هذا شأنهم ولعل في هذا النوع من العقود خصوصية معينة تلزم الفنان بخط معين يوجه إليه , وليس كما تقول رسم تحت الطلب . وهذا الخط العام الذي فرض على هذا الفنان ,ليس مخصوصاً في سياسة بناء اللوحة أو في فكرتها أو في لمساته الإبداعية ولكن في سياق عام يتصل بأسلوبه المحبب لدى هذه الصالة أو لدى هذا المقتني , فيلزم هذا الفنان أو غيره بأسلوب معين أو سلوك هذا النهج الذي لاقى استحساناً عند المهتمين . ويؤكد أيضاً أن التزام الفنان بشروط هذه الصالة أو ذاك المقتني يفقده الحريّة في استنباط ما هو جديد , فيشكل عقبة لا تحتمل تطويراً لأنه المطلوب ولا شيء غيره, ولو أنه تحرر من مدة أو تحديد أجر لعمل ما قد يعيد ذلك صوابه في حريّة العبث بفكرته وحكّها لكشف نفاسة معادنها , مما يكسبه تألقاً ونضجاً فنياً ويصبح العمل الفني أكثر حرية وأكثر صدقا لمجمل أحاسيس هذا الفنان . تنطق اللوحة وتقول : ويرد الفنان دياب في سؤالٍ عن لوحته الفنية كيف ينظر إليها؟ وهل باعتبارها قماشاً مطلياً له قيمة مادية ؟ أم بوصفها موضوعاً يحمل أنساقاً معرفية ورؤىً ؟ وإضافةً لتناسق ألوانٍ ووحدة تكوينات وأشكال ؟ إن اللوحة الفنية بكل مفرداتها الحسية والجمالية أو بفكرتها الخاصة التي لا يمكن أن تنفصل عن خلجات الفنان التي يتعامل معها كأم او كطفلة أو كعشيقة أو كصديقة , وقصدت هنا بالأنثى تلك اللوحة الأكثر عاطفة والأصدق تعبيراً …
إن هذه اللوحة بهذه المواصفات وبهذا القرب من الفنان لا يمكن أن تكون مجرد مادة تضع عليها مساحات اللون أو بقعة ضوء أو ظلالاً , وإنما هي قد تكون كل ما ذكرنا بل هي كذلك و هذا الشيء لا يجرد , فهل يستطيع المرء بيع طفلتهُ ؟ بالتأكيد لا .
ويتابع الفنان نظرته للوحة بوصفها وحدة جماليّة ربما تكون اللوحة بسيطة بمفرداتها تعتمد المساحات اللونية والقليل من اللمسات التي تؤكد على فكرة معينة , المقصود منها أن تكون بهذه البساطة… فعندما تريد أن تطرح شيئاً سهل الفهم ويحمل معاني كثير ومؤثرة والعكس صحيح وعندما يكون الموضوع ملحمة أو مأثرة كبيرة تسجل للتاريخ كلوحة (الحريّة) لأوجين دولاكرواه أو لوحة (الكارنيكا) لبيكاسو حيث جسد كل منهما الملحمة أو المأثرة التاريخية العظيمة بطريقته الخاصة المبدعة , لكن العناصر الفنية والمفردات التي استخدماها كانت غنية جداً و فاعلة بحجم الحدث الكبير .
ويؤكد الفنان أسامة خالد دياب في رده على الاستفهام المطروح حول لوحاته , وعن مسحة الحزن الغالبة على الوجوه بحيث كاد الفرح يهرب منها؟ فيقول معللاً ذلك : إن الإنسان بطبيعته مخلوق ضعيف وفي كل حدث أو فعل في حياته يلمس ضعفاً , وهذا شيء مفطور عليه, فكونه مخلوقاً لابد أن يكون ضعيفاً , وتتجوهر مشاعر هذا الإنسان بضعفه , فتبرز قيمة النصر من الهزيمة والقوة من الضعف , والفرح من الحزن وفي كل المواضيع التي تناولتها في حياتي الفنية كانت تجسد ظواهر النصر من بعد الهزيمة ومن قلب الركام . لا بد لهذا الوجه الحزين الذي من حزنه وضعفه استطاع أن يشق ضوء النهار وأن يعتلي مدارج النصر والنور في العديد من اللوحات التي كانت موضوعا للنصر على العدو كالأعمال التي جسدت انتصار الشعب العربي في فلسطين ولبنان على عدوه في مجموعة (بيوت شهيدة) فكان التعبير عن الحزن في تلك الوجوه والبيوت تماماً كما ترى في وجه أم الشهيد التي تزففّ ابنها إلى مثواه الأخير .
ويطغى اللون الأزرق في لوحات دياب إلى جانب سيطرة موضوعه الحزن , فهل ثمّة علاقة بين هاتين المفردتين ولا سيم أن الفرح يظهر من خلال نقيده الذي يبرز أكثر في لوحاته ؟ يجيب دياب : إن اللون الأزرق يمثل زرقة البحر والسماء اللذان يخفيان من المجهول ما هو عظيم , والخوف هو طاقة الحزن الذي يأتي بهذا المجهول والذي بدوره لا يبعث على الفرح . وإلى جانب ذلك فإنني أرى فالحزن عزاءً وملجأً لخاطري والمفارقة أنه غالبٌ على مجمل حياتي , فمنذ الصغر أشعر بالوحدة وأتطلع دائماً إلى مباهج الناس ذلك أني فقدت ذلك الشيء الجميل طوال عمري , ولأجل هذا كان الحزن موضوعاً ثابتاً في مجمل أعمالي ولوحاتي الفنية . وفي سؤال أخير عما إذا كان هناك ما يريده الفنان دياب ولم يجده ؟ تمنّى أن يكون مقتني اللوحة مساهماً واعياً ومتذوقاً جمالياً , وينسى أنه يشتري لوحة تزينية بقياسات تناسب زاوية أو ركناً في بيته . أجرى الحوار الصحفي عبد الغفور الخطيب البعث العدد : 14292 الاثنين 25/تموز/ 2011 .