باعت لوحات بـمليون و600 ألف جنيه واتضح أنها ليست أصلية


بقلم سوزى شكرى
رغم مرور اكثر من 6 سنوات علي أشهر قضايا تزوير اللوحات الفنية إلا انها مازالت إلي الآن امام القضاء ، هي قضية اشترك فيها كل من” يسري محمد حسن”فنان تشكيلي ، ” عايدة ايوب ” راعية الفن بمتحف محمد محمود خليل وحرمه، والتي منحها فاروق حسني وزيرالثقافة الأسبق لقب “راعية الفن” لما تقدمه من رعاية للفن والفنانين .

نجحت “عايدة” في استغلال نفوذها ومنصبها وثقة الآخرين فيها، وباعت للسيدة “مي معين زيد” مجموعة لوحات فنية لكبار الفنانين المصريين من الرواد والمشاهير مثل الفنان حسن سليمان ، محمد ناجي ، راتب صديق ،عفت ناجي ، محمودسعيد، احمد صبري ،عبد الهادي الجزار، حامد ندا وغيرهم. حيث اوهمتها بان اللوحات الفنية آصلية ، ولكن تبين ان جميع اللوحات مزورة ، وكانت “مي زيد ” قد اشترتها بمبلغ مليون و600 الف جنيه .

القضاء المصري تعامل مع القضية علي انها قضية نصب واحتيال لانه لايوجد نص قانوني يخص مزوري اللوحات الفنية وقد ترافع في القضية المحامي “فريد الديب” للدفاع عن المتهمين حيث سخر من الفن التشكيلي واستخف بفكرة اقتناء اللوحات الفنية .

ومن ملف القضية رقم 27190 لسنة 2005 والتي لم تحسم حتي الآن : جاءت حيثيات الحكم الذي وجهته النيابة لعايدة ايوب ” انها اشتركت بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهم يسري حسن للاستيلاء علي المبالغ باستعمال طرق احتيالية تمثلت في الإيهام ان اللوحات المباعة لهما هي لوحات اصلية لفنانين مشهورين واستغلت المتهمة ثقة المدعين فيها وشهرتها في ذلك المجال فتمت الجريمة بناء علي ذلك الاتفاق ” . وتقررحبس المتهمة سنه لكنها توفيت أثناء فترة تأدية العقوبة .

أما يسري حسن فتقرر حبسه ثلاثة سنوات وكفاله 50 الف جنيه مع ايقاف التنفيذ ” . ومازال استئناف يسري ينظر رغم وفاه المتهم منذ ثلاثة شهور .

توجهت «روز اليوسف» الي بعض أطراف القضية لمعرفة القصة الحقيقية .

ومي زيد قالت أنه رغم تعرضها لعملية نصب واحتيال من “عايدة ايوب” إلا إني اتعاطف معها اليوم علي المستوي الإنساني لانها قد توفيت في اثناء فتر العقوبة، اما المتهم الثاني الفنان “يسري حسن” فأخذ ثلاث سنوات سجن مع ايقاف التنفيذ وخرج واستأنف إلا أنه توفي منذ ثلاثة شهور، ولكن مازالت القضية الي الآن امام القضاء رغم وفاتهما . وقضيتي تعتبر جرس انذار لكل الفنانين التشكيليين وهواه الاقتناء وتخص القصور الشديد في توثيق ثروة مصر التشكيلية ، وانه لايوجد تحديد لتاريخ اللوحات الفنية وتفاصليها يمكن الرجوع اليه .

ان اشتريت بدون مستندات ،ولم اكن اعرف ان شراء اللوحات يحتاج إلي مستند وتوثيق . ولم اسع لاسترداد اموالي لاني بذلك سوف اكون رديت اليها اللوحات المزورة وبالتأكيد كانت سوف تبيعها لضحية آخري، ولا استطيع ان اقوم انا ببيعها لشخص آخر، حتي لا اكون مزورة مثلها ، ولن اورث اولادي هذا الورث المزور. الفن التشكيلي فن راق لايستحق ان يصل الي عالم الجريمة .

