fenon

الفن والمجتمع بين الذوق والتذوق

بقلم د.سامي جركس

art :الفن

هو أحد الجنسين الكبيرين في العمل الفني بجانب الأدب ويعتمد على الصورة وتندرج تحته أنواع فن التصوير و النحت و العمارة و الموسيقى و الرقص و السينما .
و الفن فرح و هو أسمى درجة من درجات الفرح التي يستطيع الإنسان ان يهبها لنفسه، و هو يخلص البشرية من حدودها و يعرض أسمى صور الإنسان و النماذج و القد وات . و هدف الفن النهائي هو التثقيف حيث يزال ضغط الحياة اليومية و ينطلق الانفعال الجمالي كنشاط مستقل, و هدف الفن ، التوصل إلى الجمال وهو يهدئ من حزن حالتنا و يغير الحياة الواقعية , و الفن وسيط بين الحسية المباشرة و الفكر المثالي و هو تساؤل و خطاب موجه للمحبين له وهو نداء موجه للعقل و يدور حول إيقاظ الفرح في الإنسان وهو يتوسط البدائل المتطرفة في التاريخ و القانون والزمان و المكان ، والفكر و العمل ، والإنسان و الطبيعة وهو أداة لازمة لاتمام الاندماج بين الفرد و المجتمع ، و أما فلسفة الفن فهي محاولة لإظهار الأسس النظرية التي يقوم عليها العمل الفني و دراسة لمكوناته وعلاقة الشكل بالمحتوى .
تتصارع الآراء فتترك بصماتها في ا لمضامين و الأساليب و الأشكال و لكن وراء كل صراع خواطر إنسانية مشرقة . تسميات شتى تآلفت في عالم الفن التشكيلي ابتدعها النقاد و مؤرخو الفن و الأدباء و الصحفيون فكان منها الساخر و كان منه الجاد، فإذا بها تصبح عناوين لمذاهب فنية مختلفة احتلت مراحل طويلة من تاريخ الفن و بعض تلك التسميات العرضية، أخذت لها مكانا في تأريخ الفن و رصيدا عند النقاد ، و أما التسميات الجادة و المدروسة، فإنها ظلت بعيدة عن الدقة و الموضوعية ، ولكنها تآلفت بمنطقها الخاص الخارج عن ظروف الزمان و المكان فأصبحت رموزا غامضة ثم ان تاريخ الفن في حيرة من أمر تلك التسميات فكثير ما ينتقل بالفنان من مذهب إلى مذهب دون مبرر .
ليست الصدفة هي التي تجمع الناس معا في الفن، بل يجتمع الناس لأن بعضهم يرغب في أن يشاركه زملاءه الفنانون تجاربه و البعض يجد من المستحيل ان يقف مكانه و لهذا يرغب في التقدم إلى الأمام ، فطاقاتهم الداخلية تتطور و تواصل نموها و تبحث عن أساليب جديدة تعبر من خلالها عن ذاتها في أعمال مبدعة ، و الأسلوب هو الطريقة المميزة للتعبير، بحيث يتميز الفنان بطابع خاص في انتقاء الرسم و اللون و طريقة البناء و نحت الصور الجديدة بحيث يكون الإنسان هو الأسلوب .
وبجانب هذا يكون لكل عصر أسلوب خاص في الفنون ، و ينقسم الأسلوب و يصنف حسب العصر كأن يكون “ميتافيزيقيا” أو “اوغسطنيا” أو حسب المؤلفين الأفراد كالأسلوب “الشوسري” او “الملتوني” أو حسب الأسلوب المنخفض أو البسيط أو حسب اللغة مثل الأسلوب العلمي أو التوضيحي أو الشاعري أو الانفعالي أو الصحفي ، و يعتمد الأسلوب على انتقاء بعض الملامح . و الأسلوبية علم تحليلي يهدف الى أن يغطي بالدراسة كل جوانب اللغة . و علم السيمائية ويهدف الى إرساء علم الأسلوب وهو يهدف أيضا الى الإبحار في النص الأدبي من خلال اللغة لسبر أغواره ، و الأسلوبية تدرس الأنموذج الخاص الذي تصاغ فيه اللغة .
ولكن كيف نتمكن من ان نلاحظ هذا كله في كل لحظات حياتنا ؟ وكيف نستطيع أن نقنع المتفرج الذواق بضرورة الفن ؟ فالذوق taste رغم انه فردي و يتم في لمحة الحدس إلا أن فلاسفة الجمال يحاول اغلبهم التوصل إلى ما ينطوي عليه من حكم جمالي له طابع كلي . فيرى “هردر” ان الذوق الفني يكشف معنى التاريخ ويرى ” دوفرين” انه يتجاوز الذاتية و أنه حركة نحو النمو بالعمل الفني و الانفتاح عليه ، و يجعله ” شيلر” مصدر التضامن الاجتماعي ، فهو وحده الذي يحدث التناغم و نعني بالتناغم تآلف عناصر العمل الفني و ترابطه في كل موحد على أساس الوحدة العضوية ويقول “امبيدوكليس” أن هناك قوتين تعملان في عناصر الماء و التراب و النار و الهواء هما الحب و الكراهية .
