الفنان مروان قصاب باشي


بقلم و ريشة : هانى الجيزاوي | مروان قصاب باشي بقلم و ريشة : هانى الجيزاوي | مروان قصاب باشي

بورتيريه لفناني البورتيريه

بقلم وريشة : هانى الجيزاوي

…يقول مروان قصاب باشي ….تتغير علاقتي بالألوان مع الزمن …فالشمس تأتى من السواد و الأحمر ينير الباليته و لكنه يحطم اللوحة… و مرسمى فى برلين يلعب فيه الحمار وأرسم بوضع قطعة من الخيال فوق قطعة من القماش …أما شمس باريس لها نور مختلف.

عندما نصحنى الفنان عبد الرازق عكاشة بأن أتابع فن مروان قصاب باشى و أن أكتب عنه وجدت مصادر قليلة عنه و لكنه فنان له تجربته و لوحات بها الخطوط تمتزج مع الألوان و تعبر عن حالته من فرح وحزن, أمل و إنكسار و الوجوه عنده تنطق فى لوحاته بهذه المشاعر بوضوح, و هذا ما يؤكد على إنتماءه للمدرسة التعبيرية التى ينتمى إليها بعدما ترك الإنطباعية بسلاسة تامة.

مروان قصاب باشى

فى إحدى الليالى قارصة البرودة فى دمشق ولد هذا الفنان الجميل, عشق الفن منذ نعومة أظافره و قد أعجب بفن الرسم و التصوير الزيتى من سن الثانية عشر و بدأ يتقنه فى فترة وجيزة ثم درس الأداب لعامين و إنطلق إلى عالم الفن فى برلين و إتجه رأسا إلى أكاديمية الفنون الجميلة ببرلين ليدرس به بشغف و عشق لفن البورتيريه و لكن كان لابد من الألم و الكفاح فى عمل مرهق شاق بأحد مصانع الجلود مع عمله كرسام حر.

و صهر المجهود الذى بذله بين الدراسة و العمل الشاق فى فنه و لوحاته التى خصص لها الليل ليرسم به و أصبح فن البورتيريه هو ما ينفس عنه عما يعتمل بصدره من مشاعر و أحاسيس فألم الغربة و فرحة نجاح و إحباطات متتالية متنوابة مع إنجازات عبر عنه فى هذه الوجوه و لذلك نجد ملامح وجهه فى معظم أعماله بوضوح جلى.

فاز بجائزة إنتقل على إثرها لباريس و كانت المنحة الدراسية فى باريس وقودآ بدأت به هناك مرحلة جديدة فى حياته تغيرت فيها نظرته للضوء و اللون فى لوحاته و كأن ضوء الشمس فى برلين يختلف عن ضوئها فى باريس و صدق ما يقال عنها و أدرك تماما القول الشائع –عاصمة النور- تأمل لفترة طويلة أعمال الإنطباعيين فى فرنسا و أدرك لماذا نشأت هذه الحركة فى هذه البلاد دون غيرها و تغيرت طبيعة أعماله و كانت بداية مرحلة جديدة فى حياته حقآ.

و عاد بعدها لمرحلة البورتيريه مرة أخرى بعد ذهابه لمرحلة الطبيعة الصامتة و نرى تكرار فى الوجوه و لكن هذا التكرار نلاحظه فقط فى اللوحات إن رأينا كل منها على حدة و لكن حين ترى اللوحات فى أماكنها ترى كل منها يعبر عن مشاعر و أحاسيس متباينة.

و بعد أعوام طوال عاد لنفس الجامعة ببرلين ليحاضر بها لفترة طويلة بعد أن أثبت من خلال مراحله الفنية و من خلال معارض عديدة فى مختلف بقاع الأرض فنه و ثقافته فى بلاد الغربة.

