موناليزا لما؟


Mona Lisa - Leonardo da Vinci Mona Lisa – Leonardo da Vinci

معلومات لابد من ذكرها:
الموناليزا عبارة عن لوحة نصفية لسيدة جالسة بوضع خلاب وعلى وجهها تعبير غامض ساهم في شهرتها وكذلك الجو العام للمكان قد ساهم أيضاً في شهرتها وكذلك سُرقتها وإعادتها ساهمت في شهرتها وهناك القليل من اللوحات التي تعرضت للسرقة والتزييف والنقل والتحوير والهجوم والحكايا الأسطورية لكن ليس بمقدار هذه اللوحة المرسومة بألوان زيتية على خشب الحور بطول سبعة وسبعون سنتيمتر وعرض يبلغ الثالثة
والخمسين سنتيمتر كما يوجد إسكتش أصلي للموناليزا في مجموعة شخص أمريكي يُدعى (هايد) له أهمية بالغة لأنه يجيب عن بعض التساؤلات الخاصة باللوحة نفسها وقد إبتدأ ليوناردو رسمها عام ١٥٠٣ وأستمر فيها لمدة أربع سنوات متتالية ولم تنتهي وأكمل فيها ثلاث سنوات أخرى بفرنسا بعد ذهابه إليها بدعوة من الملك فرانسوا الأول وبعد إنهائها تم بيعها للملك بمبلغ ٤٠٠٠ ايكوس (العملة الفرنسية حينها) ووضعها الملك في قصر (شاتو فونتس بلو) حيث بقيت حتى أتى لويس الرابع فوضعها في قصر فرساي وبعد الثورة الفرنسية نُقلت إلى اللوڤر ومن ثم نقلها نابليون ووضعها بغرفة نومه وبعد ذلك أُعيدت إلى اللوڤر ثم نقلت خلال الحرب الى مكان خبأت فيه وحتى ذلك الوقت هي لوحة لها أهمية أي عمل لليوناردو ولم تحظى بأي شهرة حتى القرن التاسع عشر

حتى جاء الرمزيون في بداية القرن التاسع عشر وبدأوا الاهتمام بها لأنهم وجدوا بها وصف للأنوثة الخالدة حتى أن أحدهم وصفها قائلاً (هي أقدم من الحجارة التي تجلس عليها) ويُطلق عليها موناليزا نسبة إلى ليزا دي جيكوندو أحد أفراد عائلة جيرار ديني من توسكاني بفلورنسا وهي زوجة فرانشيسكو دي الجيوكندو تاجر الحرير وقد رُسمت إحتفالاً بالإنتقال لبيتهم الجديد وولادة ابنهم الثاني أندريا وقد تم تأكيد هويتها بجامعة هايدل برج عام ٢٠٠٥ من قبل خبير مخطوطات رأي رسالة مكتوبة من ١٥٠٣ كاتبها (أغسطينو فسبتشو) وكلمة مادونا تعنى بالإيطالية السيدة وتم إختصارها إلى (مونا) وكلمة جيوكندو معناها الهانم أو السيدة وهذه الكلمة بالصدفة هي اسم عائلة زوجها فجاء الإختصار الأول وهو مونا ليزا ومعناه السيدة ليزا وجاء الإختصار الثاني جيوكندا ومعناه السيدة الفاضلة أو الهانم
كانت هذه مقدمة لابد منها لأنها تساهم في إلقاء الضوء على اللوحة ولما تحظى بكل هذه الشهرة