أوضحت مي : انا تعرفت علي عايدة ايوب ومعها يسري محمد حسن منذ عام 1994 في احدي حفلات الاوبرا وتعمقت الصداقة بيننا ولم اشك لحظة فيها حيث ان منصبها راعية للفن ، وكانت دائما تزيد من حبي للفن واهمية اقتناء اللوحات الفنية . فقمت بشراء اللوحات منها علي فترات، وعندما عرضت اللوحات علي خبراء فنانين قرروا انها غير أصلية . وذهبت للنقاد للتحديد قيمة العمل من أجل التأمين عليها فأكدوا أيضا انها لوحات مزورة , لم اصدق ابدا انها خدعتني لهذه الدرجة، وان اللوحات كلها مزورة ولماذا فعلت هذا ونحن اصدقاء طوال 10 سنوات . ذهبت بنفسي إلي ” ليلي عقت” زوجة عبد الهادي الجزار ، لمعرفة حقيقة اللوحات ، واخذت معي اربع لوحات لعبد الهادي الجزار من التي اشتريتها، فؤجئت قبل ان انطق بكلمة انها تعرف من اين هذة اللوحات وقالت لي: هذه اللوحات من عند “عايدة ايوب” وانها منذ سنوات كثيرة وتقوم بهذا التزوير وان لوحة منها فيها عناصر لوحات عبد الهادي الجزار ولكنها لوحة تاليف وليس لها وجود في اعمال الجزار .

وأكملت مي : ثم توجهت لورثة الفنانة تحية حليم ، وتوجهت لمتحف الفن الحديث للمرحوم احمد فؤاد سليم ، والي منزل الدكتورمصطفي الرزاز، وللفنان حسن سليمان والناقد صبحي الشاروني . والكل أكدوا ان اللوحات مزورة . واخذت اكثر من شهر وانا اذهب كل يوم للتأكيد.فمثلا الفنان حسن سليمان ذهبت إليه ومعي لوحة له ، قال لي :ان جزءًا من اللوحة هي لوحتي ، وباقي اللوحه غير أصلية . لأن عايدة ويسري كانوا بيشتغلوا عند حسن سليمان وانه قد رسم جزءًا من هذه اللوحة ثم رماها . وهما اخذاها وأكملاه ووقعه عليها باسم حسن سليمان . فقررت ان ابلغ النيابة وتوجهت ومعي اللوحات واخذتها النيابة وحرزتها .

في النيابة احضرت شهودي كلهم من النقاد الكبار وخبراء منهم شيخ النقاد كمال الجويلي، والنقاد صبحي الشاروني ،وليلي عفت زوجة عبد الهادي الجزار ، ونزار احمد صبري ، ونجلاء رياض وريثة الفنانه تحية حليم وآخرون .

واضافت : طلبت النيابة ان يقوم قطاع الفنون التشكيلية كإحدي القنوات الشرعية والرسمية بتشكيل لجنة من خمس اعضاء خبراء في الفن التشكيلي منهم محمد حمزة ورضا عبد السلام ومصطفي عبد المعطي ومحمد سالم ومحمد رياض ، ولجنة اخري ثلاثية من الدكتور حمدي عبد الله، والناقد عز الدين نجيب، والناقد الدكتورمحسن عطية ومن خلال استمارة فحص لكل لوحة علي حده اكدوا ان اللوحات مزورة بطريقة فجة وساذجة من السهل كشفها . انكرت عايدة ويسري ما نسب اليهما من تزوير اللوحات . ورغم ما حدث لي إلإ أن عشقي للفن لم يتأثر بل ازددت حرصاً واقتنيت اعمالاً فنية للرواد ومعاصرين من مصدرها الشرعي من ورثة الفنانين وموثقة بشهادات من اصحابها الحقيقيين .

ويقول الناقد الفني عز الدين نجيب رئيس اللجنة الثلاثية : الكارثة هي ان تراث الوطن غير موثق عند مثل هذة القضايا لا نجد مرجعية واضحة ومسجلة ، قضايا تزوير اللوحات تعد وصمة عار علي من يفعلها وعار علينا كفنانين إذا تركنا من يعبث بميراثنا ان يهرب دون أي عقوبة . اثناء القضية قمنا بفحص اللوحات الفنية من خلال اللجنة وسجلنا التقرير في “استمارة فحص عمل فني ” بها اسم الفنان ، تاريخ عمر العمل ، الموضوع الفني ، مقاس العمل ، توقيع الفنان ، اسلوب الفنان والمدرسة الفنية التي ينتمي لها والبصمة التي تميزه، وتبين لنا ان اللوحات مزورة بطريقة فجة وواضحة والالوان بها ركاكة والتزوير ساذج ولا تتفق مع اسلوب الفنان