و منذ عام 2002 و فى منزله الكائن ببرلين فى شارع باسم الشاعر الأشهر هيرمان هيسه تفرغ للتصوير الزيتى و الحفر و التأمل بين الفن المحيط به المتمثل فى كل شىء و محاولة تجسيده للمشاعر الإنسانية المعتملة جميعها فى وجه الإنسان.

معآ نتابع فى الصفحات التالية مروان قصاب باشى

الرجاء الذهاب للصفحات التالية عن طريق ضغط الأرقام من 2 إلى 6

مروان فى أعين من حوله

كتب عنه أسعد عرابى (*) بلغة عربية ثقيلة العيار و لكنها تحلل نفسيآ ما رآه فى الوجوه المتمثله فى لوحاته

لا يمكن تجاوز معرض مروان قصاب باشي الذي افتتح في «غاليري برلين»، واختص بلوحاته المائية ورسومه المنجزة بين عامي 1962 و 1971، ليس فقط لأنه أبرز عروضه أصالة، بل لأنه خصوصاً يكشف أبرز وجوه هذه الأصالة تطوراً وتطرفاً، هي التي كانت على الأغلب غائبة، خافية أو خجولة في معارضه العربية. هي التي تمثّل الأساس في كونه التحريضي الذي ينافس فيه توأمه العملاق في «مدرسة برلين» وهو جورج بازلتز(**).

بما أن مروان لا يملك معبراً الى هواجسه الأشد حميمية وذاكرته الفرويدية الباطنة سوى مرآة وجهه، فإن المعرض يفضح أكثر من أي مرة «القناع الانفصامي» بمعناه التعبيري والفكري، وليس بمعناه الباثولوجي العصابي أو الهذياني

يُسقط فناننا على شخوصه سواء كانت مذكرة أم مؤنثة ملامح وجهه المؤسلبة، وهنا ينقلب الإنفصام الثقافي الى انفصام إبداعي يعكس تجربته الوجودية المحتدمة والصادقة تخرج الأنثى من ذكورة الذكر والعكس بالعكس، وذلك ضمن مفهوم الموروث الميثولوجي اليوناني الموصوف «بالهرمافروديتية»، هي التي استخدمها فرويد في «التحليل النفسي» قبل أن يستعيرها السورياليون ثم التعبيريون اليوم وعلى رأسهم مروان (تشير نصوص المعرض الى العلاقة بادوار مونخ) تبدو هنا «هرمافروديتية» احباطية متوحدة منطوية في اغترابها الوجودي على الذات، ومستقلة بالتالي عن الجنس الآخر، ولا علاقة لهذه المواصفات الملحمية الوجودية بتيمة «التخنث». وذلك على رغم ما تحفل به من إلماحات جريئة: حلمية – احتلامية

تتراكم في رسوم المعرض صورة الأنثى التي تخرج من جسد الذكر المرواني، أو الهامات المزدوجة الهرمونات، ثم الوجوه المكتوبة والأنامل المنطوية، حبيسة البنطلون الخجول والفاحش في آن. يخرج من البورتريه الذكوري أحياناً ساق أنثوية ماجنة في حذاء عاهر، يقتصر في أبلغ رسومه على الرأس الذكوري المؤسلب يتمفصل رمزياً مع قدم وحذاء خليع أنثوي

اذا كنا نتحمس لغير المألوف في عوالم مروان فإن المألوف منها لا يقل إغراء وفتنة في الأداء، هذا الأداء المتصل بدوره بالشخصية الميثولوجية اليونانية: نرسيس هو الذي غرق أسطورياً في فتنة وجهه منعكساً في صفحة مرآة الماء. تعبر فرشاة مروان المحتدمة من مرآة ذاتية وجهة، تكسر كينونته اللونية، فتتراكم المقامات اللونية حتى تفترش الفصول الأربعة،

