fenon

صدق الاحتراف وجماليات الأداء

رؤية: مجاهد العزب

د. السيد القماش هو رئيس قسم التصوير الجداري بكلية الفنون الجميلة ، جامعة المنيا .. مواليد مدينة طنطا .. عضو فاعل في العديد من الجمعيات الفنية والنقدية ، إلى جانب إسهاماته في الحركة التشكيلية المصرية والعربية وله العديد من المعارض الفردية والجماعية في جميع أنحاء العالم ( 30 معرضا فرديا ـ 135 معرضا دوليا ) وحاصل على 36 جائزة دولية في فروع الفن المختلفة .

يقول : ” جدي لوالدي ( السيد القماش الكبير ) والذي سميت باسمه وتبركا بالسيد البدوي ، كان يعمل نحاتا لحجر الطواحين الدائرية العملاقة لوابور الطحين الفرنساوي الشهير بالسبع حجارة ” . ( * )

السيد القماش في معرضه الأخير ـ جداريات خزفية ـ يقدم لنا نموذجا جديدا من الإبداع التقني في الشكل والخامة معا .. تجربة تستحق الاهتمام والإشادة استمرت عبر خمسة وعشرين لوحة بمساحتين وطرق تعبير مختلفة ، بين تجريدية وسريالية وعمل تركيبي ورسم خطي .

أنت إذن في صحبة معلم يجيد عرض تجربته الجديدة أمام تلاميذه ـ مشاهديه ـ بأساليب متنوعة ، محاولا كعادته طرح بعض المفاهيم الخاصة به والتأكيد عليها من خلال حواراته معهم أثناء تجوالهم بين المعروض .

يقول : ” أن الفن يولد من أقل الأشياء وأبسطها .. والخامة ـ أيا كانت ـ فهي متعددة العطاء ، قادرة على التعبير عن ذاتها ووفقا لما يتاح لها من استخدام .. والعمل الفني له قيم صارمة لا يمكن تجاوزها أو التهاون معها ، أولها قدرته على البقاء ، وآخرها أن يقدم في أحسن ما يكون من حيث الترتيب والإخراج والعرض ” . ( 1 )

لا تندهش بالكلفة العالية للخامات المستخدمة وأنت تضع أولى قدميك داخل صالة العرض ، ولا بإطار اللوحات العريض بلونه البني المائل للصفرة غير الموفق ، أو بتلك الورقة الملصوقة بجوار كل لوحة وبخط عشوائي كتب عليها تفاصيل العمل وخاماته ودرجة حرارة حرق بلاطة الخزف داخل الفرن !! .. أنت بين متناقضين ، لكن يكفيك وجه القماش وهو يلقاك مبتسما بسيطا هادئا يسر لك ـ خاصة ـ بكلمات الترحيب .

دخلت .. انتهى الترحيب الهادئ والحديث الودي ؟! ، غرقت في بحر هائج من الأفكار ، تأخذك بعيدا ، تروح وتجئ ، تسلمك لوحة لأخرى .. لا تنتبه لمن حولك ، أنت ومرآتك ، وحدك وجها لوجه .. وكأن السيد القماش قد تعمد وبمكر ملاقاتك ، وأن يضعك هكذا أمامك بعد وقت من الترحاب والبشاشة وهدوء يسبق عاصفة حالك ، لترى حقيقتك مجردة دون قناع .

يقول : ” أما جدي لأمي ، فكانت مهنته عمل نماذج الجبس للعديد من الأشكال والعناصر الزخرفية على هيئة عناقيد عنب ورسوم نباتية ورؤوس نمور وأسود وحيوانات أخرى ” . ( * )

صورتك الأولى :

( من منظور عين الطائر ) يقف بصرك للحظة أمام طائر ملون ووضع غريب ، فوق عش بخطوط قاسية ومخالب ، لا تبني أية جسور معه ، وتنفر منه رغم ألوانه الزاهية .. هو طائر الموت ، تتركه لتدور بقوس في اتجاه عقرب الساعة ـ هكذا بنيت اللوحة ـ لتراك طفلا وليدا بليل .. أفراح وتعاويذ أسبوعك الأول .. كبر الطفل ، تزاوج وأخصب .. صار شيخا فمرض ومات ، ليقبر مع الأمراء والكبراء والصعاليك وهوام الأرض .. هي شجرة حياتك بتفاصيلها .

حالة من الاستغراق الذهني وطرح الأسئلة محاولة للفهم .. كل الموتى أزواج ( ذكر وأنثى ) حتى ابن آوى !! .. ولأننا كمصريين نعرف ماهية الرمز وكونه الإله الجنائزي المتوج في طقوس الموتى عند أجدادنا القدامى ، لكن جديد السيد القماش أن جعله زوجا وألبسه زيا جديدا مائلا للبياض المزركش رغم ما عرف عنه في التراث القديم أنه باللون الأسود ( لون البعث ) .

الكل يموت ، حتى ابن آوى حارس القبور ومشيع الأجساد ، لم يعد يقوم بمهمته الموكلة إليه وينتظر من يصاحبه إلى مثواه الأخير .. ينتظر من يقيم طقوسه الجنائزية ، من يلقنه كلمته الأخيرة .. إلا طائر الموت ، يظل قابعا في أعلى مكان بألوانه الزاهية وريشه الطاووسي ومخالبه !! .