الحب مبدأ التناغم و الكراهية مبدأ التفكك ، و الكون بالحب أشبه بفنان ينتقي العناصر و يمزجها معا . وقال “هيرقليطس” ان التناغم قائم على التوتر مثل القوس و السهم و هو نوعان ظاهري و خفي و العقل يساهم في إحداث يقظة الإنسان فيزداد تناغما على عكس النائم الذي يؤمن باللاعقل ويعتمد على الإحساس فيفكك الناس ، ويعد” ارسطو” التناغم غريزة الإنسان وهو عين نسيج النفس الإنسانية و اعتبر في القرون الوسطى ذروة الفيض الإنساني.
فالمجتمع يؤسس التناغم في الفرد ، و الجمال يصنع من الفرد إنسانا كليا و تواصل الجمال يوحد المجتمع و هو الذي يسدل الستار على الفجاجة الفيزيائية .ويرجعه ” سولزر” إلى ملكة مختلفة عن العقل و الأخلاق و ان كانت مرتبطة بهما من خلال القيمة الخلقية للجمال . و يرى فيه ” الان” محاولة تسمو بالمتأمل إلى ا لمستوى الجمالي الذي يدرك العنصر الكلي فيما هو بشري . ويرى ” أفلاطون ” أنه يتم بالإلهام و هناك حلقة متصلة من التذوق ، ويرى ” روسو ” أن الذوق هو ذوق أكبر عدد من الناس و هو يقتضي تجميع العوامل الفيزيائية و النفسية و الخلقية و هو مستحيل بدون حكم ناجح .
ويرى ” كانت ” ويعده أكبر رد على القول الشائع لا مشاحة في الأذواق ، عندما أراد أن يكتشف الأسس الكلية المختفية خلفه، أن الذوق عنده ليس حكم وجدان ولكنه وجدان حكم و هو الملكة التي نحكم بها على موضوع ما أو أسلوب ما عن طريق الشعور بالارتياح أو عدمه دون أن يكون للمصلحة أي دخل في هذا الحكم فهو ملكة الحكم على كل ما من شأنه أن يجعل شعورنا الخالص قابلا للمشاركة من جانب الآخرين بصورة كلية عامة دون تدخل أي مفهوم من المفاهيم العقلية ، و وظيفته عملية إجماعية لأنه يسمح لنا بأن ننقل إلى الآخرين عواطفنا الخاصة .
أول من أستخدم الذوق كمصطلح نقدي الناقد الفرنسي ” لابروير ” في القرن السابع عشر في كتابه “الطبائع” عام 1688 فقال أن هناك ذوقا ممتازا و ذوقا سيئا . و عرفه “جوزيف أديسون ” في كتابه ” المشاهد ” عام 1712 بأنه ملكة النفس ، تملأ جماليات المواقف بالبهجة و اللذة . و أعتبره ” كولردج ” ملكة متوسطة تربط القوى الإيجابية بالقوة السالبة لطبيعتنا وهو يربط العقل بالحواس و وظيفته الإعلاء من شأن صور الحواس وهي تدرك أفكار العقل ، وهو عند ” باتو” ليس مرآة صافية بل هو يبنى على الحب الذاتي للطبيعة .
إن الإيقاع الذي على كل إنسان ان يعبر عنه في الحياة ، يصدر عن نفسه و بالتالي عن كيانه الحي و عن حاجته الأولى التي بدونها تستحيل الحياة . و هكذا الفن ترجع استحالة تقليد أي إنسان إلى أن لكل إنسان في عمله إبداع له إيقاعه المتفرد و فردية فريدة . أريد أن أفحص طبيعة الحياة في الفن كوننا لا نستطيع الزعم أننا نعيش حقا في الفن إلا إذا توقفنا عن اعتبار أنفسنا فرعا من فروع الفنون .