يفعل هذا بعد الاستحواذ عليها وتذويبها في شخصيته الاسلوبية المتميزة لا يخرج مروان من «نرجسيته» الا عندما يصوّر الآخرين مثل عبدالرحمن منيف أو شلبية ابراهيم أو أدونيس أو نذير نبعه والرزاز والسياب، فيبدو متفوقاً على عدمية وجهه السالف لدرجة أن المستوى الفني الذي يصور به «البورتريه» يكاد يتفوق على نظائره المعاصرة في أوروبا. وحتى ليكاد يكون معه أبرز فناني المهجر من أصل عربي. ولعله مع زميله بازلتز يمثلان خطين متوازيين لا يلتقـيـان مهما تدانيا، وهما الوافدان من «مدرسة برلين». فمروان يعتمد على البناء الوجداني في شظايا اللون البطيء، وبازلتز بعكسه يعتمد على التدمير المتسارع واللحظي. قد يملك بازلتز تأثيراً حداثياً أبلغ بسبب سادية استفزازاته، ولكن مروان أشد منه تأنقاً وتأملاً حرفياً، وعلينا أن نرصد تأثيره العميق في مواهب شابة بمستوى سبحان آدم وخالد بركة

أنتهت كلمات أسعد عرابى

وأستعير هنا مما كتبه عبد الرحمن منيف (**) فى كتابه مروان قصاب باشى .. رحلة الحياة و الفن عن – و هو من أروع ما كتب عن مروان وصفا و تفصيلآ و سلاسة – هذه السطور القادمة و عن علاقة مروان مع النور و الألوان مع وضع بعض العنواين

شمس باريس لها نور مختلف

كتب عبد الرحمن …..كان أول ما فاجىء مروان في إقامته الجديدة، في باريس – النور- خاصة بعد أن غرق في شحوب النور البرليني الكامد طوال سنوات متعاقبة، الامر الذي جعله يستعيد من جديد حيوية المتوسط وألقه من ناحية، وان يتمعن طويلا،وأكثر من قبل، بأعمال الانطباعيين الفرنسيين، خاصة مونيه ويدرك لماذا نشأت الانطباعية في هذا البلد، لا في غيره

من البلدان الأوروبية، وان يستخلص في النتيجة روح هذه المدرسة بأساليبها المتعددة من ناحية ثانية

يقول مروان وهو يستعيد تلك الفترة –لا يمكن فهم تجربة الانطباعيين الفرنسيين الا اعتمادا على الضوء، ضوء باريس وضوء المناطق الفرنسية الأخرى .ليس ذلك فقط، بل ان انطباعية

باريس تختلف عن انطباعية بحر الشمال، عن انطباعية جنوب فرنسا على ضفاف المتوسط، حتى أن الفنان الانطباعي نفسه تتغير ألوانه تبعا لكمية الضوء التي يقع تحت ثقلها.

يكتب مروان للفنان نذير نبعة، بعد الشهور الستة التي قضاها في باريس : لقد لاحظت فرق الضوء بين باريس وبرلين، كما لاحظت أن تغيرا أو منعطفا قد دخل الى أعمالي خلال نصف العام الماضي

تتغير علاقتي بالألوان مع الزمن

إن الألوان، دلالاتها وتغيراتها، عالم شاسع، كما تحتمل تفسيرات كثيرة . ورغم أهمية هذا الجانب لفهم الفنان، المصور، وتطوره إلا أن اللجوء الى الوسائل البسيطة والمباشرة، أو الخضوع لاغراءات علم النفس في التفسير، يمكن أن يؤدي، أحدهما أو كلاهما، الى فهم خاطيء أو ناقص،والى رؤية حالة أو مظهر جزئي في تطور هذا الفنان .