يقول : ” والدي صالح القماش ، في بداية حياته العملية .. قام بتصنيع ونحت قوالب صب العرائس الخاصة بالمولد النبوي ومولد السـيد البدوي ( حلاوة المولد ) مدة تتراوح بين الست أو السبع سنوات .. تركها وعمل في صناعة الاسطمبات المعدنية ” . ( * )

صورتك الثانية :

وحدك تحاول والمجهول ، عاريا ، لا تفصلك عن لحظة الموت سوى صرخاتك في الفراغ وعيون يملؤها الرعب وقطرات الملح المسال ، تنخر جلدك الواهن .. تحطمت أشرعتك كلها ، غاصت أطرافك وقاع سفينتك الخربة .. لم يبق لك من معين .. خارت قواك حتى استحال إدعاء البطولة .. من يخرجك الآن ، وأنت كما أنت .. هو .. نعم هو .

حالة من الخوف والرعب المباغت ، وهج وسماء مصفرة وحركة دوامة دائمة تحاصرك وتمسك بتلابيب جسدك وعينك ، لا تستطيع الإفلات .. ثم كتابات حذرة متقطعة ، حادة نحيفة في جانب .. تعلو رويدا رويدا في جانب آخر ، تصل إلى صراخ أحادي ولا مجيب ، وكأنك قد أسلمت حالك لمن هو نعم المولى ونعم النصير .

يقول : ” حلقات الزار عند قريبتنا ( الشيخة أم سعاد ) .. تلك الحلقات المليئة بالخرافة والشعوذة ، أشاهد حركات النساء ورقصاتهن المتشنجة ، ملابس وألوان غريبة وطيور ذبيحة ، إيقاعات ترج قلبي ورائحة بخور ” . ( * )

صورتك الثالثة :

مقدمة قطار في مهب الريح .. كتل بشرية ممددة الأطراف وأنثى تفرد ذراعيها .. حرف الحاء باتجاهات مختلفة .. ثم .. يستخدم السيد القماش لغة الاختزال الصوفية الدالة على وجود المعنى .. يدخلها في توافق جريء مع الحلول الشكلية .. فحرف الحاء له عدة دلالات لفظية :

حب .. حياة .. حدة .. حريق .. حيرة .. حذق .. حميمية .. حاد .. حوى … الخ ، وهي كلها إيحاءات يفرزها حرف الحاء مجردا .. إلى جانب هذا ، فله أيضا دلالة شكلية تظهر في تنوع كتابته داخل الكلمات ونوع الخط الذي يكتب به :

ثلث .. ديواني .. فارسي … الخ .

لكن السيد القماش يتعمد كتابته بالخط الحر الحديث لخلق تكوينات جديدة تناسب ما يريد توصيله من معنى مضاف لدلالة اللون فوق المسطح الكامل للوحة .. فهو يستخدم اللون الوردي والبني الفاتح المائل للحمرة ، لخلق حالة رومانسية قريبة للحلم ، بعيدة عن التأكيد البصري الصريح ، اللهم إلا في خطوط خارجية أكثر تصارعا والتحاما .

خاتمة :

بعيدا عن القراءة الذهنية للوحاته ومفرداتها ، وما تعنيه دلالتها وتحتويه من مضامين .. يبقى السؤال الأكبر والأشد إلحاحا ، وكلما انتهينا منه نعود :

هل تكفي الذهنية فقط لتقيم فنا ؟! .

هل تكفي الأفكار والفلسفات والمقولات المأثورة والنظريات .. التاريخ كله وما تعارفنا عليه من خبرات ؟! .

هذه واحدة .

والثانية : هل تقيم الحرفة ” الصنعة ” فنا ؟!! .

في ظني أن الفنان ـ أي فنان ـ لابد من جمعه لثلاثة محاور أساسية لاكتماله الفني .. المحور الأول ، يتلخص في قدرته على امتلاك أدواته وخاماته ووسائط تعبيره بكل ما فيها من حرف الصناع ومهارتهم .. والمحور الثاني ، في استيعابه الكامل لثقافة مجتمعه وقضاياه والأفكار المؤسسة لها ، من قيم وأعراف وسلوك ومتغير وسير شعبية وحكايات .. أما المحور الثالث والأهم ، فيكمن في عمق الأداء وسحره وقدرته على خلق علاقات وقيم جمالية ومساحة مراوغة ، يترك فيها للمتابع والمتلقي فرصة إعمال خياله . أعمال السيد القماش في عمومها ـ من وجهة نظر الكثيرين ـ يشوبها الغموض الذي يصل أحيانا إلى حد الطلسم ، ناهيك عن الانزعاج البصري ، فتنفر منها ولا تتابع .. لا أنت قادر على اختراقها أو التفاعل معها ولو في أضيق حدودها الحسية !! .

وفي تجربته الحالية ، أجد قصورا ظاهرا في معرفة تكنولوجيا المواد وخصائصها وكيفية التعامل معها من حيث الأداء التقني .. إذ من المفترض ـ حسب تعبيره ـ أنه يقدم أعمالا جدارية معالجة السطح تصلح للاستخدام في واجهات الأبنية بكلفة اقتصادية أقل !! .