فما هو الرأي إذن في الحالة التي ينظر فيها الرسام إلى موضوع دون أن يرسمه ؟ ما دامت تأثيراته تتحول إلى أفكار بفعل ما يقوم به خياله . فان أكثر الأشخاص المتذوقين في الفهم لا يستطيعون أن يدركوا بصورة قاطعة على الإطلاق تماثل التجربة الخيالية التي نحصل عليها عند مشاهدة أي عمل فني مع تجربة الفنان الخيالية خاصة عندما يكون الفنان فنا عظيما ، فلا يدرك من المعنى عندما يشاهدوه سوى قدرا يسيرا ناقصا . فالفهم على الدوام مهمة معقدة و له جملة مراحل و كل مرحلة كاملة في ذاتها . و المتذوق الذي يتصف بالجدية و الذكاء قادر على النفاذ الى ما هو مرسوم أو منحوت المركب بالقدر الكافي ، ويضطلع المتذوق باهتمام لا حصر له عندما يسعى للفهم ، و محاولة إعادة بناء تجربة الفنان الخيالية بدقة في ذهنه . فالفنان عندما يقوم بإنشاء عمله فقد يراعي تعذر إدراك متذوقيه لعمله إدراكا كاملا ، وهناك دلائل تدل على انهم قد ازدادوا ميلا إلى اعتبار متذوقيهم شركاء لهم ، ولعل إدراك الصلة بين الفنان و المتذوق قد أصبح أمرا جديرا بالمناقشة وفقا لما تراه النظرية التكتيكية في الفن . هل كان حكم المتذوقين عليه أفضل من حكمه على نفسه ؟
لذا فانه سيضطلع بأعباء عمله الفني لا باعتباره محاولة شخصية يقوم بها لصالحه الشخصي ، بل باعتباره عملا عاما لصالح المجتمع الذي ينتمي إليه. و أي حكم ينطق به خاص بالانفعال يجب أن يبدأ بإشارة مضمرة إلى أن هذا الانفعال شعور جماعي و ليس شعورا ذاتيا، ان أعماله الفنية هي دعوة موجهة إلى المجتمع لكي يشاركه فيه، و الفنان بوصفه كائنا متناهيا لن يصبح على دراية بنفسه و بشخصه إلا إذا ارتبط بآخرين و شعر في نفس الوقت بوجودهم باعتبارهم قادرين على مشاركته عندما يرى أنهم قادرون على الفهم و الحب المتبادل فعل يعتمد على المشاركة .
فبعد تحليل الصلة بين الفنان و متذوقي فنه ، خاصة إذا أعتمد الفنان على فنه و لم يعتمد على أي فنان آخر من أية ناحية من النواحي و الانفعالات المعبر عنها ينبغي أن تكون انفعالات الفنان وحده ، ولو إننا نظرنا بإخلاص إلى تاريخ الفن ، فإننا سنرى إن حدوث مشاركة بين الفنانين كان على الدوام أمرا معتادا مشيرا بوجه خاص إلى نوع المشاركة الذي يطعم فيه أي فنان عمله بعمل فنان آخر أو حين ينتحل فيه فنان عملا آخر ويضمه إليه .
وظهرت في القرن التاسع عشر قاعدة جديدة في الأخلاق الفنية نصت على اعتبار الانتحال جريمة ، و إذا أعترف الفنان بهذا الانتحال و عمل حسابا له أمكنه أن يدعم عمله و يغصبه ، وإذا أنكره تعرض عمله للهزال . و إذا لم يستطع التفوق على أفكار زميله فليسمح له على الأقل بنقلها ، إذ أنها ستنفعه عندما يحاول إعدادها لكي تصبح أعمالا خاصة به . و سوف يحقق ذلك دعاية لصاحب العمل الأصلي ، إن كل ما أدعو إليه أن يعامل الفنانون المحدثون بعضهم بعضا مثلما فعل الرسامون في عهد النهضة .
إن أسوأ ما يعرقل مسيرة الفنان هي تلك العادة العقلية التي تركز دائما على الجوانب السيئة في الإنسان وعلى أخطائه الشديدة الوضوح ، و يتجاهل الشيء الجميل المختفي في داخله . وهذا يصدق بصورة عامة على أصحاب المواهب المحددة و الطبائع الفنية الضعيفة التطور ،اذ يرون الجانب الرديء في كل شيء ، فلا يميزون الجمال أو يستوعبونه وهذا هو السبب في ان أعمالهم الفنية أحادية الجانب ، مزيفة ، لأنه لا يوجد فنانون لا يملكون ذرة من الشيء الجميل في داخلهم ، و الشيء الجميل المهم هو أن تحسه و تفهمه . إن الكنوز الحية هي قلوب البشر ، و إن الشيء الواجب عمله هو الدخول إلى القلوب الحية داخل سلسلة من الأفعال الخارجية و الداخلية و الدخول إلى طبيعة العواطف الإنسانية الحيوية الأصيلة .
إن الفعل المتغلغل لا ينبع من تلقاء نفسه، ولما كان التكتيك السيكلوجي الشعوري يساعد في بلورة الأساليب و الظروف الملائمة ، فلا بد للفنان ان يفكر دائما في الأشياء التي تحفز عمل القوى الدافعة لحياته الداخلية و التي تساعده في تحقيق حالته الإبداعية الداخلية ، يجب ان يمهد لعمل اللاشعوري في طبيعته الفنية مستعينا بالصدفة التي تعطي لمسة من الصدق لموضوع معين رغم انها لم تكن في الحسبان ، و تحقيق هذه العملية شبيه بما يحدث في الكيمياء و عندما يحدث تفاعل من امتزاج محلولين ، نستخدم محلولا ثالثا بكمية ضئيلة فيصل التفاعل الى الدرجة المطلوبة . سيجد في نفسه الصدق الحقيقي في القوى المحركة لحياته الداخلية (العقل ، الإرادة ، الإحساس) . و يصبح الخيال أصدق أصدقاء الفنان و هذه الخطوة هي الفرح و السرور في سيرورة الفنان هو الفعل الداخلي الحيوي الأصيل .