لنستمع الى مروان كيف عانى هذه التجربة،وكيف وصل الى ألوانه الخاصة يقول مراوان ::: تتغير علاقتي بالألوان مع الزمن، واستطيع أن أتحدث عن هذا بعد تجربة طويلة، والتغير يأتي عضويا، وهكذا يصنع الفنان لنفسه (باليتة ) أي مجموعة خاصة من الألوان، وهذه لا تأتي من المصنع مباشرة أو من الكيمياء،انها تأتي من الأصابع من القلب، ثم من عملية اكتشاف مستمرة، ولا تخلو من عنصر المغامرة

مروان وصل اذن الى ألوانه نتيجة المعرفة والتجربة والحدس، وهذه الألوان لا تتغير تبعا للموضوع فقط، بل وتنفير أيضا بتأثير عوامل داخلية وخارجية، بما فيها التقدم بالعمر

كما أن قراءة اللون – أي لون – تختلف حسب معرفة المشاهد وثقا فته وحالته النفسية، وفي حالات كثيرة تختلف الدلالات وتتغاير تبعا للسياق، أو زاوية الرؤية . حول ذلك يوضح مروان المراحل والدلالات بأن يقول :::: يوجد تأثير خارجي له علاقة بمتغيرات زمنية أو نفسية، وهذا لا يأتي بشكل حد فاصل، كنتيجة لعملية حسابية وانما يكتشف مع الوقت, إن الإصرار على لون معين، ونوعية ذلك اللون، يقدمان شيئا من المسيرة الذاتية للفنان.

وعن تأثير الرحلة الفرنسية عليه، وما تركت من تغير على ألوانه بشكل خاص يجيب مروان ::: لقد كان عام 1973 ذو تأثير كبير، اذ شكل منعطفا في تجربتي الفنية وفي تجربة اللون والضوء تحديدا، اذ لا توجد مدينة في العالم تشبه باريس وضواحيها بما يتعلق بالضوء.

الشمس تأتى من السواد و الأحمر يحطم اللوحة

وحين يسأل مروان عن اللون الأسود يجيب::: لم يكن للون الأسود معنى خاص بالنسبة لي، وغالبا ما كان بعيدا عن لوحاتي في المرحلتين الأولى والثانية صحيح ان للأسود معنى شعريا، وله صلة بالحزن والليل، أما تصعيده في وقت لاحق، في الأعمال التالية، فقد أخذ معنى جديدا. لقد حاولت في السنوات الأخيرة ان أصنع لوحات تمنيت أن تكون سوداء، وربما كان الدافع لهذا الاكتشاف اني كنت في أصيلة المغربية، وكانت شوارع المدينة بيضاء، وجدران بيوتها مطلية بالكلس الأبيض، ثم كان الضوء الهائل الموجود في المغرب .. قلت لنفسي : في هذا المكان لا يستطيع الانسان أن يرسم الا بالأسود ويكون للأسود هنا معناه الخاص والمختلف تحت هذا الضوء الهائل الذي ينبع من كل مكان، والذي يتساقط من الشمس الافريقية على أصيلة، وعلى معظم سواحل المتوسط، يصبح للون الأسود معنى ودلالات مغايرة للأمكنة الأخرى، وحول ذلك يقول مروان : أدلا يوجد فرق فني بين الأسود ونور الشمس، لأن الأسود يأتي من الشمس، والشمس تأتي من السواد، وبهذا تتغير الصفات وتغير المفاهيم، فتبعث بالشمس السواد، ويرسل السواد شمسا.

أما عن الألوان الأخرى، بما فيها اللون الأحمر، بتعدده، ورغم ما فيه من اغراء بالنسبة للفنان، وقوة جذب للمشاهد، فان مروان يجانبه الا فيما ندر. وحين يسأل عن الأحمر يقول ::: الأحمر فخ، تضعه على الباليت يضيء، تضعه على اللوحة غالبا ما يحطمها، خاصة عندي

وحين يشار الى بعض اللوحات، وما فيها من حمرة

يجيب ::: لا استعمل الأحمر الا قليلا. استعملته في الماريونيت (الدمية ) كنت اتلاعب به وألعب معه وكان يعبر عن عاطفتي.