عندما توجد لوحة تبلغ من العمر أكثر من خمسمائة عام ومازالت تحظى بشهرة واسعة هي بالضرورة تحتوي على أشياء تستحق البحث بالعمق والجهد اللائقين
وسأتبع منطق الرسام في خطة التحليل لأني بالفعل رسام بورترية في المقام الأول ورسام على وجه العموم
التصميم هرمي ويداها تصنع زاويته الأمامية وصدرها ووجهها وعيناها يلمعوا بنفس الدرجة وهذا يعني منطقياً أن هناك مصدر واحد للضوء وكذلك هذا الضوء يجسدها من الداخل بحيث تشعر بإستمرار أن هناك داخلها بناء متكامل عبارة عن كُرات متراكبة والتشكيل (الفورم) دائماً يعطيك كرات أو دوائر وقد رسمها بالطريقة المتداولة في عصرة لكنه أضاف تعديلات على التركيبة المتداولة في عصرة كي يبعدها عن المتلقي (خلق فراغ بينها وبين المشاهد) وهذا الفراغ ناشئ من وضع يد الكرسي الجالسة عليه في مقدمة اللوحة وهي جالسة بإستقامة ملحوظة ويداها ملتفتان إحداهما فوق الأخرى وهذا للدلالة على وضعها كسيدة مجتمع وهذا الفراغ بالطبع مقصود ومتعمد من قبل الرسام ليؤكد هذا المعني ومعني أخر أشار إليه الرمزيون وهو أنها رمز للأنوثة الخالدة ولا يجب الحوار معها ودائما لابد من وجود مسافة بين المتلقي وبينها ولا شئ في اللوحة يتفاعل مع المشاهد سوى النظرة (ومن هنا جاءت الأساطير الصحفية والسطحية عن النظرة) وهذه النظرة تتفاعل معك بشكل صامت ووضع جسمها الغير متجه للمشاهد ووجهها ماعدا النظرة كل هذا يبعدها عنك وقد أضاء وجهها وأحاطه بألوان قاتمة ليساهم أكثر في إبرازه والتكوين العام والأضواء تعطيك الإحساس بالحيرة والغرابة لأنها بعيدة عنك وغامضة ولكنك منجذب إليها وكأنها مخلوق سماوي لهذا لن تجد إبراز لأي شئ يدل على الإغواء كالشفاة الممتلئة لمارلين مونروا مثلا والتي تدل بصفة قاطعة على انها سيدة مكتملة الأنوثة الحسية لكن في الموناليزا الشفاة رقيقة ومبتسمة بملائكية ولا تجعلك مطلقاً تفكر بها تفكير حسي ولا يوجد حوار حميمي بين الجالسة والمتلقي وهي من أولى اللوحات التي تمثل صورة شخصية ولها خلفية عبارة عن منظر خلوي وقد إستخدم المنظور الجوي في رسم المنظر الخلوي (من أعلى) هي جالسة بمكان مفتوح وحولها أنصاف أو أجزاء من أعمده على الجانبين وخلفها منظر خلوي واسع ينتهي بجبل جليد به طرق محفورة وبعض الجسور الصغيرة التي تمثل الوجود البشري في المكان وكانت هذه ضرورة لأنه حولها لسيدة سماوية وعادة عندما يرسم الرسام المنظر الخلوي (المنظر الطبيعي) يحاول تحويلة لقطعة سماوية لكنه هنا يحاول رد المشاهد مرة أخرى للأرض فحول المنظر الخلوي إلى شئ دال على وجود الإنسان في هذا الجو المبهم والذي يشبه الخيال والإستدارات التي بشعرها وثيابها لها ترديد في الخلفية بالوادي والأنهار التي خلفها والخطوط الممزوجة مع هذه الجلسة الوقورة والتباين الدرامي للضوء والظل والإحساس العام يعكس أسلوب ليوناردو ونظراً للتوازن القائم بين الخلفية والجالسة فإنك تشاهد الحوار القائم بين الجالسة والخلفية وهو الحوار الأزلي بين الإنسان والطبيعه مما يؤكد أنها ليست بورترية طبيعي أو يمثل صورة لسيدة لأنها مثالية بأكثر مما ينبغي وليست واقعية مائة بالمائة بدليل إختلاف مناظير الرسم فالخلفية مرسومة بمنظور جوي وهي مرسومة بمستوى النظر كل هذا يقول أن ليوناردو أراد تجسيد المثالية التي يعرفها في هذا البورترية بدليل إستمراره في الرسم سبع سنوات وعدم إعطاء هذا البورتريه لمالكيه وأخذه معه لفرنسا وبيعه لشخص ليس صاحبة وإصراره على حمله معه في كل مكان يذهب إليه كل هذا يعطينا فكرة واضحة عن مدى إلتصاق