fenon

فَرْفور – للكاتب محمد مستجاب

فَرْفور

ظللت أرى في كلمة (فرفور) لفظاً عاميّاً نستخدمه نحن – عامة الشعب: بعيداً عن رصانة الفصحى, على أساس أن (الفرفور) وصف ساخر لذوي الدم الخفيف والحركات السريعة والتصرّفات الطائشة – أو الحمقاء – التي لا خطر منها, إنهم أفراد يعبّرون عما يجول في خاطر ذوي الرزانة الحكيمة – أو الثقيلة – بالتعليقات الذكية اللمّاحة – والتي تكون شائكة في بعض الأحيان, إنهم – هؤلاء الفرافير – الذين استخدمهم مباشرة يوسف إدريس ليعبّر عمّا نتمنى أن نعلنه في مسرحيته الشهيرة, والتي قام فيها الصديق العزيز الفنان عبدالسلام محـــمد – قــبل أن نصبــح صديقين بسنوات ـ بدور الفرفور, ولم يطرأ في عقلي خلال تلك الأحقاب – وبسبب ما أصابه من اتزّان الثقافة – أن الفرفور يمكنه أن يحتل موقعاً ذا شأن في قواميس اللغة العربية, وأنني أستطيع استخدام لفظ الفرفور دون أن أحاصره بقوسين, وأنه يعني – مباشرة دون مجاز – الغلام الشاب (أي الذي بين مرحلتي الغلومة والشباب), والعصفور الصغير (الزقزوق), والفعل فرفر: أسرع في خطوات متقاربة, ثم فرفر: طاش عقله, وسارع إلى الحماقة, وفرفر في كلامه: خلّط وأكثر في اندفاع (ومنه جاءت كلمة فِرْفِر – بكسر الفاء الأولى والثانية مع تسكين الراء الأولى في اللفظ الذي يعني المدفع القصير أو المسدس الغليظ عند وصفنا لهذا السلاح سهل الحمل عند الجماهير دون اهتمام بعدم إقرار هذا الفرفر في المعاجم أو صناعة السلاح), وفرفر الشيء شقّقه وحطّمه, وفرفر الذئب الشاة: مزّقها. كما أن هذا النوع من الفرفرة القاسية يمكن تخفيفه حينما نفرفر الشيء: أن ننفضه ونستبعده أو ننظفه من الغبار, أما إذا قام واحد ففرفر واحداً آخر فإنه يكون قد نال من سيرته بما يشين العرض – أي عرّض به, وتكلم فيما لا يصح عنه, وفي حديث نبوي رواه عون بن عبدالله (ما رأيت رجلاً يفرفر الدنيا فرفرة هذا الأعرج) أي يذمّها ويمزّقها بالدم والوقيعة فهو فرفار: أي يعلو على شأن الحياة الدنيا ضيق الصدر بها.

ويتسع أمر الفرفور إلى ولد المعزة والنعجة والبقرة بما يتسم به من تقافز طائش أخرق, وهو ما يتصف به أنواع من ذوي الدم الخفيف مثيري المرح: شيبوب أخو عنترة بن شداد كمثال, وجميع الأفراد الذين يعيشون في ظلال الأبطال ليكونوا الجواب الساخر في القرار الصادر من ذوي البأس: في المسرح والسينما والروايات المكتوبة أو المنقولة شفاهياً, لكن الأمر يتجاوز هذا المعنى حينما يصل فعل الفرفرة إلى الأسد – دون معاون له – لينفرد بصيده من الغزلان فيمزّقها, دون أن يحسّ اللغويون بحرج حينما يُضْفُون على الحمل – الخروف أو الجدي الصغير – صفة الفرفرة خروجاً على السلوك الطائش المتقافز ليعنوا أن الحمل – في هذه المرة – فرفر: أي سمن واستكرش (أصبح ذا كرش) ووصل إلى مرحلة الإخصاب, لكن الفرس الذي يقع في الفرفرة, إنما تعنى أنه قام بتحريك اللجام حتى نجح في خلعه عن رأسه.

بعد ذلك تصيب الفرفرة علم النبات ليصبح الفرفار اسماً لشجر صلب قادر على تحمّل النيران فتؤخذ من خشبه القصاع (جمع قصعة ولا تحاول التعالي عن اللغة الشعبية يا صديقي – فهي فصحى أيضا), كما أن الفرفار مركب من المراكب يخصص للنساء فقط, فإذا انكسر الفرفار أو الفرفور ليصبح فرفيراً, فإنما هو نوع من الألوان الحمراء القانية جداً, ويمكنك – إن استطعت – أن تقتني الجوهر الفرفيري, الذي قد يقودنا إلى أنواع من الفرفرة تضيق بها الفصحى ونهمس بها في اللغات واللهجات الشعبية أثناء المطاردة المرحة والساخنة بين عاشقين قد تتاح لهما فرصة الفرفرة, والتي ننظر إليها بنصف عين ودون أن نخفي ما في القلب من رغبة جامحة نتوقف عنها الآن, حتى لو فاتنا أن ننبّه أن في مصر واحة الفرافرة ذات الهواء الجميل والنسيم العليل والسكون الرقيق الذي لا يحول بينك وبين مشاهد متوالية لفرافير المراعي من غزلان وماعز وشياه

كلمات لها معنى

لا تمعن كثيراً في السطوح الجامدة للحوائط والجدران, ضع فوقها بعض اللوحات الجميلة, ثم امعن فيها كما تحب.

نلجأ إلى وضــــع أيديــنا في جـــيوبنا أثــــناء إصــــدار الأوامر, فينتبه الآخرون إلينا جيداً, وخصوصاً زوجاتنا.

أيّ سعادة تصل إلى الوجه ليبتسم ويصبح بشوشاً دون المرور على القلب, فإنها نوع من المجاملة – أقصد النفاق الهزيل…

الجوع قد يهدد المخ, لكن الشبع المتخم فإنه لا يهدد المخ: يفلطحه حتى يصبح بركة أو مستنقعاً راكداً لا يصلح للتفكير… أو حتى التدمير.

محمد مستجاب