مرسمه فى برلين يلعب فيه الحمار


لأن اللون هو ضوء معنى ما، فان ضوء باريس الذي أدهش مروان، وذكره كثيرا بدمشق، بالشرق جعله ببحث بالحاح عن مرسم ملي ء بالضوء في برلين . لنقرأ ما يقوله عن فلسفة اللون، وهو يبحث من المرسم الذي يريده الضوء في المرسم، أو المنطقة التي يرسم فيها العمل، له تأثير كبير، ولكن الفرح، مهما كان مصدره، يأتي أصلا من عملية الخلق، ولو كان ظاهر اللون حزينا وفي محاولة للقبض على كم اضافي من النور، بعد أن هجم الخريف بأيامه القصيرة على برلين، يواصل مروان البحث عن المرسم – الحلم، والذي يحدد مواصفاته كما يلي ::: سأحاول استئجار مرسم في الأيام القادمة . أريده أن يكون كبيرا واسعا بحيث يلعب فيه الحمار (على وزن الخيال ) هناك مكان معروض سأراه في مطلع الأسبوع القادم.

ويمر الخريف كله وبعده الشتاء وفي منتصف الربيع يجد مروان المرسم الذي يبحث عنه . كان كبيرا، واسعا، مضينا واليه سوف ينقل الطبيعة بعد أن تعذر عليه الخروج الى الطبيعة . وعن مرسمه يقول ::: صار واضحا لي مدى أهمية اتساع المرسم من أجل الرؤية الصحيحة، خاصة اذا كانت اللوحة كبيرة . والأمر ذاته ينطبق أيضا على اللوحة الصغيرة، حيث يندمج حس التفاصيل والتقنية الى جانب الشكل والقوة والصواب، ولرؤية العمل من قريب ومن بعيد.

و كأمنية لأى فنان تعلق مروان بمرسمه، وشعر أثناء وجوده فيه بالالفة والقوة وأخذ يقيم علاقة خاصة بالطبيعة التي تحيط بالمرسم أو ترى منه، وبالتالي تعمقت رؤيته للموجودات حوله، مهما كانت صغيرة ويومية.

تقول شلبية ابراهيم، الفنانة القطرية الرائعة، انها لم تستطع أن تبقى وحيدة مع أحدى لوحات مروان . كانت اللوحة تتحرك، تتغير يغادرها كل ما فيها من بشر وأشياء وروائح، الأمر الذي جعلها تدير للوحة ظهرها، ثم اضطرت لمغادرة الغرفة.

و رغم إنها كانت تتحدث عن إحدى لوحات الطبيعة الصامتة إلا إننى أظن إنه الحال مع كل لوحات مروان.

وصلت وجوه مروان الى حالة من العذاب والتفتت، الأمر الذي جعله يوقف هذه المرحلة ويبحث عن آفاق جديدة . كانت البداية للطبيعة الصامتة، والتي تخللتها الدمية، ثم أصبحت الدمية وحدها موضوعا لعمله لبضع سنين

و لموضوع الدمية و الطبيعة الصامتة لنا وقفة طويلة أخرى.

فاذا عرفنا ان طريقة مروان في التقدم نحو هدف تعتمد أسلوبا غير مباشر، حلزونيا أو لولبيا، بحيث يتحقق الصعود بهدوء وبعض الأحيان دون أن يحس به، فان الحلقات المترابطة التي تجمع البدايات مع المراحل اللاحقة، تتضح في الماريونيت أكثر مما تتضح في مراحل أخرى.

إنتهى كلام عبد الرحمن منيف رحمه الله

دمشق – برلين – دمشق

كتب خليل صويلح عن معرض مروان قصاب باشى الأخير فى دمشق ::: معرض دمشق –برلين-دمشق

يتيح هذا المعرض فرصة استثنائية للتعرف عن كثب على تجربة هذا التشكيلي السوري البارز ولعل هذه البدايات التي تتكئ على الانطباعية قبل أن يتحول إلى التعبيرية بتأثير من إقامته في برلين.