الرسام بعمل يعتقد انه زوجته مثلا أو فكرته العميقة عن المثالية والتناغم موجود بقوة في اللوحة من خلال إبتسامتها الخفيفة والتي تليق بملاك والتي تعكس فكرة التواصل الدائم بين الإنسان والطبيعة والموناليزا بلا حواجب ولا رموش وقد جاء بعض الباحثين قالوا ان النساء ذوات الشأن يحذفن هذا الشعر ولكن جاء في عام ٢٠٠٧ شخص يدعى باسكال كوتا يملك اسكنر ذو دقة عالية أكتشف من خلاله أنها كانت بحواجب ورموش واختفوا بسبب التنظيف المستمر للوحة وعوامل الزمن وأميل لهذا الرأي حيث يؤكده الإسكتش المملوك لهايد الأمريكي حيث هي مرسومة بحواجب وقليل من الرموش ولكن إزالة رموشها وحواجبها أضفى على شخصيتها الكثير من (شبه التجريد) كانت اللوحة بباريس وفي ٢١ أغسطس عام ١٩١١ وسُرقت اللوحة ولم يدري أحد بسرقتها حتى جاء رسام يدعى لويس بروت ذهب لمكان عرضها وشاهد أربعة علاقات من الحديد فارغين وتحدث لرئيس المتحف الذي كان يعتقد أنها في أحد الأماكن مع مصور من المصورين ليصورها لأغراض دعائية وفجأة أكتشفوا أن اللوحة لم يعد لها وجود فاقفل اللوفر ابوابه لمدة اسبوع للبحث عن السارق وكان هناك شاعر يُدعى أبولنير أتهم بسرقتها لأنه كان ينادي بحرق متحف اللوفر حتى يتنفس الفن الجديد وبعد القبض عليه أرشد عن صديقة والذي ينادي بنفس الفكرة وهو الفنان الشهير بابلو بيكاسو ووضعوا سوياً في السجن ولكن سرعان ما أفرج عنهم لعدم ثبوت أي شئ عليهم وظن الجميع انها ذهبت للأبد وكان في اللوفر موظف يدعي فسترو بروجي أختبئ داخل خزانة أدوات التنظيف وبعد إقفال المتحف أخذ اللوحة وأخفاها داخل داخل معطفه وخرج بها وكان إيطالي الأصل ووطني ويعتقد ان اللوحة يجب ان تعود لأصلها وكان له صديق يبيع نسخ من اللوحة واعتقد انه لو اختفت اللوحة ستزيد اسعار نسخه وحرضه على سرقة اللوحة وبعد عامين أخرجها الايطالي ليبيعها بفلورنسا لجاليري أوفيزي وبالفعل تم عرضها في ايطاليا وردوها لللوفر بفرنسا والقوا بمواطنهم الايطالي في السجن لمدة أشهر قليلة بعد الإحتفال به كبطل قومي
وخلال الحرب العالمية الثانية أزيلت اللوحة وذهبت لمكان يدعي شاتو وأخرى تدعي لوكديو ابي واخيرا الي المتحف انجرس ببمنتوبان وفي عام ١٩٦٥ تعرض الجزء السفلي للوحة للتلف بشدة عندما رمى عليها مخرب أسيد وفي أخر العام في ٣٠ ديسمبر سنة ١٩٦٥ شخص بوليفي يدعي يوجو انجازا فليجس أتلف اللوح عندما قذفها بصخرة مما أدى إلى فقدان قطعة ألوان كاملة من جهة الكوع الأيسر ومن ثم أُعيد ترميمه وبعدها تقرر وضعها خلف زجاج مضاد للرصاص وكان هذا خير حماية لها من التخريب وفي عام ١٩٧٤ قامت سيدة مقعده منزعجة من سياسة المتحف تجاه المقعدين برش الموناليزا بإسبراي أحمر في متحف طوكيو الوطني حيث كانت معارة للعرض هناك وفي عام ٢٠٠٩ قامت سيدة روسية برشق الموناليزا بكوب او مج شاي كانت قد اشترته من داخل المتحف وذلك لحرمانها من الجنسية الفرنسية وفي كلتا الحالتين لم تُصب اللوحة بأذي وتلقي الأذي الزجاج وقد عاشت اللوحة لأكثر من ٥٠٠ سنة ومع ذلك فإن اللوحة جيدة جدا بالنسبة لعمرها وذلك يعود لعلاجها بعدة مواد حافظة لعدة مرات وفي تحليل شامل أجرته مدام دي جراندي عام ١٩٣٣ كشفت فيه ان من حاولوا ترميم اللوحة من قبل كانوا يعملوا بتحفظ ومع ذلك فقد وضعوا عدة طبقات من الفارنش تسببت في غمقان الصورة بعض الشئ والتنظيف العنيف في عام ١٨٠٩ أزالوا الطبقة الخارجية من الفارنش مما ادي إلى ظهورها وكأنها مغسولة وبالرغم من كل ذلك فإن العناية بها كانت جيدة للغاية خلال تاريخها الطويل

علاء حجازي