يستخدم الفنان الدكتور /السيد القماش مادة الإيبوكس الشفاف ، فوق مسطح خزفي من الطين المحروق وبعد تلوينه بألوان مختلفة .. وهي مادة غالية الثمن مقارنة بمثيلاتها من تقنيات قديمة ـ الجليز مثلا ـ ولا تقاوم عوامل التعرية ، بل على العكس ، قد تكون عاملا مؤثرا إضافيا لإهلاك الواجهة بالكامل !! .

ملاحظة عابرة :

بيكاسو .. كاندنسكي .. بول كيلي .. فازريللي

كلها أسماء طرحت أثناء العرض !!! .

وكم من حماقات ترتكب باسم النقد !!

( * ) فقرات من سيرة الفنان .

( 1 ) من حديث جانبي خاص .

الفنان د. السيد القماش

قاذف لهب فوق جدار مهترئ

حاوره : مجاهد العزب

أن تشاهد لوحات فنان وتحاورها .. تقترب منها ، أو تقتنيها لتعلقها في بهو منزلك العامر باللوحات والرسوم وزخارف الأبهاء .. تعشقها لمجرد التذكرة بماض بعيد وألفة مفتقدة متغلغلة داخلك ، أو بحبك الأول الذي أصبح تاريخا إلا من ذكرى يعيدها تشابه ملامح ، أو لون ستائر بيت طفولتك وحوائطه ووجوه من عبروا حياتك ، آلامك وأحلامك ، أفراحك وغضبك ، أحزانك القديمة .

كلها تحدث وأنت تتابع أعمال الفنانين التشكيليين ـ الرسامين منهم خاصة ـ ومعارضهم .. غير أن الأمر لا يكون واحدا مع كلهم ، ولا تتساوى الرؤى المطروحة وقوة الاقتراب من العمل الفني ، وقد تعجز الأعمال الفنية عن الارتقاء إلى مستواك الذهني وعمق تجاربك المعرفية ولا تخاطب مشاعرك الإنسانية .. ترجئ المتابعة أو تنحي وجهك بعيدا علك تجد ما يستحق ، فمعظم المعروض هش سطحي ، لا يصل إلى ما تشعر به أنت من مشاعر حبيسة وذكريات ، ولا تستطيع التواصل معه أو خلق علاقة ـ ولو هامشية ـ بينك وبينه .

ناهيك عن تأخر الفنان ذاته وعدم مقدرته على ملاحقة تكنولوجيا العصر واستيعاب تطورات ما بها من تقنيات وأدوات وأجهزة ووحدات تصوير ، وما أحدثته من ثورات وقفزات رهيبة خلال القرن الفائت كله ، ومازالت ، تحاكي ما يفعله الفنان وتفوقت عليه ، أوقعته في دوامة الارتباك والحيرة وعدم قدرة على الاستمرار بطرقه القديمة وتقنياته التي ألفها .

لكن الأمر يختلف عند البعض من فنانينا ذوي الكفاءة العالية ، القادرين على التجديد الدائم والبحث الدؤوب والحيلة لخلق الأفكار والتعبير عنها بأعمال فنية متوازنة بين ما هو تقني وإنساني ، تخاطب العقل وتفتح سبلا متعددة وآفاقا رحبة للمزيد من التحاور ورد الفعل ، آخذين في اعتبارهم وقناعتهم : أن الفن توصيف وتوظيف ودلالة ، وأن الفنان الحقيقي كم من الأحاسيس والمدركات التي يحولها إلى أشكال ذات دلالة بحسب تعبير هنري ماتيس ، قريب من بيئته ومجتمعه .. السيد القماش واحد من هؤلاء .

ولأن الفنان الدكتور / السيد القماش ـ للذين لا يعرفونه ـ هو رئيس قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة ، جامعة المنيا .. مواليد مدينة طنطا .. عضو فاعل في العديد من الجمعيات الفنية والنقدية ، إلى جانب إسهاماته في الحركة التشكيلية المصرية والعربية وله العديد من المعارض الفردية والجماعية في جميع أنحاء العالم (30 معرضا فرديا ـ 135 معرضا دوليا ) وحاصل على 36 جائزة دولية في فروع الفن المختلفة .. كان لابد من التحاور معه في العديد من القضايا الفنية المثارة حول أعماله على الساحة وتحمل جدلا كبيرا في الأوساط التشكيلية خاصة والثقافية بشكل عام .

ـ بماذا تحب أن أناديك الآن ؟

طبعا الفنان ، لكن الدكتوراه هذه شهادة ، حصلنا عليها كدرجة علمية لوظيفة جامعية ولو لم أحصل عليها لرفدت من الجامعة .. هنا في معرضي أحب الفنان / السيد القماش ويسعدني جدا أن أكون هنا بهذه الصفة .. أما في الجامعة فالدكتور الأستاذ ، من أجل مسايرة من حولي والحفاظ على مكانتي الوظيفية ، لكن الفنان السيد القماش بالنسبة لي هو صاحب الفكر ، هو صاحب الأداء ، لأن فنانين كثيرين في العالم وعلى درجة كبيرة من الأهمية لا يحملون درجة الدكتوراه .

