fenon

النّوم – للكاتب محمد مستجاب

النّوم

الراحة المأمولة, والتي ينتظرها الجسد والعقل كي يتخلّصا بعض الوقت من الإرهاق. والحرمان من النوم وراء تفسير إقرار كثير من الأبرياء بجرائم – يوقعون صكوك الاعتراف بها – مع أنهم لم يقترفوها, حيث يتناوب عليهم المحققون بشكل ضاغط يحرمهم من النوم, وهم بذلك لا يبغون سوى فترة نوم, وليكن بعدها ما يكون, ولذا فإن أخطر أعداء النوم – بعد سلوك السلطة المشار إليه: الثروة المفاجئة, والخيانة في العشق أو الأسرة أو من الذين نستنيم ثقة فيهم, والحزن الشديد الناجم عن فقد الأحبّاء, أو استمرار الأعداء في حال جيدة دون الوقوع في شدائد العقاب منّا أو من غيرنا – أو من القدر, ثم الأدوية المنبهة, ثم حالات الانتظار اليائس والبائس, وكلها حالات تتواتر إقلاقاً لنوم الأحياء, وقد أصابت النباتات أنواع منها يؤدي إلى اضطراب قد يهلكها أو يحول دون إثمارها عندما يتغير أصحابها كما في حالات لوحظت في النخيل وشجر التوت.وبداية النوم: الوسن, ثم لا يلبث أن يصبح الوسن نعاساً, ثم نوماً, ثم الكرى – بفتح الكاف, فإن جاءت الكاف مضمومة فإنها تخرج عن حالات النوم المؤقت إلى القبور ذاتها, لكن لفظ النوم هو الدائم الدائب الاستعمال في اللغة اليومية, ومنها جاء (أبو النوم) الذي أصبح مصطلحاً على نوع من النباتات المخدرة كالخشخاش أو البانجو, وقد فشلت في العثور على اسم هذا النبات في الكتب أو من معلومات الذين يستعملونه, ربما لأن عقولهم ليست في الحالة المنشودة من اليقظة.

وينتشر النوم في الروايات – الموروثة والحديثة, وكثيراً ما يلجأ إليه علي بابا والملك لير وروميو – دون جولييت – وهيثكليف – بطل (مرتفعات وذرنج) والكونت دي مونت كريتسو وعبدالله النديم – في العودة إلى المنفى, وأكثر الأبطال نوماً كان السندباد عندما أصبح وحيداً مالكاً لجزيرة مترامية الحدود, وشرلوك هولمز حينما كان النوم يستغرقه بعد تفكير طويل في فك عقدة القاتل والضحية, أما أقل الأبطال نوماً, فقد كان امرؤ القيس الساعي دون ملل – مع سيل منهمر من دموع الشعر – خلف ليلى في اتساع البادية, وسعيد مهران المطارد من السلطة: أفراداً وكلاباً, وجيفارا وسط أشواك الغابات الشرسة في أمريكا الجنوبية, ويوسف إدريس حينما منحت المؤسسات الغربية جائزة نوبل لنجيب محفوظ, وأمي – نعم أمي أنا – ليلة مقتل أنور السادات, لوقوعها في مأزق عدم التصديق, وهو ما عانيت منه بصفة شخصية منذ أسابيع حينما اخترقت الطائرة الثانية الأبراج الأمريكية, وجمال عبدالناصر بعد هزيمة يونيو 1967 – حيث أصبح الملاذ كي ينام أن يتنحّى, لكن أمله لم يتحقق مما جعله حالة من القلق الذي انتهى يوم رحيله بعد ذلك بثلاث سنوات وثلاثة شهور – لكنه: هذا القلق – لم يغادرنا نحن حتى الآن, حيث لايزال الجيل الذي أنتمي إليه لا يجيد النوم.

وأخطر أعداء النوم: الإحساس بالذنب, والهجوع إلى الأماكن غير المألوفة في الغابات والجبال, بل إن ذلك قد يمتد إلى الفراش الوثير في الفنادق مادامت غير مألوفة, ومن أعداء النوم أيضاً: الخنادق, وسطوح السفن, والصراخ الملتاع, وأصوات الذئاب, وضجيج الموسيقى الحديثة, وأوار العقل حينما يلتهب إبداعاً, وطنين البعوض والزنابير, وذباب (تسي تسي) في إفريقيا الوسطى (وربما كان ذلك وراء إطلاق مصطلح نيام نيام على أبناء غاباتها الذين يصابون بلسع هذا الذباب في تعريف عكسي), والهمس الغامض القريب في الظلام, وسطوة التوقعات والانتظار لنتائج الاختبارات والاختيارات في الامتحانات والوظائف والموافقة على العرائس أو العرسان, والكوابيس التي تلقي بك من فوق الأشجار أو من وسط السحب في عز النوم, ومشهد ثعبان أو عقرب حين تمر في هدوء قريباً من فراشك, وفقد الأعزاء (موتاً أو خيانة أو ضياعاً غامضاً), كما أن ذلك مقصور على أقطارنا الشرقية, والزيارات غير المتوقعة من أصدقاء أو أقارب دون إدراك لارتباطاتك بصفة شخصية أو عملية أو وظيفية أو أسرية.

غير أن النوم سيظل السلوان الأكثر دفئاً لما يعتور حياتنا من مداهمات الأخبار والعواصف والأمطار وبرامج التلفزيون والكتابات الضحلة أو المدهونة بالنفاق الذي نطلق عليه – من باب التهذيب – المداهنة, مع أن مداهنة النوم ستظل أرقى ما نقوم به حتى الآن ليرتاح العقل والجسد من أنواع عدة من الإرهاق.

محمد مستجاب