إذن نحن أمام نقطتين:
ـ وظيفة الفن بالنسبة للجمهور .
ـ جوهر العمل الفني و أهميته الجمالية .
يعتمد الأول على النقد التحليلي و ذلك بتشريح الخصائص التي اعتمدها العمل الفني في بناء الشكل ثم الأسلوب او الاتجاه .
ويعتمد الثاني على النقد الجميل و اثر العوامل النفسية و السياسية و الاقتصادية و الثقافية عامة التي تتحرك من اطار الالتزام الإنساني .ان أي معرض ناضج ينبغي ان يحمل التوازن بين النقطتين أي ان يجمع بين العامل الوظيفي و العامل الجمالي بتفاوت نسبي بين فنان وآخر.
ومن الطبيعي دون شك أن الناس يلجأون دائما إلى البحث عن الرمزية في الأعمال الفنية . و ما دام معظم الناس غير قادرين على إدراك معنى العلائق الشكلية الخالصة، عاجزين عن أن يستمدوا منه الانشراح العميق الذي يحسه الفنان . فهم يبحثون عن بعض المعاني التي يربطونها بقيم الحياة الفعلية و يترجمون العمل الفني إلى معان يألفونها ، ومع ذلك فعلى قدر نقاء الفنان تأتي ترجمة أعماله.
ليس من الصواب الزج بالفنانين في أطر خاصة ، فكم خرج الفنانون على مذاهبهم الفنية ، التي زجوا إليها دون علمهم و رغبتهم فآثاروا حفيظة النقاد ولكن سرعان ما يتراجع النقد امام اثر فني مبدع يبتكره الفنان ، ان المشاعر و محتوياتها من انفعالات متنوعة يتعذر ربطها بأسلوب فني معين ، فالفنان ليس شجرة تنتج ثمارا معينا بل انه تربة تنبت كل ما يقع عليها من بذور حسب الفصول و الظروف و المؤثرات ، و خاصة الفنان المعاصر الذي يعيش عصر التجديد و الابداع و الطموح فهو لا يقبع في ظل مذهب معين بعد ان تغلب على حدود المكان و الزمان ، فرفقا بالفنانين المبدعين ، لم يعد العصر الحاضر يملك زمام التسميات الفنية ولم تعد التسميات الفنية مقرونة بطرز فنية او فترات زمنية، فلا قيمة ثابتة لتلك التصنيفات التي يضعها النقاد للفنون وفي داخل الفن الواحد يوجد أنماط الفن المختلفة بقدر ما يوجد من أنماط البشر ،ان تلك التسميات رغم شكوك موضوعاتها كان لا بد منها لأغراض تاريخية و لحصر و إحصاء الآثار الفنية المتجانسة و المتوافقة و جعلها أصنافا مميزة ، و من اجل هضم الفنون و استيعاب التربية الفنية لدى الجمهور و يتوقف تأثير المضامين على مدى ما تشع من شحنات انفعالية و خواطر وجدانية بحيث تجتذب عواطف المتلقي و مشاعره.
و التجارب الشعورية يعيشها كل فنان و لكن بتأثيرات مختلفة ، نظرا لتباين قوة فاعليتها و مستوى ما تبعثه من محفزات مؤثرة ، ثم ان هناك فروقا فردية بين الفنانين نتيجة فروق في النشأة و التربية و المحيط و المزاج و الظروف ، فلذلك تكون استجاباتهم للتجارب التي يمرون بها متباينة و التجارب الشعورية نفسها متـفاوتة وليس تأثيرها بنفس الدرجة على جميع الفنانين ، إذ تتوقف فعاليتها على مدى رقة عواطفهم و اهتزاز مشاعرهم . فهناك تجربة شعورية باردة ربما تهز بعض الفنانين و هناك تجربة ثائرة ربما لا يستجيب لها بعض الآخر .
ان التجارب الشعورية مجرد انفعالات داخلية لا تظهر كنتاج فني ولا تصل إلى مستوى الإبداع إلا بعد اختمارها و نضوجها ، فلا وجود لتجارب شعورية بدون قيم تعبيرية و التجارب الشعورية ظاهرة إنسانية يعيش معاناتها كل فرد فهي تتكرر و تعيد نفسها بينما القيم التعبيرية هي المتغيرة طبقا للزمان و المكان و البيئة و الذوق و التقاليد و العادات .
و التسميات التي أطلقت على الاتجاهات الفنية هي تسميات خصت الشكل و المضمون لا الموضوع ، و ظهر هذا بصورة واضحة في فنون القرن العشرين حيث استغنى كثير منها عن الموضوع ، فظهرت تماثيل و لوحات بلا موضوع ولكن مضامينها تشير إلى قضايا ذاتية خاصة ، تعكس المستوى الفني و الجو الحضاري الذي ينتمي إليه. فالفنان الواقعي يرتبط بموضوعه عن طريق الرؤى البصرية ، بينما الفنان الإبداعي يظهر ارتباطه عن طريق العاطفة ، أما الفنان التأملي فارتباطه بموضوعه عن طريق الأحاسيس و ربما تتقارب الأساليب و المضامين عند بعض الفنانين نتيجة التأثيرات رغم تباعدهم زمانيا و مكانيا كما أثبت ذلك الفن المقارن .