لكن درجة الماجستير والدكتوراه التي نحصل عليها تكمل وظيفة علمية ونتيجة لأبحاث وتجارب فنية لا ننكرها ولابد من إعطائها حقها .. في رسالة الماجستير مثلا ، كانت لي تجربة فنية كبيرة جدا مع مناقشتها للتأكيد على استفادتي من البحث الذي تناول مقابر بني حسن محافظة المنيا ، وفي رسالة الدكتوراه عملت معرضا كبيرا بحوالي خمسة وعشرين عمل فني كبير تأكد مدى استيعابي للتصوير الجداري والتكوينات التي أقوم بها ، فالاثنين متوائمين مع بعضهما ، لكن في معرضي هذا أحب أن أكون الفنان / السيد القماش .

ـ مفهوم التوصيف والتوظيف والدلالة …

التوصيف .. لا أريد أن أقول توصيف بل نحن نضع القواعد .. للجداريات مثلا ، يمكن أن تكون قواعد مستحدثة ، لكن هناك قواعد معروفة .. فلو نظرنا مثلا على القواعد الكلاسيكية للجداريات البدائية فنجدها مرتبطة بالسحر وتعامل البدائيين مع بيئة مليئة بالوحوش الضارية وتقلبات الطبيعة القاسية من مطر وزلازل .. الخ ، وهذا جزء من التوصيف .. أما التصوير الجداري الفرعوني ، فكان مرتبطا بالدين والموت والعودة ، بالبعث والخلود .. أما في الفنون الإسلامية فمرتبطة بالتجريد والروحانية والإله الواحد الأحد وعناصرها كلها تتجه إلى الأعلى منادية بالتوحيد .. وفي التصوير القبطي مع قلته ، فكان مرتبطا كله بالإنجيل وقصصه ، ولو نظرنا في الجداريات القبطية الشرقية ففيها السيد المسيح ومريم العذراء والحواريين ، كلهم تقريبا ، باستخدام دلالتهم ورمزيتهم الدينية .. وفي الفنون الرومانيسكية الأوروبية ، كانت مرتبطة بالحكايات والقصص والموضوعات الإنجيلية .. مايكل أنجلو وأنطونيو كريجو ورافاييل .. وغيرهم .

في هذا المعرض نحن لا نقول نحدد توصيف ، بل قواعد معاصرة مرتبطة بالمجتمع لتأكيد توصيف الجدارية في العصر الحديث ، الآن مثلا ، الجداريات أصبحت مرتبطة باتجاهات فنية معاصرة ، كما أنها لصيقة الواقع المعاش ، أعني أن هناك جداريات تتحدث عن الزراعة كما تحدثت وعبرت الفنون القديمة بأفكارها وعناصرها وهدفها ، لكن مختلفة ، فشكل الفلاح والعناصرالنباتية والأدوات اختلفت كلها ، حتى في وضع الرسوم .. الفرعوني كان يضع الرسوم في أنهر أو شرائط تحاكي يومه من بدايته لنهايته ، لكن الآن الجداريات المعاصرة تحاكي مائة سنة أو متأثرة ومنقولة تعبر عن حالة الزراعة كلها أو حالة الصناعة ، حالة الرياضة مثلا ، هذا إذا كانت موضوعات .. وباختلاف المدارس الفنية تختلف الأفكار ، فللسريالية فكر ، والواقعية كذلك ، والكلاسيكية تهتم بدراسة الموديل والتركيز على التفاصيل التشريحية .. الخلاصة أن هذا التوصيف مهم جدا ونحتاجه دائما في تاريخ الفن الجداري من البدائي حتى اليوم .

أما الدلالات والرمزية ، فهي ترتبط بنوعين ، دلالة الخامة ودلالة الشكل .. فدلالة الخامة ، لو أنك مثلا تعمل بالزجاج الملون أو المعشق ، كيف تستفيد من خاصية الزجاج وشفافيته واختراق الأشعة ، إذا كانت الإضاءة من الداخل أو الخارج ، فكلاهما له سحره الخاص ، كذلك اتجاه زاوية الضوء على المسطح ، هذا بالنسبة للخامة واللون .. ودلالة الشكل المرسوم بالخامة واختلاف الظل والنور .

وفي الموزاييك ” الفسيفساء ” أيضا ، دلالة الخامة كأنها ضربات الفرشاة ، تعطي نوعا من الذبذبات والحركة اللونية مع الإضاءات المختلفة فتخلق نوعا من الإبهار المدهش مع تأكيد الشكل المعماري وحمايته من العوامل الجوية .. الخ ، كذلك إمكانيات الخامة في تنفيذ العمل الفني ، فتجد في عناصر الموزاييك كميات مهولة من الألوان ما يساعدك على رسم الظلال والنور بقدرة فائقة والتفاصيل التشريحية ، حتى عنصر شعر الفرد باستطاعتك تنفيذه بتكسير الموزاييك .. يحتاج الأمر إلى دربة ودراية واحتراف ، وكأنك ترسم بالفرشاة .. كلها أشياء تدخل في دلالة الخامة .