وأضاف عز : المرحومة عايدة ايوب كانت تقدم دور الرعاية الفن وخدمات الاقتناء وتوفر الاعمال بسعر مناسب حتي يكون الاقتناء في متناول الكثيرين وتمتعت بثقة من حولها وكانت حريصة علي تواجدها في حفلات الأوبرا، ولم يظهر علي تصرفاتها اي استغلال لأنها كانت تساعد الفنانين بخدمات . والمرحوم” يسري حسن ” المتهم الثاني كان قريبًا منها .القضية ليس بسيطة لما لها من آثار سلبيه حتي الآن وضرورة الحسم في هذه النوعية من القضايا حتي يكون لدينا ردع ضد كل المزورين الذين اصبحوا يستخدمون التكنولوجيا المعاصرة في اساليب التزوير . ولذلك اصبح من الضرورة الآن ان يكون التحليل الكيمائي والأشعة المقطعية لأجزاء من اللوحة بكاميرات مخصصة لبيان “بصمة” لتوثيق الأعمال الفنية كلها وخصوصاً المقتنيات المتحفية الموجودة في المخزن لدينا اكثر من 4000 لوحة من عيون الفن العالمي ، ربما تكون ملقاة في المخازن لاندري ماذا فعلت فيها الرطوبة طوال سنوات . واسأل لماذا لاتهتم وزارة الثقافة بالأجهزة التكنولوجية الحديثة لحسم اي لوحة فنية واذا كان لديها الاجهزة هل قامت بتوثيق الاعمال تكنولوجياُ .

جميع متاحف العالم بها قسم للتكنولوجيا الاعمال الفنية بما يكشف أصاله الأعمال . ويمكن الآن اثناء عمليات ترميم المتاحف ان يخصص قسم للصيانة الاعمال وترميمها والكشف الدوري لان المقتنيات مخزنة بسبب عمليات الترميم .

ويقول عز :علي الجانب القانوني فقد تعامل القضاء مع هذه القضية علي انها قضية نصب وقد قمت بالمرافعة بنفسي ولكن بكل اسف لم يفهم القانون خطورة تزوير اللوحات علي الفن ونظروا لها علي انها احتيال ولايزيد الحكم فيها عن ثلاثه سنوات . ولايوجد مادة في القانون بها عقوبة لمزور اللوحات رغم ان هناك مادة قانونية لمزوري العملة . فكان علي النيابه تقريب القضية إلي اقرب ماده وهي ” النصب والاحتيال ” . فلابد الآن من تقديم وطرح صياغة للقانون يحكم في قضايا الفن التي زادت مع ارتفاع اسعار الفنانين في المزادات العالمية والتي تدفع المزورين علي التزوير .ولابد من ربط هذا القانون بحقوق الملكية الفكرية لأنه أيضا اعتداء علي خصوصية وفكر الفنان .

ويقول الدكتور الفنان مصطفي الرزاز : هذة القضية ليست الاولي في الكشف عن التزوير ولكنها كشفت بعضهما فالتزوير هو نشاط مرافق لارتفاع اسعار اللوحات الفنية للفنانين في المزادات العالمية وان هواة الاقتناء اصبحوا يعرفون قيمة اللوحات الفنية للرواد وللمعاصرين . ولكن توثيق العمل الفني بكل اسف اجد من يمارسه من منازلهم علي انها ” مهنة” رغم أن لهؤلاء خبرة فنية في تحديد أصالة اللوحة لكن للتحديد بموضوعية لابد من وجود اكثر من خبير لان التزوير اصبح له علماء بارعين في التزوير بدرجة كبيرة بدءًا من الالوان وصولا بنوع القماشة وبصمة الفنان والتوقيع . التوثيق يحتاج لجهات رسمية تسجل بكل الطرق الحديثة الاعمال لتصبح هذه الجهة هي من يحسم أصالة العمل ، وايضا شهادة موثقة من الفنان نفسة انه باع هذا العمل للمشتري حتي يتحمل المسئولية .