فالفنان العظيم يتأثر و يؤثر، يأخذ و يعطي و كما يقال ان المناهج ان تحنطت أصابها العقم وان تطورت فسوف توحي بالروائع .
هناك علاقة بين طبيعة الألوان و الصفة العاطفية للاحساسات و ان إدراك تلك العلاقة ، يعجز عنه الكثيرون ، لأنه منوط بالذوق الرفيع و المران الطويل و الرؤية المدربة و الإحساس الرقيق، و يتجلى ذلك عند الفنانين المبدعين الذين يتمتعون بحساسية مرهفة التأثير بفروق الألوان الخفية و شحناتها الدينامية، ان استعمالها كانفعالات له تأثير قوي فالذي يهمنا في الرسم هو صدقه الفني أما الذي يهمنا من الانفعال هو طبيعة الموقف الذي يثار ، فمن خصائص بعض الأعمال الفنية ، إنها تثير فينا و توعز بذاتها إلى حقيقة تسمو الى عالم الإدراك و المنطق العام و الشكل التخطيطي التقليدي للأشياء في ارتباطها الذي يمكن ان توحي بها ، فالأشياء المرسومة و المنحوتة ترتبط بشيء اكثر من مجرد جهاز بصري ، له اهتمامات الجمالية الخالصة . وقد عرف كثير من فناني التيارات الإبداعية و التأملية المحدثين عن التعامل بالخطوط و الألوان و الأشكال كرموز و معان و انفعالات فجردوها من كل مضمون حقيقي ولكنها احتفظت بالتأثيرات البصرية الموحية .
إن كل تلك الأحكام كانت فنية تتعلق بتقويم الأثر الفني اسلوبيا ، أما الأحكام النقدية التي تتناول موقف مشاعرنا من الأثر الفني ، فإنها تتعلق بالمضامين المستلهمة من التجارب الشعورية التي يعيشها الفنان ، ان التجارب الشعورية مهما تشعب مكانها و تباعد زمانها فهي مستقاة من المصادر التالية :
الطبيعة :
فهي لا تبوح بأسرارها الا للفنان الذي يتزاوج معها تزاوجا حقيقيا فهي المصدر الإبداعي ، استقى منها أقدم الفنانين رؤياهم ، وما زالت الطبيعة تحتضن المبدعين و تلهمهم الرؤيا و تمدهم بمبدعات الفن ، فهي المعجم الفني فهي تقترن دون ما تدقيق بالواقعية لكنها هي الرصيد الدقيق الأمين للواقع معتمدة على الوصف المجرد الخالي من الانفعال و العاطفة و على أساس أن الواقع جزء من الطبيعة و اقترنت بنظرية الوضعية عند”كونت” و النزعة الحتمية عند”تين” و برزت عند الأخوين الفرنسيين “جو نكور” و بلغت الذروة عند ” اميل زولا” الذي وصف نفسـه عام 1868 بأنه صاحب نزعة طبيعية ، و الطبيعة تعتمد على ( الريبورتاج) و النزعة الوثائقية على أساس أن العمل الفني تجريب . ويرى “لوكا تش” أنها تكتفي بالوصف الذي تنقصه الإنسانية ، الأمر الذي يحول الناس جميعا إلى طبيعة صامتة داخل العمل الفني .
فما تعطيه الطبيعة لا يتطلب نظاما بقدر ما يحتاج للأصالة ، فالطبيعة كائنة في العمق اكثر منها في المساحة.
التاريخ:
لكي يكون الأثر الفني تعبيرا صادقا عن الحياة ، يعرض الفنان تجربة تاريخية ، تختلف عن تلك التي يسردها المؤرخ فالفنان يعي متطلبات البشرية و أحداث التاريخ و هو مكلف بالتعبير عن الوجود الإنساني في فنه ، كون الفن حقيقة تاريخية مرئية .
الأساطير:
تحاول ان تقرب الواقع المعاش رغم عجز الإنسان عن إدراكها أو الاقتناع بها، و هي تروي أحداثا خيالية خارقة تتناقلها أجيال عن أجيال فالأساطير منذ القديم كانت مصدرا لإلهام الفنانين وقد استخدمت الأسطورة موضوعا فنيا في مراحل مختلفة من تاريخ الفن ، وقد صيغت لرغبة في نفوس مبدعيها لتصوير طموحاتهم و آمالهم ، ففي أحضانها نشأت الحرية ، وتبلور الفن و تألق الإبداع .