ـ وظيفة الفن …

طبعا ، الفن له وظائف متعددة ، تختلف باختلاف المتلقي .. على سبيل المثال هناك وظيفة نفسية ، لذلك تجد العلاج بالرسم للكثير من الأمراض المتعلقة بالنفس ، الرسم الأبيض والأسود بالذات للمساعدة في خلق التوازن النفسي .. كما أن من وظائف الفن تسجيل التاريخ الجمعي والفردي .. تسجيل حضارة ، حروب ، انتصارات ، تسجيل حياة الفنان وأفكاره ومواقفه ، وهناك وظيفة أكثر جمعية للتصوير الجداري والنحت عموما ، للالتقاء عند فكر ثوري مثلا أو ضرورة تحول حضاري أو اقتصادي .. كلها وظائف للفن ، إضافة للفنون المهنية الأخرى كالفن الصحفي وفن إخراج الكتاب .. ثم لا نغفل الوظيفة الأهم في هذا كله وهي الإحساس بالجمال ، دور الفنان التشكيلي في خلق مناخ جمالي ، ثقافي ومعرفي ، قصدية الارتفاع بالذوق العام .

ـ ماذا عن معرضك الحالي ؟.

في رأيي ـ إضافة لما سبق ـ أن دلالة الخامة أيضا في قوتها وتحملها وبقائها من الناحية التقنية ، ذلك يعني البحث عن الجديد من الخامات المستخدمة في التشكيل ، لتحقيق المعادلة ، الرسم بيسر وسهوله وبمساحة واسعة تعطي الثقة والقدرة على الإبداع والتعبير بحرية مع تحملها لكل ما يطرأ عليها من متغيرات وظروف بيئية .

اخترت خامة السيراميك والرسم عليها بالفرشاة بألوان قابلة للحرق ، تقدر ترسم كما تشاء وإظهار كل القيم التشكيلية المراد التعبير عنها وبأية أسلوب ، ثم حرقها مرة ثانية تحت درجة حرارة معينة لإعطاء الصلابة مع استخدام مواد حديثة كمادة الإيبوكس أو البورسلين لإضافة ثراء لونيا وتحقيق طبقة من طبقات الزجاج لزيادة القدرة على تحمل العوامل الجوية ويمكنها من البقاء والاحتمال ، هذا يدفعنا إلى القول بأن على الفنان المعاصر الاتصال الدائم بالجديد من تكنولوجيا والدراية بها ، حتى في التصوير الزيتي .. الآن في أوروبا وأمريكا وبعض الدول الآسيوية ، يستخدمون الإيبوكس بديلا عن زيت الرسم لسرعة الجفاف وزيادة الصلابة للعمل الفني ، ليصبح هو والسطح المرسوم عليه قطعة واحدة .. هي أشياء تحتاج إلى دراية وقدرة تقنية عالية وتمكن من الخامات والأدوات ، وتساعد أيضا في البقاء على العمل لمدد طويلة دون احتياج إلى ترميم مستمر مما يوقعنا في أخطاء الترميم المعروفة وتقل قيمته الفنية والتشكيلية لتدخل أياد أخرى في العمل الفني غير التي أبدعته .

ـ هل ترى أن لفنك وظيفة ؟

طبعا .. أقول لك ، إن كلمة وظيفة معناها أننا نسجن الحالة كلها في حدود اللفظ فقط ، لو تحدثنا مثلا عن الهواء ، فنحن لا نراه ولكن نستشعره ووظيفته ، هو مهم لحياة الفرد والكون كله .. بالنسبة لي أنا لا أستطيع الحياة بلا فن أو بدون رسم ، ولكن مردوده على المجتمع هو المشاركة ، نحن نتحدث عن عمل فني يحمل تجربة شخصية تلامست بشكل أو بآخر مع تجارب آخرين ، ولو كانت هناك عشرة أعمال ، فكل عمل منهم يتلامس ثقافيا أو وجدانيا مع آخر ، دورك الوظيفي هنا كفنان ومبدع ، أنك تشارك المجتمع .. الإنسان إما عنصر فاعل أو متلقي ، وهذه وظيفة لا يمكن وضعها في إطار محدد .

ـ لوحاتك .. أسطورية ، منغلقة ، صعبة الفهم …

جزء كبير من حياتي أسطوري ، أعيش حلما طويلا ربما يكون مفزعا ، وأحيانا أخرى ليس له حدود وملئ بالطموحات ، لكن حين أضعها في أعمالي ليراها المتلقي فأنا أقصد توصيل فكرة بعينها وهنا أعود إلى مفهوم وظيفة الفن ، ليس بالضرورة أن تكون نفعية ، أتحدث عن الفنون الجميلة ولو أنها في ذاتها تحمل مدلولا نفعيا ، لكنه لا يكون نفعا ماديا كما تحدثه الاحتياجات الأخرى من الأقمشة والملابس والسيارات .. الخ ، كلها تؤدي إلى نفع مباشر .. التصوير الجداري يدخل في المنطقة بين الفن للفن والفن النفعي ، لأنك حين تحكي قصة مجتمع أو فترة تاريخية لابد وأن تعي مدركات المكان والمحيطين به ، مثلا ، أنت تقيم جدارية في حي شبرا ، لابد وأن ترتبط ببنية المجتمع المحيط وفكره الثقافي ، ليس الأدنى ، بل يجب عليك أن تصعد به .. دراسات التصوير الجداري كفن نفعي يخدم البيئة ثقافيا ويرتفع بالذوق العام ، وهذا في رأيي أكثر نفعا .