التناقض بين فضاء مفتوح وآخر صارم في معطياته، قاد تجربة مروان إلى نسيج بصري خلاّق، تجلى أخيراً برسمه الوجوه أو ما يسميه هو «وجوه مشهدية» لكن وجوه مروان المتشابهة لا تعني التكرار، أو الوقوف عند محطة واحدة، فحتى هذه المرحلة دخلت في أنساق بصرية متعددة، مسرحها الوجه بتضاريسه المتحوّلة، ففيما كانت وجوهه عرضانية في المرحلة الأولى، تتخللها إشارات تجريدية، ها هي اليوم تذهب باتجاه تفاصيل مبهمة عبر خطوط متشابكة أشبه ما تكون بالمتاهة.

فوجوه مروان مخطوفة بالأسى، وبحشد من العناصر المتشابكة في تقاطعات لونية، تعكس جحيم الداخل، إلى الدرجة التي تختفي فيها ملامح الوجه إلى مجرد إشارات أو علامات، تنتهي إلى بؤرة مركزية عند الفم، حيث تحتشد الأسئلة، وكأن صرخة مكبوتة ستنفجر بعد قليل، وهذا ما يشير إليه

و البورتيريه فى مرحلته الجديدة عند مروان, هي كائنات نتاج حدس لوني أولاً، بدليل أنه لم يعد يكتفي برسم وجه واحد في اللوحة، إنما أخذ يرسم وجهاً معكوساً بمرآة لونية مختلفة عن الأولى، وأحياناً تتجاور ثلاثة وجوه بحالات مختلفة، ناتجة عن قلق وجودي عميق في تأكيد لحظة ثم هدمها، جرياً على عادته في معظم رسوماته، فهذا الفنان ليس مرهوناً ليقين نهائي، إذ تتنازعه رؤى متناقضة، تجد تجلياتها في وجوهه المنهوبة، وألوانه الداكنة التي تعبر عن عمق المأساة التي تقف وراء هذه الكائنات بثنائيات الغياب والحضور، أو الحياة والموت، تبعاً لدوائر الانجذاب للوصول إلى الذروة الفكرية واللونية بآن واحد.

هكذا يبدو بورتريه أدونيس، في ركن من المعرض، وكأنه ترجيع لنصوصه واضطراباته الحسية والروحية، والأمر ذاته، نجده في بورتريه عبد الرحمن منيف وانكسارات وجهه الصحراوي، حيث يغلب اللون البني والأحمر الداكن بما يشبه صحراء مثلومة بالألغاز، إلى جانب بعض رسائل مروان إليه وتخطيطاته المائية لبعض رواياته مثل “مدن الملح”، و”شرق المتوسط”.
إنتهى كلام خليل صويلح

و كتب الناقد الألماني يورن ميركيرت يقول عن الوجوه المرسومة لمروان : جميع هذه التكوينات البشرية تقف وسط فضاءٍ خاوٍ ضاغط، انسحب منه العالم الخارجي كلياً. ومع ذلك فإنها جميعها مأزومة. إنها صامتة كما خلف لوح زجاج يفصلها عن العالم الخارجي بشكل عازل.

كتب عنه كثيرون لا مجال لسرد ما كتبوه هنا من أمثال روبرت كود يلكا و كنون تيغرز و الناقد شميت و يورن ميركريت.

و يقول مروان قصاب باشى إن مصدر لوحاتي هو إشارات خارجية، تتسلل إلى وجداني، وأبدأ بها، في تصورات البناء، إلى أن تتشكل على سطح القماشة الأولى، ثم أحاور هذه الألوان والأشكال، كي أصل إلى الجواب النهائي، وكثيراً ما أحس بالندم، حين أعود إلى السطوح الأساسية للوحاتي، وكيف نسفتها برؤى جديدة، تبدو وكأنها خريطة للخراب والاغتصاب والحزن”.