فالأسطورة myth : قصة تتحدث عادة عن نشأة العالم من خلال تصوير كائنات خرافية أو كائنات فائقة للطبيعة و هي تشرح كيف يظهر الشيء الى حيز الوجود وهي شرح بدائي للنظام الطبيعي و القوى الكونية . و يذهب فيلسوف البنيوية “كلود ليفي شتراوس” الى ان معنى الأسطورة ليس قائما في محتواها بل في بنيتها حيث يمكن بالتحليل الدقيق الكشف تحت السطح القصصي لعناصر القص و تجميعها و أنها تستهدف التغلب على التناقضات ، ويذهب ” نورثروب فراي” أحد نقاد البنيوية إلى أن الأسطورة مرتبطة بالفصول و أن الأنواع الأدبية معبرة عن هذه الفصول فالكوميديا تمت إلى الصيف و التراجيديا تمت إلى الخريف و أما الشتاء فهو تعبير عن التهكم و يمكن القول ان الأسطورة هي لغة تستهدف إيصال الفكر و لها بناء صوري . و الفكر الأسطوري عبارة عن التناقضات الظاهرية المستعصية على الحل للخبرة الإنسانية حيث تظهر فجوات بين الطبيعة و الثقافة ، و مهمة الأسطورة ملء هذه الفجوات ، و لما كانت الأسطورة لغة فإنها قريبة إلى الأدب ، ويرى بعض علماء الجمال أن الفن هو إبداع و الإبداع أسطورة و خاصة عند الفيلسوف الفرنسي المعاصر “جارودي” فعنده أن الأسطورة هي لغة المفارقة عما هو معطى في الطبيعة و ما هو معطى في نفوسنا بهدف الوصول إلى الجوهري ، وقد لجأ العديد من الأدباء إلى الأساطير يعبرون من خلالها عن أفكارهم و نظرتهم للعالم .
المجتمع :
ان الفن الذي ينبع من المجتمع يجب تصويره عن طريق الخبرات الحياتية المختزنة و يأتي بعرض القضايا الاجتماعية و السمو بتلك القضايا إلى إبداعية فنية جمالية ، يصور تلك اللحظات و الأحداث النادرة ليستنبط جوهرها الذي خفي عن الجمهور . ان حضور الفنان يكون مقرونا بمقدار إنتاجه و مدى مشاركته و فعاليته و تأثيره ، فالفن عند الفيلسوف الألماني “بومجارتن ” محاكاة للطبيعة، وقد وحد علم الجمال و علم المنطق في مصطلح واحد هو علم المعرفة وهذا الكل يتوحد عن طريق الفنان من خلال موضوع متماسك هو ثورة العرض الفني في تجميع الوحدات العاطفية و الصورية و القيمة الجمالية للعمل الفني تتناسب مع الحيوية الحدسية للصفة المنصهرة للتجربة التي تبعثها . و المشاركة الوجدانية لا تجعلنا نشعر بالآخرين فحسب بل تجعلنا نهتم بالمحاكاة لأنها طبيعية بالنسبة لنا وهذا قائم في أساس فن التصوير و النحت و الشعر اضف إلى ذلك ان الغموض هو خاصية الأعمال الفنية و جهلنا بالأشياء هو الذي يسبب إعجابنا و يثير انفعالاتنا.
البيئة :
هي الأجواء التي يعيشها الفنان و يتفاعل مع مظاهرها و أحداثها ، فتترك تأثيراتها في أعماله الفنية أو ربما يكون الفنان قد عاش في بيئتين متباعدتين فكان لحياته التشكيلية وجهان وجه عانى فيه التأخر و الجهل و الكبت ، و الوجه الثاني من الحياة التشكيلية حيث التطور في أسمى مظاهره و الحرية بأوسع معانيها في ظل أنظمة منفتحة . كان حصيلته التعبير بصدق فني في تجسيد البيئة المعاشة و منحها رؤى و أبعاد جمالية يراد بصدق التجربة أن تنبعث من سبب صحيح غير زائف ولا مصطنع ، فالموت يبعث اللوعة في النفس ، و النجاح في العمل يثير شعورا بالفرح و السعادة، و المآسي الإنسانية تثير شعورا بالتعاطف و الحزن العميق ، و المناظر الجميلة تفتح النفس على نوافذ الدهشة و المتعة و تغذي الروح بالأحاسيس السامية . وإذا اعتبرت البيئة مدرسة للفنون لا يتعلم فيها كيف يرسم بقدر تعلمه كيف يلاحظ نفسه وهو يرسم وذلك حتى يستطيع رفع فعل الرسم من مستواه النفسي الطبيعي إلى مستوى الفن بأن يصبح واعيا به ومن ثم يستطيع تحويله من تجربة نفسية إلى تجربة واقعية ، و الفن لا يمكن أن يقف موقف عدم مبالاة بالحقيقة ، فهو أساسا يرمي إلى بلوغ الحقيقة.