ما أقدمه أنا في كل معرض ، أظنه له هدف أولي ، وهو الإنسان ونفعه ثقافيا فأعمالي كلها خليط بين الثقافة والفكر وتأريخ للمرحلة ، وأذكر هنا معرضا لي في بداية التسعينيات من القرن الماضي ، حقق نجاحا مذهلا تحت عنوان ” إنسان القرن الواحد والعشرين ” بالأبيض والأسود .. أراه الآن وكل شيء تخيلته قد تحقق ، هذا التغير الرهيب الحادث الآن في المجتمع كانت لوحاتي تتناوله وقتها .

ـ وجودك وما تقدمه من عمل .. مهم ؟

كفنان ، نعم .. أنا أتحدث عن أفكاري ولو اختلفت مع الواقع ، لكن أقول صدقا أنه تصلني في الكثير من الأحيان خطابات ومكالمات تليفونية خاصة مع نهاية معارضي ، أسأل فيها : ماذا أقدم غدا ؟ ، وما هو العمل القادم ؟ .. يظل المتلقي ينتظر معرض السيد القماش ولا يتوقع ما سيرى ، لأنه يعلم دائما أني أفاجئه ، ربما بفكر جديد أو تكنيك حديث ، وهو يدري جيدا أن هذا الفنان يحاول الاختراق بين السدة واللحمة في نسيج مجتمعه .

ـ عودة إلى معرضك الحالي ، يضايقك القول بأن الورقة الملصوقة وبخط عشوائي أسفل كل لوحة وبأسلوب تعليمي .. مستفزة …

أقول وبصراحة ، أنا وخلال الخمسة عشر يوما الماضية من العرض ، وجدت عددا كبيرا من الناس يستحسن الفكرة إلى أقصى درجة .. تعلم أن مطبوعات المعرض كلها نفدت ، معناه أن زوار معرضي على الأقل فوق السبعمائة أو الثمانمائة فرد ، أخذوا الورق كله والسيرة الذاتية والتعليق على اللوحات ، لو قلنا أن نسبة الذين سعدوا بما فعلت ، لن أقول النصف ، بل الثلث ، إذن أنا نجحت في توصيل معلومة جديدة لمن يريد ، وهذه الوريقات تفتح ثغرات قد تكون مغلقة على المتلقي العادي .

نعم ، هناك من يرفض الفكرة ، وأنا طوال معارضي الثمانية والعشرين السابقة لم أضع ورقة أسفل لوحاتي .. الآن ، ومع أول يوم في معرضي هذا ، وجدت الناس لديها كم كبير من الأسئلة ، اضطررت لوضعها .. ثم ماذا كتبت فيها ، الخامات والمقاسات والتاريخ ؟ ، أما كلمة ” امرأة في حيرة ” مثلا ، وضعتها كمفتاح أو مدخل .. تعبت من أسئلة الناس ، عن الخامة والتقنية وأنا أعتبر أن الفن ليس به أسرار ، بل على العكس قدمت خدمة علمية وفنية لكل من يريد أن يعمل ، عرفته أن هذه حرقت تحت درجة حرارة مقدارها كذا ، وموادها كذا .

ـ أنت .. لا تنسى أنك أستاذ جامعي ؟

لا .. لأنني أعتقد أن العلم للجميع ، لكن الإبداع يخص الفرد ، وبعد .. الأفران موجودة ، وبلاطات الخزف موجودة أيضا ، وألوان السيراميك والبورسلين في السوق ، أنا جمعتها فقط وقدمت بها أعمالي الفنية وعرضتها ، المهم في الإبداع الداخلي .. كنا ونحن طلبة في الكلية ، الأستاذ يأتي لنا بتمثال نرسمه جميعا كمنهج تعليمي وتدريسي ، الدفعة كلها ، ثم يحدث أن أحدنا يحصل على تسعين بالمائة وآخر يأخذ صفرا .. هذا هو الفرق ، حتى في لعب الكرة ، عندك لاعب بملايين وآخر لا يساوي ثمن الشراب الذي يرتديه .

ـ السيد القماش .. شديد الاعتزاز بنفسه ، فرح بها …

نعم .. لكن فرق كبير بين الاعتزاز والغرور .. تعرف تعبي وكفاحي في سنوات عمري الأولى .. دراستي ، طموحاتي .. طبعا ، أعتز بنفسي وإنسانيتي ومجهودي ولا أغتر .

ـ لوحاتك .. ذهنية ، لا روح فيها …

عندي ذهنية في جزئية وبعيد عنها في أخرى .. الذهنية في التقنيات الكثيرة المستخدمة ، لأني لو وضعت البلاطة الخزفية مثلا تحت درجة حرارة أكبر أو أقل مما هو محسوب لا نصل إلى نتيجة مرجوة ، لذلك لابد وأن تكون محكوما بذهنية عالية ويقظة ، واللون كذلك .. أما في التكوين فمن غير المعقول أن تقول لي بعد هذه الخبرات الطويلة في فن الرسم والتي تزيد عن الخمسة وأربعين سنة ، علاوة على كمية الأعمال بالأبيض والأسود خاصة وحبكة التكوين ، أن تكون أعمالي ذهنية فقط .