و يقول في حوار قديم له ردآ على سؤال عن كيفية رسم لوحاته قال: أضع قطعة من الخيال فوق قطعة القماش، وبعد ذلك، أبدأ بعملية التعذيب.. التعذيب هنا، أنني أستذكر كل ما هو كائنفي رأسي حتى إذا ما كان لدي بعض الهفوات، أحاول محاورتها، لأن الفنان الحقيقي هو الأكثر تعذيبا

و ختامآ

أرى بعد الإبحار مع هذا الفنان بعطره الشرقى و شموخ وقفته و عمق خبرته إننا أمام تجربة فنيه ثرية تعلمت منها الكثير عندما أردت التقرب من عالم هذا الفنان و إستمتعت معه حقآ.

الفنان فى سطور

إلى صفحة معلومات عن الفنان

مروان قصاب باشي فى سطور

::: 1934 ::: ولد مروان قصاب باشي بدمشق – سوريا.
::: 1955- 1957 ::: درس الآداب في جامعة دمشق.

::: 1957- 1963 ::: سافر مروان ليدرس فى أكاديمية للفن في كلية برلين العليا للفنون الجميلة. (برلين يونيفرستيات در كونست)

::: 1963 ::: إلتحق بمصنع للجلود للعمل به نهارا،بينما خصص ليله للرسم و أصبح رساما حرآ.

::: 1966 ::: حصل على جائزة كارل هوفر- برلين.
::: 1973 ::: حصل على منحة مدينة الفنون فى باريس.
::: 1980- 2003 ::: عمل إستاذآ لفن الرسم فى الكلية التى تعلم بها الفن.

::: 2005 ::: حصل على وسام الاستحقاق الألماني من الدرجة الاولى وأقيمت له احتفالية في دمشق بعنوان ((مروان في دمشق)) أقامتها المفوضية الأوروبية والمركز الثقافي الالماني وغاليري اتاسي رافقه معرض اقيم في خان اسعد باشا بدمشق..

متفرغ حاليآ للنحت و التصوير الزيتى
و قد أقام مروان عددا كبيرا من المعارض الخاصة لأعماله في دمشق والقاهرة وبغداد وبيروت وعمان، وفي العديد من المدن في أوربا وفي الولايات المتحدة.

يقتني أعماله عدد من أهم المتاحف في العالم.

صاحب معارضه صدور عدد من الكتب والكتيبات من بينها

كتاب “من مروان إلى أطفال فلسطين” الذي ضم توثيقا لمجموعة الأعمال التي أهداها الفنان لجامعة بيرزيت الفلسطينية ومركز خليل السكاكيني الثقافي برام الله، ونشر الكتاب “معهد غوته” عام 1998.
صدر في دمشق مجلد كبير مصور عن أعمال مروان بنص للروائي عبد الرحمن منيف بعنوان مروان قصاب باشي – رحلة الحياة و الفن 1996
أصدرت السيدة منى أتاسي كتابا عن تجرتبه يتضمن عددا كبيرا من لوحاته

(*) باريس- أسعد عرابى – دار الحياة

(**) و من الأشياء الطريفة التى تذكر لهذا الفنان المتميز المرهف الحس جورج بازلتز و من ممثلى مرحلة ما بعد الحداثة إن الفنان يقوم بعرض بعض أعماله مقلوبة احتجاجًا على الفوضى التي تعم الكرة الأرضية. وسأكتب عن هذا الفنان مقالة منفردة.

(***) عبدالرحمن منيف كاتب وروائي عربي يقيم في سوريا

المصادر

كتاب مروان قصاب باشى رحلة الحياة و الفن لعبد الرحمن منيف

daratalfunun.org

دار الحياة

ويكيبيديا

البورتيريه و القلم

هانى الجيزاوى

البورتيريه إهداء لموقع فنون 9-2010