الخيال :
قوة مدركة لخفايا الحياة ، فعندما يقال في الحديث العاجي أننا تخيلنا شيئا ما فان ما نتخيله ليس دائما من الأشياء “غير الموجودة بالفعل ” فمن يستطيع الرؤية بالفعل و يتعذر عليه التخيل لن يرى عالما صلبا متماسكا من الأجسام بل سيرى الوانا مختلفة منظمة بوسائل شتى و على هذا يتضح أن الخيال ملكة لا غنى عنها لمعرفتنا بالعالم المحيط بنا . فالخيال له قابلية التوليد و التجريد و الملاحظة و الجمع و الإلغاء و الحلم و هو القدرة على استنباط صور تتعدى الواقع و تتغنى به ، و هو المجال الطبيعي للابتكار و الإبداع الفني وهو يحقق الشكل الأسمى للحرية ، و تصبح اعمق صدقا من واقع الحياة فعندما تكون منقلبة إلى احساسات مؤلمة او لذيذة تبرز القيم لمبدعات الخيال المتجسدة في التماثيل و اللوحات .
هناك حالات من الخيال يزيدها الوهم وعندما تجيء اليقظة ينزاح الوهم و يبقى الخيال للأفكار الثابتة حيث يتم التمايز بين المحسوسات الحقيقية و المحسوسات المتخيلة غير الخاضعة لارادتنا ، فالخيال تعبير عن موقف روحي يعمل على تفكيك الصور العقلية و إعادة تركيبها في صور إبداعية من جديد ، فلا يمكن للخيال ان يعيش بحال من الفراغ بل يتعامل مع كافة ألوان النشاط الروحي للإنسان ، فالتأمل هو اقرب ما يكون للخيال الذي يصور ما سيكون عليه المستقبل ، و الفن التأملي هو الصيغة التنفيذية للتخيل .
و التخيل هو القدرة لدى الفنان على التركيب من عناصر الواقع لطرح شيء جديد ، و الفنان يمارس هذه القدرة في الذهن ثم يحاول ان يجسد المركب الجديد في العمل الفني و يطرح تصورا جديدا يستهدف به تغيير الواقع في العالم .
التراث :
الماضي الموروث الذي يؤثر في الإبداع بما يحمله من أشكال ثابتة متعلقة بالنوع مما يؤثر على التجديد في الشكل و الصياغة و الأسلوب و القيم الجمالية ، و يشمل القناعات الأدبية و الفنية و الثقافية و اللغة ، و براعة الفنان في استغلال التراث لإضافة جديد يصبح هو أيضا تراثا جديدا و يطالبنا ” هيدجر” بان يحملنا التراث لا أن نحمل التراث ، و التراث قد يكون شفا هيا و قد يكون مكتوبا وهو يدخل في صراع مع الأصالة ، يقوم الفنان المعاصر باستحضار تلك الفنون بروحية جديدة تلائم المستوى الحضاري و تحاور الجيل بلغته المتطورة فكثير من الفنانين تثيرهم أحداث بعيدة عنهم مكانيا و زمانيا او تحفزهم دوافع متخيلة فيستجبون لها إن كل فنان لابد من أن يسقط منه في كل تيار أثر فني ، فهم ينتجون لدوافع باطنية تتحكم في العمل الفني ، ومن جهة أخرى فالفنان حين يصطدم فجأة بعقبة مجهولة فيشعر بعدها بإخصاب في قدرته الإبداعية بعد أن يحول إحساسه إلى استجابات حركية ثم يجسد تلك الاستجابات في لوحة أو تمثال من الرخام .

الأحداث :

أن الأثر الفني الناضج لا يظهر حينما يكون الفنان تحت تأثير صدمة الأحداث او نشوة المناسبات ، بل يتكامل تدريجيا بعد فترة تكفي لاختمار تلك الحوادث في مخيلته خاصة الحوادث الطارئة و المفاجئة التي تهز الفنان بعنف، فيكون لها صدى عميق في نفسه و تأثير بعيد على مشاعره فيتأثر بها سريعا و ينفعل بتجاربها، و ان سر عظمتها لا يكمن في تقنيتها و ألوانها و أشكالها فحسب ، بل في عمقها و حركتها مع الزمن ماضيا و حاضرا و مستقبلا ، فهو الممر العميق إلى الحدس الجمالي و يعني الشعور المتوافق الجديد مع الأشياء و الإحساس بضرب من الوئام بين الفكر و الوجود مع تجاوز مستوى الفعل و التجرد عن مطالب الحياة العملية ، فالحدس هو المشاركة الوجدانية التي بمقتضاها ننفذ إلى باطن أي موضوع لكي نتطابق مع ما في ذلك الموضوع من أصالة فريدة وهي شعور مباشر أو رؤية لا تكاد تتميز عن الموضوع المرئي فهي في صميمها تماس ان لم نقل أنها تطابق و اتفاق وهو حدس عقلاني تحول إلى حدس موضوعي .
و الحدث هو السلسلة الرئيسية للأحداث التي تشكل العقدة و هو راجع إلى ترابط الأفكار من خلال العلة و المعلول ، على أن الفن يجب أن يجد الحقيقة مهما كانت هذه الحقيقة فيما هو حاصل و مهما كان الثمن بكل ما في الحياة من فقر و عنف و يأس على مدى امتداد الإدراك الحسي لهذا فان الفن عيان مباشر و استيعاب مباشر .