من يرى الأعمال هنا يقول بالذهنية العالية ، لكنها حس متدفق فعلته الخبرة والأحاسيس ، وأضرب لك مثلا .. عندي الطلبة في الكلية أضع لهم بعض الاختبارات البسيطة ، أن يرسم شكلا هندسيا وليكن المربع مثلا ، أبعاده كذا دون أدوات قياس ، فلابد من استطاعته التحكم في النسب والأبعاد بمجرد النظر .. وحين ترسم بورتريه أو موديلا ، يتم نقله بنسبه ، تجد خبراتك وقد أعطتك مقياسا للرسم دون أن تتعمد أو تقصد ، فالذهنية هنا غير مقصودة وأعمالي كلها مباشرة بلا تخطيط مسبق أو اسكتشات ، هي خبراتي ومشاعري وأحاسيسي ، فكيف لا تكون مليئة حتى ولو بروحي أنا ؟!

معرضي هنا لاكتشاف أبعاد جديدة وإضافات لفن التصوير الجداري ، قد يكون الانطباع الأول هو أن الروح أقل لكثرة التقنية ، لأننا وكما قلت من قبل في شديد الاحتياج للكثير من التقنيات الحديثة في العمل الجداري ، ولو أن الأعمال التي تراها الآن على مسطح أكبر لكانت أقرب للوجدان .. التكثيف التقني والتكنولوجي هو الذي أدى إلى الإحساس بجفافها وانعدامها للروح كما تقول أنت ، ربما .. لكنني لا أرى ما تقول ، وألفت نظرك أنها بداية تجربة تزداد الحرية فيها فيما بعد أو يتم هذا من خلال التلاحم بينها وبين الجمهور في عمل جداري كبير إذا ما تخيلنا مثلا وجودها في ميدان التحرير أو أي مدينة أخرى .. المساحة الكبيرة والتحاور بين العمل الجداري والجمهور هو الذي يخلق الروح داخله .

ـ إنتاجك غزير كماً ونوعاً .. فرضنا أنك لم تعرض لوحاتك ، أو لم تنتج أصلا .. هل غيابك مؤثر ؟

الرد على هذا مليء بالنرجسية ، لكنني أقول وبمنتهى الأمانة والموضوعية ، مع التأكيد على أن الفنان بطبيعته نرجسي ، أيا كان أداءه الفني ، حتى لاعب الكرة .. أعتقد أنه لو غاب شغل ولوحات السيد القماش المليئة بالدراما والبحث والحرية عن الحركة التشكيلية لابد وأنها تتأثر ، وأعرض عليك سببا بسيطا ، أنا عضو في الكثير من لجان تحكيم المسابقات الفنية الموجودة في مصر ، وأقسم أنني أدخل المعارض وأجد شغلي وعناصر لوحاتي الفنية الذاتية موجود وبشكل كبير .. وفي إحدى المسابقات ، ولم أكن عضوا فيها ، تقابلت والناقد الأستاذ / كمال جويلي رئيس جمعية النقاد فقال لي إنه رآني اليوم أكثر من ثمانين أو تسعين مرة في كل عمل مشارك ، في الرسم خاصة .

ذكرت لك منذ قليل أنني أسأل كثيرا عن تجاربي القادمة ، وليس ضروريا أن تتأثر بها الناس والمبدعين ، لكن يكفي أنها ترى الجديد في أعمالي وتفتح لهم مجالات عديدة .. على سبيل المثال قيل أنني أول من اكتشف قيمة الخامة والملامس حين رسمت على صنفرة الحديد ، واعتبرت سبقا ، أعطى الفرصة ـ حتى ولو لم يستخدمها أحد ـ لكنها فرصة للفنانين الشبان والفنانين عموما ليعرفوا أن هناك خامة أسمها صنفرة الحديد تعطي ملامس ويمكنهم الرسم عليها .. هذا يعتبر فتح أو سبق مثله مثل أي اكتشاف آخر يهم المجتمع وخامة الفنانين التشكيليين ، وعلى سبيل المثال .. الآن الكهرباء ملك الدنيا كلها وقد بدأت بفكرة صغيرة ثم نمت وتطورت .. لذلك أعتقد ـ وبعيدا عن النرجسية ـ أن غيابي قد يكون مؤثر .

ـ بيكاسو .. كاندنيسكي .. بول كيلي .. فازريللي ، أسماء طرحت في معرضك …

مع احترامي الشديد وتقديري لمن يقول بهذا ، فهو خطأ كبير .. أولا : أنا فنان مصري مثقف ومتابع لجميع الحركات الفنية في مصر والعالم ومطلع على جميع فناني العالم وعندي ثلاثين معرضا وأسلوب فني خاص ومعروف ، ومثلت بلدي في أكثر من خمسة وخمسين دولة حول العالم ، وكتب عن أعمالي الكثير ، وبعد هذا كله تجد من يقول بأني أقلد .. ليس بيكاسو اتهاما أو بول كيلي ، ولا أحدهم .. أبدا لكن نحن عادة في الشرق العربي للأسف ، حين نرى لدينا أحد من الفنانين المتميزين ، له فكره الخاص ومتطور ، نقول عنه كذا وكذا ونكيل له الاتهامات بأنه آخذ عن فلان وفلان .. لماذا نفقد الثقة في مبدعينا ؟!! .