وقبل القضية جاءت لي السيدة “مي ” التي أحييها علي موقفها أنها بلغت عن التزوير ورفضت السكوت مثل الكثير الذين اكتفوا برد أموالهم من عايدة وصمتوا حتي ينتهي الامر . فجاءت لي واحضرت معها اللوحات وقد صدمت من كل هذا الكم من اللوحات المزورة. ووجدتها نسخ مقلدة والتزوير بها 100% وواضح جدا لاي فنان له خبرة في تاريخ الفن المصري . السيدة مي تعشق الفن مثل معظم المقتنين ولكن هواة الاقتناء لايعرفون تاريخ الفنان واعماله المشهورة لذلك قد يقعون ضحايا لهؤلاء المزورين . ومن هذه القضية لابد من طرح قانون خاص بالتزوير وعقوبة تتدرج علي حسب نوعية التزوير . بالاضافة الي كل مقتنيات الدولة لابد ان توثق بالطرق التكنولوجية واسلوب البصمة السرية فكلما يرتفع سعر الرواد الفنانين في الخارج يزيد معه الاقبال علي الفن المصري . والاقتناء ضرورة لتسويق الفن في الخارج وانها بمثابة سفير لمصر.

اما الدكتور الناقد محسن عطية أحد اعضاء اللجنة في القضية : ذاكرة الحركة الفنية المعاصرة غير مسجلة .

واتساءل لماذا اوقف قطاع الفنون التشكيلية عمل اللجنة العليا لتوثيق الاعمال الفنية لقد كانت لجنة دائمة . لأن الجهة الرسمية هي الطرف الرئيسي في مثل هذه القضية فحين طلبت النيابة حسم الاعمال والتأكد من أصالتها طلبت الجهة الرسمية الثقافية ولم تطلب اي موثق وقد قمنا بذلك بنموذج واستمارات لفحص العمل الفني .وعلي القطاع ان يكون هو الجهة التي تعطي للمشتري او من يقتني اللوحات شهاده انها أصلية .

كما ان في القضية استخدم المتهم المرحوم”يسري حسن ” اسلوب التكنولوجيا في طبع اللوحة وزورها، فإذا كان المزور اصبح تكنولوجي الفكر ، لابد ان نوثق نحن اعمالاً بالتكنولوجيا لتحديد العمر الزمني للعمل الفني والخامة والقماش المرسوم عليها . كما لابد من تحديث وتطوير بنك المعلومات الموجود في قطاع الفنون التشكيلية .

وأهم مشكلة في التزوير هي توقيع الفنان فمن يوقع اسم الفنان نفسه فقد زور تزويرًا كاملاً لان هناك اعمالاً فنية بها اجزاء من لوحات لفنانين مشاهير لاتعد تزويرًا لانها غير موقعة باسم الفنان الأصلي ولكنها معالجة جديدة ورؤية . وهناك تقليد الاعمال من اجل التدريب والتعلم ، فلابد ان نفرق بين اي نوع من التقليد اتبع ، اهمهما هو ” توقيع اسم الفنان ” وبنفس طريقته فهذا اثبات انها جريمة نصب .

وان زادت اعمال التزوير بسبب اقبال الاقتناء علي شراء اعمال للفنانين راحلين ولكن لماذا لايقتني الهواة من فنانين المعاصرين ، سوف تكون اجراءاتهم سليمة وموثقة من الفنان نفسه.

لان إذا كان المقتني يعتبر أن الفن سلعة واستثمار فالأصالة اهم في هذا الاقتناء وهي الضمان الوحيد ولدينا في مصر فنانون معاصرون وشباب لهم اعمال سوف تصل الي العالمية وستكون في المستقبل في صالات المزاد .

بدلاُ من ان تعتمد المزادات علي اعمال الرواد الراحلين ويعتمد المقتني علي الراحلين ايضا هذا ليس تقليلاً من قيمة روادنا الراحلين فهم من فتحوا الطريق للفنانين المصريين لأخذ موقعهم من الشهرة والمكانة العالمية ولكن هذا من اجل الابتعاد علي عالم التزوير .

المصدر: rosaonline.net/Daily/News.asp?id=113854
العدد 1816 – الخميس – 2 يونيو 2011