الذوق في الحياة الفنية التشكيلية :
هو إحساس مكتسب و ظاهرة دائمة عند بعض الأشخاص الذين يجيدون تقدير مواطن الجمال الفني و يستمتعون به هذه المسافة الجمالية هي شعور بوجود نوع من الانفصال بين العمل الفني و الواقع من جهة و بين العمل الفني و المتلقي او المتذوق من جهة أخرى و يجري استشعار العمل الفني على مسافة ، بمعنى أنه يتم تذوقه و تقديره جماليا و على إلا يختلط بالواقع وهو يرجع إلى “كانت” في كتابه ” نقد ملكة الحكم ” كما نشر “بولو” عام 1912 مقالا بعنوان (المسافة المادية كعامل في الفن ) و المبدأ الجمالي، و المسافة الجمالية عنده لها جانبان سلبي و هو طرح الموضوع بمعزل عن الحاجات العملية و جانب إيجابي هو تطوير تجربتنا على أسس جديدة .
و المسافة الجمالية ترتبط بالانطباعات الذوقية التلقائية ، فالذوق يرهف مع السنين لدى الفنانين الحقيقيين، و يزداد سرورنا بألاثار الفنية التي بلغت الى نقاوة الصورة، فيصبح الفنان أقل رضى بما يعمل، و يصبح المشاهد أقسى حكما على ما يتذوق ، ولكنه إذا اعجب بعمل فني كان إعجابه عميقا و كانت حماسته عظيمة ، الخبرة الفنية هي المعرفة التي يحصل الفنان عليها نتيجة تجاربه في حقل الفن و احتكاكه المباشر بالمجتمع العام و بمجتمع الفنانين الخاص و دراسته لروائع الفن و بحوثه لمراحل الفنون، إن الخبرة مقياس دقيق لمعرفة أصالة الأثر الفني فهو يتيح لنا التفريق بين الروائع الفنية وبين الآثار الفنية المقلدة و المزورة و تعطي التمييز بين نتاج الفنانين الأصلي ونتاج مقلد له ، في عصر خلفت أزمانه المادية مزورين بارعين ، فأسلوب الفنان المبدع هو مسحة فنية لا يمحى أثرها حتى لو حاول الفنان التخلص منها و مهما طرق الفنان مواضيع متباينة فان الملامح تبقى نابضة يدركها المتذوق الخبير من نظرة عابرة و يتحسسها المشاهد الواعي خاصة إذا كان على دراية بين “التكنيك” وبين الأسلوب .” فالتكنيك” مهارة ادائية إبداعية بينما الأسلوب مهارة ادائية ، فيها لمسات من التقليد .
و الفن هو التعبير عن المستحيل الممكن ، لا الممكن المستحيل ، و المستحيل المقنع أفضل من الممكن الذي لا يقنع، فرغم وجود أيدولوجيات لنزعات فنية مثل الفن الضد ANTI-ART نوع من الفن يهاجم كل الأشكال التقليدية في الفنون بل و حتى مفهوم الفن نفسه ، و الفن للفن ART FOR ART`S SAKE التي تؤمن بأن العمل الفني قيمة ذاتية دون هدف أخلاقي أو تعليمي ، و الفن يخفي الفن أتى هذا التعبير في اللغة اللاتينية أي أن خير الفنون هو الذي يبدو تلقائيا رغم أنه نتاج جهد شاق من جانب الفنان و يسير مع هذا أن الكتابة الشاقة تفضي إلى القراءة السهلة و على هذا تكون الفكرة ذائبة في العمل الفني .
أوضح ” فنكلشتين سدني” FINKELSTEIN SIDNEY (1900\1974) الناقد الأمريكي في كتابه الواقعية في الفن أن الواقعية هي الرؤية المتقدمة في كل عصر داخل الفن ، و يرى أن الفن يربي الحواس من خلال الواقع محولا المجهول إلى معلوم و زيادة الوعي و الفن هو شكل متخصص من العمل الإبداعي و تاريخ الفنون هو سجل للمراحل المتعاقبة وبه يستكشف الناس العالم الخارجي و اكتشاف صفاتهم و قدراتهم كبشر، و الفن يحاول أن يكشف العالم الداخلي على نحو متطابق مع العالم الخارجي ، و الجمال هو الوعي بتطور الحواس الإنسانية التي تطورت استجابة لتقدم اكتشاف غنى العالم الخارجي ، و الانفعال الجمالي و إدراك الجمال هما الوعي الفرح بالقفزة الشديدة للقوة الإنسانية . ولما كان شأن الرسام و الفنان بصنع الصور، فينبغي عليه بالضرورة أن يتخذ دائما إحدى طرق المحاكاة الثلاثة فهو يصور الأشياء كما كانت او كما هي ، او كما يصفها الناس و تبدو عليه او كما يجب أن تكون .

د.سامي جركس