ـ هذا التوصيف الغربي للمدارس الفنية ، من تكعيبية وتجريدية .. الخ ، كلها لا تعنيك ؟

لا .. ولا أعيرها اهتماما ، حين بدأت حياتي الفنية قالوا بأن أعمالي سريالية مصرية .. لا يوجد شئ بهذا الاسم ، عندنا رمزية مصرية ، لكن نقادنا قالوا رأيهم بأنها سريالية مصرية .. أنا أرتفع بشغلي وأرتقي به ويأتي أحدهم ممن ليس لهم دراية بفن السيد القماش أو لديه بعض الشرور نتيجة لحقد أو ما شابه ، وببساطة يقول كاندنيسكي وخلافه ؟!.. مع الاحترام لهذه الأسماء وهي علامات فنية في العالم لكنني لست مقلدا ولم أفعل طوال تاريخي الفني ، حتى وأنا ما أزال طفلا أو صبيا ، لم أنقل أو أقلد أحدا .

أقول لك تجربة .. سنة 67 وحين قامت الحرب ، كان عندي وقتها ستة عشر سنة ، ولم أدخل كلية ، لكن كنت أرسم وعملت مجموعة رسوم كلها تكسير ووجوه بأنوف متعددة وعيون وناس داخل زجاجات محطمة ، ثم دخلت كلية الفنون بعدها بمدة خمسة عشر سنة ، لم أكن أعرف أن هناك فنان يعبر بهذه الطريقة واسمه بيكاسو ، ولا رأيت أعماله ، أقسم لك ، لو ألقيتها وسط أعمال بيكاسو لن تعرف الفرق .

الناس لا تحب النجاح لأحد .. ومن هذا المنطلق ، حين تنجح أنت يضربونك تحت الحزام .. أعتقد أن السيد القماش لا يحتاج لهذا أبدا .. أقلدهم كلهم مجتمعين في آن واحد ؟! ، كان يكفي أن أقلد أحدهم ، يا ليتني أصبح جزءا من بيكاسو أو بول كيلي .. هي عاداتنا في الشرق العربي إن تعديت حدود المألوف والمطروح مما يعتقدونه فنا ، بفكرك ومجهودك ، بسرعة يلقون بك في أحضان أحد الأعلام ليقللوا من قيمتك .. هذا كان ممكن في بدايتي ومن حقي إن فعلت أصلا ، لكن ، وبعد كل هذا وخبرة أكثر من ألف عمل فني !! .. هذا من مساوئ الثقافة العربية للأسف .

نحتاج إلى ناقد محترم ومثقف قبل أن يكون قاضيا حكما ، يبحث ويحلل ، لكن للأسف ، نحن نتخبط ونستسهل ونلقي بفنانينا في أحضان فنون الغرب .

ـ أنت أستاذ للفنون وباحث .. لو أني صنفت أسلوبك وقلت كما قال الآخرون ، أنك تتبع المدرسة السريالية مثلا .. إذن ، بماذا تصنف نفسك ؟

صدقني ، أنا لا أفكر بهذا الشكل ولا هذا المنطق ، أنا مشكلتي تنحصر في كيف أتم عملي الفني ، عملي هو قضيتي .. النقاد في مصر يقولون إنها سريالية مصرية خاصة بالسيد القماش ، والدليل على هذا ، أنك لا تجدها حتى عند حامد ندا وهو أستاذي ولا عند عبد الهادي الجزار .

ـ أنت مع محاولة البحث عن توصيف جديد للفنون المصرية والعربية ؟ .. أم تظل بتوصيفها الغربي ؟

لا .. ولا بتوصيفها الغربي .. على كل فنان أن يرسم بصدق ويتعلم ويقرأ جيدا ، ثم يترك لمشاعره ويده العنان ، سيجد نفسه داخل أسلوب ما .. النقاد حين تحدثوا عن المدرسة الوحشية مثلا ، لم يوجدوها ، بل وجدت أولا ثم أسموها لاعتبارات أدركت في الفن الوحشي .. الفن الإسلامي هذا بكل تجريدياته وعبقريته وتميزه ، هل هو فن تجريدي غربي ، أم بماذا يسمى ؟!! .

ـ الفنان محمود بقشيش كانت له تجربة نقدية لنفسه صدرت في كتاب بعنوان محمود بقشيش ينقد محمود بقشيش .. ماذا عنك ؟

لماذا لا ؟! .. لكن ، لم يحن الوقت بعد .

ـ ألا تستحق أعمالك نقدك ؟!

أنا أنقدها الآن ، معك .. !!

والعمل الفني ما هو إلا صورة حقيقية لما ينطبع داخل الفنان من ثقافات وهواجس ومشاعر وقدرة أداء .. يستطيع أن يعبر بها عن كل المعاني .

انتهى الحوار

مجاهد العزب

القاهرة